تتجه أنظار الشارع الاقتصادي في مصر والعالم إلى طبيعة العلاقة بين القاهرة وصندوق النقد الدولي، باعتبارها واحدة من أكثر الملفات حساسية في هذه المرحلة، حيث تتقاطع فيها المصالح الدولية مع الأولويات الوطنية، وتتشابك الاشتراطات المالية مع الأبعاد الاجتماعية.
وبينما يرى البعض أن التزام مصر الكامل بـ"روشتة" الصندوق يمثل ضمانة لثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية، يؤكد آخرون أن الدولة المصرية لديها من الأدوات والمرونة ما يمكنها من صياغة مسار إصلاحي خاص بها، يحافظ على توازن الاقتصاد ويحمي الفئات الأكثر احتياجا.
هل مصر مضطرة لتنفيذ طلبات صندوق النقد؟
ومع اقتراب برنامج صندوق النقد الحالي من مراحله النهائية، يتجدد الجدل حول مستقبل التعاون بين الجانبين، خصوصا في ما يتعلق بقرارات مصيرية مثل رفع الدعم عن الطاقة أو تأجيل زيادات الأسعار، فهل مصر مضطرة لتنفيذ طلبات صندوق النقد الدولي، أم أنها ستتمسك بخياراتها الوطنية بما يحقق المصلحة العامة؟.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، أن تعامل مصر مع صندوق النقد الدولي يرتكز على صياغة حالة من التوافق بين متطلبات الصندوق والرؤية المصرية التي تضع البعد الاجتماعي في مقدمة القرارات الاقتصادية.
وقال "البهواشي"، في تصريح خاص لـ بانكير، إن التجربة التاريخية أثبتت أن مصر لا تنفذ الاشتراطات بشكل حرفي كامل، وإنما تحرص على مواءمة ما يطلب منها مع أولوياتها الداخلية، مشيرًا إلى أن العلاقة مع الصندوق مستمرة ولا تنتهي حتى إذا شارف البرنامج الحالي على الانتهاء.
استراتيجية تقليل الاعتماد على الصندوق
وأضاف البهواشي أن التعاون مع صندوق النقد الدولي لا يقتصر على الحزم التمويلية فحسب، بل يشمل كذلك الدعم الفني والمشورة، وهو ما يمثل شهادة ثقة في الاقتصاد المصري أمام المؤسسات الدولية والمستثمرين على حد سواء.
وأكد الخبير الاقتصادي أن علاقة مصر بصندوق النقد الدولي، تتجاوز فكرة التمويلات إلى بعد أعمق يرتبط بالبرامج الإصلاحية التي تنتهجها الدولة المصرية والتي ما زالت قائمة حتى الآن.
واختتم الخبير الاقتصادي تصريحاته بالتأكيد على أن مصر في طريقها إلى الدخول في مرحلة تعاون جديدة مع صندوق النقد الدولي، ولكن وفقًا للطريقة المصرية، وبما يضمن تقليل الاعتماد المالي المباشر على الصندوق مع الاستمرار في مسار الإصلاح.

مصر تستطيع تعديل ارتباطها مع صندوق النقد
وفي السياق ذاته، قال الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أن لمصر القدرة على تعديل إجراءات ارتباطها مع صندوق النقد الدولي بما يتناسب مع المصلحة العامة للاقتصاد الوطني.
وأشار “بدرة”، في تصريحات خاصة لـ بانكير، إلى أن ما قام به رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي من إرجاء قرار زيادة أسعار الكهرباء يعكس هذا التوجه، معربا عن أمله في أن يتم أيضا تأجيل رفع أسعار البنزين والسولار، والذي كان من المقرر تطبيقه خلال اجتماع لجنة التسعير التلقائي الشهر المقبل، حتى يتاح للتضخم أن ينخفض بمعدلات ملموسة تسهم في استقرار الأسعار وعدم تحريكها.
ولفت بدرة إلى أن صندوق النقد الدولي قد لا يرحب بقرار تأجيل زيادة أسعار الكهرباء أو المواد البترولية، باعتبارها جزءًا من "روشتة" الإصلاح المرتبطة بالمراجعة الخامسة والسادسة.
الصندوق وقرار تأجيل زيادة أسعار الكهرباء
وأضاف: “رغم ما تشهده مصر من تحسن كبير على الصعيد الاقتصادي، يتجلى في تراجع التضخم وانخفاض سعر الصرف وزيادة الاحتياطي النقدي مدفوعًا بارتفاع تحويلات المصريين في الخارج ونمو الصادرات وتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أن الصندوق قد يرفض منح مصر ما تبقى من قيمة القرض”.
وأضاف أن الصندوق قد يعلن تمسكه بعدم صرف الشرائح المتبقية من القرض في ضوء المراجعة الخامسة والسادسة بسبب عدم الامتثال الكامل لمطالبه، غير أن مصر - على حد وصفه - قد ترجئ هذا الملف مستفيدة من استمرار تحسن أوضاعها الاقتصادية.

شهادة الصندوق وتأثيرها على المستثمرين
وشدد بدرة على أن أي قرار يتعلق برفع الدعم أو تأجيل زيادة أسعار الوقود والكهرباء هو شأن مصري خالص، ولا يملك الصندوق أي سلطة لفرضه، إذ يقتصر دوره فقط على إرجاء تسليم الدفعات المتبقية من القرض كما حدث سابقًا في المراجعة الخامسة.
وحذر الخبير الاقتصادي من أن ما يثير القلق لا يتمثل في التمويل ذاته بقدر ما يتعلق بشهادة الصندوق تجاه الاقتصاد المصري، معتبرا أن أي إرجاء لإصدار هذه الشهادة قد يثير مخاوف لدى المستثمرين الأجانب ويدفع بعضهم إلى سحب جزء من الأموال الساخنة.
واختتم بدرة تصريحاته بالتأكيد على أن الدولة المصرية تتعامل اليوم بمنتهى الشفافية، وتعلن بيانات رسمية دقيقة تعكس الحقائق كاملة أمام المستثمرين والمجتمع الدولي، مشيرًا إلى أن عرض وجهة النظر المصرية في المفاوضات مع صندوق النقد يمثل ركيزة أساسية لضمان استمرار التعاون والحصول على الشرائح المتبقية من القرض، دون أن يكون للصندوق حق فرض قرارات على مصر.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.