في ظل مشهد اقتصادي يتسم بالتعافي التدريجي والتحديات المستمرة، تتجه الأنظار نحو اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري المقرر عقده الخميس المقبل، 28 أغسطس 2025، لتحديد مصير أسعار الفائدة.
ويأتي هذا الاجتماع في توقيت دقيق، حيث تشهد مصر تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات الاقتصاد الكلي، مثل انخفاض معدلات التضخم وارتفاع الاحتياطيات الدولية، بينما تظل الضغوط التضخمية المحتملة وتأثيرات السياسات العالمية تلوح في الأفق.
وفي استطلاع خاص أجرته منصة "بانكير" الاقتصادية، شمل نخبة من الخبراء الاقتصاديين، نكشف عن توقعات متباينة ولكن متفائلة حول قرارات البنك المركزي، مع ترجيحات قوية لخفض أسعار الفائدة، ونستعرض تحليلًا معمقًا لتوقعات الخبراء، ونرصد العوامل الاقتصادية التي تشكل هذه التوقعات، مع التركيز على الآثار المحتملة للقرار على الاقتصاد المصري.
سياق اقتصادي داعم للتيسير النقدي
وتشهد مصر في عام 2025 تحسنًا ملحوظًا في العديد من المؤشرات الاقتصادية، فقد انخفض معدل التضخم السنوي بشكل حاد من 25.7% في مارس 2024 إلى 18.9% في مارس 2025، مع توقعات بمزيد من الانخفاض خلال النصف الثاني من العام.
كما ارتفعت الاحتياطيات الدولية إلى 49.036 مليار دولار في يوليو 2025، مدعومة بزيادة إيرادات قناة السويس إلى 9.4 مليار دولار وتحويلات المصريين بالخارج التي بلغت 32.8 مليار دولار حتى مايو 2025.
وهذه التطورات، إلى جانب استقرار سعر صرف الجنيه المصري عند حوالي 48.42 جنيه للدولار، تعزز الثقة في قدرة الاقتصاد على استيعاب سياسات نقدية أكثر مرونة.
وعلى الصعيد العالمي، تشير التوقعات إلى تباطؤ التضخم في الأسواق المتقدمة، مما دفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى الإشارة إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من عام 2025، وهذا التوجه يوفر بيئة داعمة للبنوك المركزية في الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر، لاتباع سياسات تيسير نقدي حذرة.
خفض حذر لدعم النمو
ويتوقع الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن يتجه البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة بنسبة تتراوح بين 1 و2%، مرجحًا أن يكون الخفض بواقع 1% فقط.
وأرجع ذلك إلى التحسن الملحوظ في المؤشرات الاقتصادية من ناحية، وإلى ما ستشهده الأشهر الثلاثة المقبلة من زيادات في أسعار عدد من السلع والخدمات نتيجة رفع الدعم الكامل عن المحروقات، وارتفاع أسعار الكهرباء، إلى جانب تأثير قانون الإيجارات الجديد على تكلفة السكن من ناحية أخرى.

وقال الفقي، في تصريحات خاصة لـ"بانكير": "خفض معدلات الفائدة ينعكس مباشرة على مجتمع الأعمال، إذ يؤدي إلى تراجع تكلفة الاقتراض، وهو ما يمثل تيسيرًا نقديًا يحفز النشاط الاقتصادي ويدعم جذب المزيد من الاستثمارات".
وأشار إلى أن العالم يشهد موجة من التيسير النقدي، لاسيما في السياسة النقدية للفيدرالي الأميركي، وهو ما يعكس حالة من الهدوء النسبي للتوترات الدولية، ويمثل بيئة داعمة لتوجه البنوك المركزية نحو خفض أسعار الفائدة.
ولفت الفقي إلى أن مؤسسات دولية وبنوك استثمار كبرى، من بينها "جولدمان ساكس"، توقعت خفض الفائدة، استنادًا إلى انخفاض التضخم من 23% في يناير 2025 إلى 13.9% في يوليو 2025.
وأكد أن لجنة السياسات النقدية تأخذ في اعتبارها التوقعات المستقبلية للتضخم، ورؤية المؤسسات المالية الدولية، واتجاهات الفيدرالي الأميركي.
ورغم توقعه لضغوط تضخمية إضافية بفعل ارتفاع الإيجارات وإلغاء دعم المحروقات، رجح أن ينخفض التضخم تدريجيًا ليصل إلى النطاق المستهدف (5-9%) بحلول الربع الرابع من 2026، متوقعًا خفضًا تراكميًا للفائدة بمعدل 3-4% بحلول نهاية 2025.
تخفيض متوازن لتخفيف أعباء الموازنة
وتوقع الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس خلال الاجتماع القادم.
وأشار إلى أن هذا التخفيض قد يتجاوز هذا الحد إذا قرر الفيدرالي الأمريكي خفض الفائدة، كما هو متوقع بناءً على تباطؤ التضخم في الأسواق المتقدمة، موضحًا أن خفض الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس سيوفر ما بين 40 إلى 50 مليار جنيه بميزانية الدولة، مما يعزز الاستقرار المالي ويوفر هامشًا ماليًا للحكومة لدعم القطاعات الحيوية.
وأضاف بدرة أن هذا التخفيض يتماشى مع انخفاض التضخم من 25.7% في مارس 2024 إلى 18.9% في مارس 2025 ووصل إلى 13.9% في يوليو 2025، مع توقعات بمزيد من الانخفاض خلال 2025 و2026.

وأشار إلى أن خفض الفائدة سيعزز النمو الاقتصادي من خلال تقليل تكلفة الاقتراض للشركات، مما يشجع التوسع في الاستثمارات، خاصة في الصناعات التحويلية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، محذرًا من أن أي خفض يجب أن يتم بحذر لتجنب الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا أو التوترات الجيوسياسية.
دعم الاستثمار مع مراقبة التضخم
من جهته، توقع الدكتور سمير رؤوف، الخبير الاقتصادي، خفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، مع إمكانية خفض إضافي مماثل في الاجتماع التالي.
وأوضح أن هذا التخفيض سيحسن الأداء الاقتصادي من خلال تقليل تكلفة الاقتراض، مما يدعم القطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مشيرًا إلى أن التضخم انخفض إلى 18.9% في مارس 2025 وفي مارس 13.9%، وارتفعت الاحتياطيات الدولية إلى 49.036 مليار دولار، مما يعزز الثقة في الاقتصاد.

وحذر رؤوف من ضغوط تضخمية محتملة نتيجة تسعير السلع بالدولار، مما قد يدفع البنك المركزي إلى تعليق خفض الفائدة إذا تفاقمت هذه الضغوط، وأوصى بتعزيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات والحفاظ على استقرار الأسعار.
خفض مرن لتحفيز الأعمال
أما الدكتور مدحت نافع، توقع خفضًا لأسعار الفائدة بين 100 و300 نقطة أساس، مشيرًا إلى أن بيانات التضخم "المواتية نسبيًا" تدعم خفضًا أقصى، بينما يشير خروج الأموال الساخنة في أغسطس إلى وتيرة أبطأ.
وأكد أن "التيسير النقدي بات ضروريًا لخفض الفائدة الحقيقية على أدوات الدين المصرية، والتي ستظل موجبة حتى بعد التخفيض".

وأشار إلى أن هذا الخفض يقلل تكلفة التمويل ويحفز النمو الاستثماري، خاصة مع ارتفاع شهية المخاطر تجاه الأسواق الناشئة.
حذر في مواجهة التحديات الهيكلية
بدورها، توقعت الدكتورة يمن الحماق، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، خفضًا طفيفًا بين 0.25 و0.5%، مستبعدة خفضًا أكبر من 1% بسبب الضغوط التضخمية المستمرة، وأوضحت أن الفجوة بين الأجور والإنتاجية، والعجز في الموازنة العامة والميزان التجاري، تعزز هذه الضغوط.

وأشارت إلى أن التضخم في مصر يعكس مشكلات هيكلية وليس نقدية فقط، واصفة السياسة النقدية بأنها "قيادة مركب وسط أمواج عالية"، داعية إلى التوسع في المشروعات الصغيرة واستغلال الطاقات المعطلة لتحقيق استقرار مستدام.
مرحلة التبشير الاقتصادي
أما، الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، فقد أكد أن الاقتصاد المصري يشهد استقرارًا ملحوظًا، مدعومًا بوفرة الاحتياطي النقدي وانخفاض التضخم إلى 13.9% في يوليو 2025.
وتوقع خفض الفائدة بمعدل 2-3%، معتبرًا أن مرحلة التشديد النقدي انتهت، وأن التيسير النقدي سيجذب استثمارات مباشرة.

وأشار إلى انخفاض سعر الدولار إلى 48.42 جنيه، وتوقع تدفقات دولارية إضافية مدفوعة بانتعاش الاستثمار والصناعة والسياحة.
ويظهر استطلاع "بانكير" توافقًا بين الخبراء على أن البنك المركزي المصري سيتبنى سياسة تيسير نقدي حذرة في اجتماع الخميس 28 أغسطس 2025، مع توقعات بخفض أسعار الفائدة بمقدار يتراوح بين 100 و300 نقطة أساس.
وهذه التوقعات تعكس التحسن في المؤشرات الاقتصادية، مثل انخفاض التضخم واستقرار الجنيه، ولكنه يتطلب موازنة دقيقة لتجنب الضغوط التضخمية المحتملة.
ومع استمرار الإصلاحات الاقتصادية وزيادة تدفقات العملة الأجنبية، يبدو أن الاقتصاد المصري على أعتاب مرحلة جديدة من التعافي، شريطة أن تظل السياسات النقدية مرنة ومتجاوبة مع التحديات المحلية والعالمية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.