مؤمن الجندي يكتب: هنا لعبة.. هناك سلعة

مؤمن الجندي يكتب: هنا لعبة.. هناك سلعة
مؤمن الجندي يكتب: هنا لعبة.. هناك سلعة

لم تكن الكرة يومًا حكرًا على الأندية، ولا تُقاس سحرها بما يُنفق عليها.. فالكرة الحقيقية لا تُولد في قاعات الاجتماعات، ولا بين عقود الرعاية، بل تنمو في الشوارع، على الإسفلت، فوق التراب، في قلب الزحام الشعبي.. هناك حيث يركض الولد حافيًا خلف حلمه، ويهتف الجمهور من القلب لا من خلف الشاشات.

في مصر، ثمة حياة كروية موازية، لا تنقلها الفضائيات، لكنها تسكن عيون الناس وقلوبهم.. إنها الدورات الشعبية، تلك البطولات التي تصنع الفرح دون ميزانية، وتمنح المتعة دون مقابل.

الدورات ليست مجرد مباريات تُلعب، بل هي طقوس اجتماعية كاملة.. الحي كله يتحول إلى خلية نحل، الرجال يتجمعون قبل الغروب، الشوارع تُغلق، الأطفال يبيعون الفشار والسوبيا، والسيدات يشاهدن من الشرفات وهن يدعين لأولادهن بالهدف.

في تلك الدورات، لا توجد تقنية "فار" وإن كان بعضهم يضيفها في مشاهد بسيطة، لكن هناك عدالة فطرية.
 

لا عقود انتقال، لكن هناك انتماء خالص.. لا يوجد فيها مدربون بأجور فلكية، لكن هناك "كابتن الحارة" الذي يُدير الفريق بحدسه وحماسه.

وبين مئات الدورات في مصر، تبرز بعض البطولات كنجوم لامعة في سماء الشغف، ومن بينها دورة المشاعلة والقضاة وإمبابة وغيرهم، تلك الدورات التي تحولت إلى ما يشبه "الأسطورة المحلية".

ليست مجرد دورة، بل مهرجان رياضي شعبي، يكتسب هيبته من جمهوره وروحه وسمعته.

هذه الدورات لا تُقام فقط في ملعب، بل تُزرع في ذاكرة الناس.. فرق من كل مكان تأتي كي تختبر موهبتها وسط جمهور يعرف الكرة بالفطرة.. هتافات، نقاشات، تفاعل، وكل هذا مجانًا.. نعم، مجانًا، في زمن تباع فيه تذاكر مباريات بلا طعم ولا لون بمئات الجنيهات!

تابعت أكثر من فيديو خلال الأيام الماضية من دورة المشاعلة، ولفت انتباهي الإعلامي أحمد أشرف، الزميل والمحب للكرة الحقيقية، الذي لم يكتفِ بنقل الدورة، بل احتضنها، وصار واحدًا من صُناعها، هو لا بالشكل الطبيعي بل يعيشها كمواطن يعرف قيمة المتعة، ونعيش معه قيم إنسانية من روح العائلة التي افتقدناها، مما يؤكد أن الإعلام لا يجب أن يكون حكرًا على "الدوري الممتاز".

أما أنت صديقي القارئ، وأنت تقارن بين مدرجات خاوية في مباريات الدوري، ومئات الوجوه التي تبتسم في ساحات الدورات، تدرك أن الملايين لا تصنع السعادة، بل تصنعها الروح، والنية، واللعب من أجل المتعة.


في النهاية، ربما لا يعرف البعض أسماء أبطال الدورات، ولا يحفظون أسماء الفرق، لكنهم جميعًا يحفظون الإحساس.. يحفظونه لأنه صادق، ولأن الكرة عندما تلعب بين الناس، تعود إلى أصلها النقي.. حقًا هنا لعبة.. هناك سلعة!

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا 

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد من كل أسبوع بشارع قناة السويس بمدينة المنصورة
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة