أخبار عاجلة

العدالة المؤجلة في الجزائر .. استقبال حقوقية يتحول إلى خطر على النظام

العدالة المؤجلة في الجزائر .. استقبال حقوقية يتحول إلى خطر على النظام
العدالة المؤجلة في الجزائر ..  استقبال حقوقية يتحول إلى خطر على النظام

في بلد لا تزال جراح الماضي مفتوحة فيه، ويخيم عليه في كل مرة شبح “العشرية السوداء”، اختار النظام الحاكم أن يغلق الباب في وجه كل صوت يطالب بالكشف عن حقيقة ما حدث خلال هذه الفترة المظلمة من تاريخ الجزائر؛ إذ أقدمت السلطات في هذا البلد على طرد الناشطة الحقوقية نصيرة ديتور، أم أحد المفقودين خلال الفترة المذكورة رئيسة تجمع عائلات المفقودين في الجزائر عضو الفيدرالية الأورو-متوسطية ضد الاختفاء القسري، فور وصولها إلى مطار هواري بومدين يوم الأربعاء الماضي.

وفي وقت تحظى فيه حوادث منع المغرب نشطاء وصحافيين مناصرين للطرح الانفصالي في الصحراء المغربية من دخول أراضيه بتغطية واسعة من طرف الإعلام الرسمي الجزائري، الذي لا يتوانى في شنّ حملات ضارية على المملكة متهما إياها بـ”قمع الصحراويين”، مرّت حادثة طرد ديتور في صمت تام من وسائل الإعلام والصحف الجزائرية التي تجاهلت الخوض في هذه القضية، التي تحمل أبعادا إنسانية وسياسية عميقة تهدد مشروعية وجود النظام الجزائري نفسه.

وباستثناء بعض المنظمات الحقوقية المستقلة، التي تنشط غالبا في الخارج، تمتنع وسائل الإعلام الجزائرية، وكذلك العديد من المنظمات التي تنشط في الداخل وتتماهى مع سياسة النظام وتقتات على أمواله، عن الخوض في كل ما له علاقة بانتهاكات “العشرية السوداء”، التي اختارت الجزائر العيش في ظلال ماضيها بدل مواجهته بجرأة ومسؤولية.

في هذا الصدد، عبّرت منظمة شعاع لحقوق الإنسان، المهتمة بالشأن الحقوقي في الجزائر، عن استنكارها وإدانتها الشديدة للإجراء التعسفي الذي أقدمت عليه السلطات الجزائرية بطرد ديتور من الجزائر، معتبرة أن “هذا الإجراء يُعد خرقا سافرا للدستور الجزائري، وتحديدا المادة 49 التي تضمن حق كل مواطن في اختيار موطن إقامته، والتنقل بحرية داخل البلاد، والدخول إليها والخروج منها، ولا يجوز تقييد هذه الحقوق إلا بقرار قضائي مبرر ولمدة محددة”.

وأكدت المنظمة الحقوقية ذاتها، ضمن بيان لها، أن “طرد ديتور دون أي مسوّغ قانوني أو أمر قضائي يُعد أيضا انتهاكا صارخا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان”، مبرزة أن “المعنية بالأمر ليست فقط مواطنة جزائرية من حقها الدخول إلى بلدها دون قيد أو شرط، بل هي أيضا مدافعة عن حقوق الإنسان، كرّست أكثر من ربع قرن من عمرها لكشف الحقيقة بشأن جرائم الاختفاء القسري في الجزائر، التي طالت آلاف الضحايا خلال هذه العشرية الدموية”.

وسجل البيان ذاته أن عملية الطرد هذه، التي تُعد “محاولة لإسكات صوت ذاكرة الضحايا عبر طرد رموزها، لن تُلغي الحقيقة، ولن تُطفئ شعلة النضال التي تتقد في قلوب آلاف العائلات الجزائرية التي لا تزال تطالب بمعرفة مصير أحبائها، والكشف عن الحقيقة، وتحقيق العدالة”.

قمع مدروس

رشيد عوين، حقوقي جزائري مدير منظمة “شعاع” لحقوق الإنسان، صرح لهسبريس بهذا الخصوص بأن “طرد الحقوقية نصيرة ديتور لا يمكن اعتباره مجرد حادثة معزولة أو إجراء إداريا عابرا، بل هو فعل سياسي محسوب يحمل رسالة واضحة ومقصودة إلى كل المدافعين عن حقوق الإنسان، داخل الجزائر وخارجها”.

وأضاف الحقوقي الجزائري ذاته أن “السلطات الجزائرية تسعى من خلال هذا القرار إلى إيصال رسالة مفادها أنه حتى وإن كنت جزائريا، وحتى وإن كنت أبا أو أما لمفقود، وحتى وإن كان نضالك سلميا ومدنيا، فإن صوتك مرفوض إن خالف الرواية الرسمية”، مبرزا أن “هذا التصرف لا يستهدف شخص نصيرة ديتور فحسب، بل يوجّه تحذيرا صريحا لكل من يطالب بالحقيقة، أو يتحدى الصمت المفروض على ملفات الانتهاكات الجسيمة التي عرفتها البلاد”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “طرد مناضلة بارزة بحجم ديتور، التي تمثّل أحد أهم رموز النضال السلمي الطويل من أجل الذاكرة والعدالة، يُعدّ محاولة ممنهجة لكسر رمزية هذا النضال، وبثّ رسالة مفادها أن لا أحد بمنأى عن العقاب”.

وخلص عوين إلى أن “ما يحدث هو سياسة قمع مدروسة، تهدف إلى إقصاء الأصوات الحرة الواعية، لا لمجرد إسكاتها، بل لترهيب غيرها قبل أن تُفكّر حتى في رفع الصوت، أو المطالبة بالحق، أو مساءلة الدولة عن الماضي، أو التنقيب في الذاكرة الجماعية التي لا تزال مفتوحة وملتهبة في وجدان الشعب الجزائري”.

تجييش ضد المغرب

اعتبر عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش” نائب منسق تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن “الأجهزة الأمنية الجزائرية لن تنسى التزام المدافعة الشرسة عن حقوق الإنسان نصيرة ديتور حينما صرخت: ‘لقد اختفى ابني. والآن أُمحى أنا بدوري. لكن ما دمت أستطيع الكلام، فسأفعل من أجله ومن أجل الآخرين، من أجل الذاكرة، ومن أجل العدالة’، ولذلك من الصعب تصور التحرر من عقدة الذنب التي ترافق النظام الجزائري بسبب ارتكابه انتهاكات جسيمة ضد مواطنيه خلال حقبة العشرية السوداء”.

وأضاف أن “طرد هذه المناضلة من بلدها بطريقة مهينة هو ضرب للوفاء بالتزامات الجزائر الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومحاولة يائسة للتعتيم على حق الضحايا وأفراد عائلاتهم في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة وتوعية الرأي العام الوطني الجزائري والدولي”، متابعا: “على هذا الأساس، نتساءل كفعاليات مدنية عن السبب الحقيقي وراء احتجازها وطردها من مطار هواري بومدين، وترحيلها بعد ثلاث ساعات من الاحتجاز دون سند قانوني، في مخالفة صريحة للفصل 55 من الدستور الجزائري، الذي ينص على أنه لا يجوز منع أي شخص من دخول بلده، علاوة على طابع أنشطتها الميدانية السلمي، الذي لا يهدد بأي شكل من الأشكال النظام العام”.

وأشار عبد الوهاب الكاين إلى أن “طرد نصيرة ديتور من بلدها يحيلنا إلى عدم قابلية السلطات الجزائرية لتلقي أصوات لا تتماشى مع خلفيتها الأمنية، وإلى تعامل الحكومة الجزائرية مع كل من ترى فيه تهديدا لاستمرار نهجها القمعي ورفض الصمت عن الجرائم والمطالبة بالعدالة وكشف الحقيقة، في تكييف هجين لمفاهيم من قبيل الوئام المدني، والمأساة الوطنية، والوحدة الوطنية، لقطع الطريق أمام مجتمع المدافعين عن حقوق الإنسان والضحايا وذويهم لمعرفة الحقيقة، ومكافحة سياسة الإفلات من العقاب المتبعة على نطاق واسع في السياق الجزائري”.

وأكد المتحدث لهسبريس أن “السلطات الجزائرية تلجأ إلى تنظيم حملات مناصرة لنشطاء أوروبيين وصحراويين من المحتجزين بمخيمات تندوف لإثارة قضايا حقوق الإنسان في منتديات غربية بطريقة مفضوحة، في محاولة لتوريط المغرب في تلك اللقاءات الدولية والاستحقاقات الأممية التي ما فتئت تُنظَّم لمناقشة قضايا كونية ذات الصلة بالقانون الدولي وبفض النزاعات بطرق سلمية”.

وزاد شارحا: “على هذا الأساس، تستخدم الجزائر المال السياسي لتهييج النشطاء ودفع الغربيين إلى تبني مواقف متطرفة من المغرب ومن قضاياه، دون معرفة مسبقة بالتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، أو مستوى إعمال تلك الالتزامات، والممارسة الاتفاقية المتقدمة للمملكة المغربية، التي نالت إشادات دولية كبيرة”.

وأبرز الكاين أن “الجزائر ومشايعيها من أتباع تنظيم البوليساريو يتذرعون بإقدام المغرب على طرد حقوقيين من الأقاليم الجنوبية للمسّ بسجل المغرب الناصع في مجال حقوق الإنسان، ونحن نؤكد ذلك، ليس كمؤسسات رسمية أو ممثلين للسلطات، ولكن بوصفنا مدافعين عن حقوق الإنسان، كان من المفروض الالتقاء بنا لمناقشة المزاعم المُروَّج لها من قبل هؤلاء الحقوقيين الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن يتبيّن لنا في كل مرة أن أنشطتهم موجّهة لضرب استقرار المغرب، وتغليط الرأي العام الدولي، وتنفيذ أجندات محددة بعدم الانفتاح على مكونات المجتمع المدني، لا سيما بالأقاليم الجنوبية”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين
التالى تداول 27 سفينة للحاويات والبضائع العامة بميناء دمياط