في حكم قضائي استرعى الكثير من اهتمام وسائل الإعلام في بريطانيا وخارجها، أصدرت المحكمة العليا في لندن قرارًا يقضي بأن قرار الحكومة البريطانية بالسماح بتصدير مكونات مقاتلات إف-35 إلى إسرائيل قانوني مائة بالمائة ويتماشى مع أحكام القوانين الدولية والمحلية، وذلك رغم الجدل القانوني والأخلاقي المحيط بهذه القضية.
جاء هذا الحكم في أعقاب تحدٍ قانوني رفعته منظمة الحق الفلسطينية، وهي منظمة حقوقية مقرها في الضفة الغربية، ضد قرار وزارة الأعمال والتجارة البريطانية باستثناء قطع غيار مقاتلات إف-35 من قرار تعليق بعض تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل في سبتمبر 2024، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي.
واستندت المنظمة في دعواها إلى أن استمرار تصدير هذه المكونات وقطع الغيار قد يسهم في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي في قطاع غزة، مما يتعارض مع التزامات المملكة المتحدة بموجب اتفاقية جنيف والقوانين الدولية الأخرى.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أقرت المحكمة بإمكانية استخدام هذه المكونات وقطع الغيار في عمليات عسكرية قد تنتهك القانون الإنساني، لكنها اعتبرت أن القرار النهائي يعود إلى السلطة التنفيذية وليس إلى القضاء.
تناولت القضية، التي استمرت لأكثر من 20 شهرًا من التقاضي، تفاصيل معقدة تتعلق بالتوازن بين الالتزامات القانونية الدولية والمصالح الاستراتيجية للمملكة المتحدة. ودافع المسؤولون الحكوميون عن موقفهم بالقول إن تعليق تصدير مكونات إف-35 سيؤدي إلى تعطيل البرنامج العالمي لتزويد قطع غيار هذه الطائرات، والذي يضم دولًا رئيسية مثل الولايات المتحدة وأعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأوضحت الحكومة أن هذا البرنامج يعد ركيزة أساسية للأمن الدولي، حيث تنتج المملكة المتحدة حوالي 15% من مكونات كل طائرة إف-35، مما يجعلها شريكًا حيويًا في هذا المشروع متعدد الجنسيات.
وأكد القاضيان ستيفن مايلز وكارين ستين في حكمهما أن هذه المسألة "حساسة وسياسية"، مشيرين إلى أن قرارات تصدير الأسلحة تخضع لتقدير الحكومة المنتخبة، ورفضا جميع الأسس الـ13 التي قدمتها منظمة الحق في طعنها القانوني.
أثار الحكم ردود فعل متباينة، حيث استنكرت منظمات حقوقية مثل أوكسفام والحملة ضد تجارة الأسلحة القرار، واصفة إياه بأنه "جبان" و"مخيب للآمال".
وأشارت هذه المنظمات إلى أن استمرار تصدير مكونات إف-35 يجعل المملكة المتحدة متواطئة بشكل غير مباشر في انتهاكات محتملة للقانون الإنساني في غزة، حيث تُستخدم هذه الطائرات في عمليات عسكرية إسرائيلية.
وأكدت المنظمات الحقوقية أن الحكم لا ينفي المسؤولية القانونية والأخلاقية للحكومة البريطانية، داعية إلى مراجعة شاملة لسياسات تصدير الأسلحة.
كما سلطت الضوء على أن القرار يعكس ازدواجية في التعامل مع القانون الدولي، خاصة في ظل التقارير التي وثقت استخدام الأسلحة في غزة بطرق قد تنتهك القوانين الدولية.
من جانبها، رحبت الحكومة البريطانية بالحكم، مؤكدة أن قراراتها بشأن تصدير الأسلحة تُتخذ بعناية فائقة ووفقًا للمعايير القانونية الصارمة.
وأشارت إلى أن تعليق 30 من أصل 350 ترخيصًا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل في سبتمبر 2024 يظهر التزامها بمراجعة مستمرة لمدى الامتثال للقانون الإنساني الدولي.
ومع ذلك، أكدت الحكومة أن استثناء مكونات إف-35 من هذا التعليق جاء بناءً على تقييم شامل للمصالح الوطنية والدولية، بما في ذلك الحفاظ على التعاون مع الحلفاء في برنامج إف-35.
كما شددت على أنها تجري تقييمات دورية لضمان عدم استخدام الأسلحة المصدرة في انتهاكات حقوقية.
تُعد هذه القضية جزءًا من نقاش أوسع حول مسؤولية الدول في تجارة الأسلحة، خاصة في سياق النزاعات المسلحة.
وقد أثارت تساؤلات حول مدى فعالية الضوابط القانونية التي تحكم تصدير الأسلحة، وكيفية موازنة الدول بين مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية والتزاماتها الأخلاقية.
ومع استمرار الجدل، تظل منظمات حقوق الإنسان تدعو إلى فرض قيود أكثر صرامة على تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع، بينما تواصل الحكومة البريطانية الدفاع عن سياساتها كجزء من التزاماتها الدولية والأمنية.