مع تواتر التحذيرات العالمية من ارتفاع قياسي في درجات الحرارة وتزايد وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة، يجد المغرب نفسه، كغيره من دول المنطقة والعالم، في مواجهة تساؤلات مقلقة حول طبيعة الصيف المقبل.
تقارير دولية، مثل ذلك الذي نشرته النسخة العربية لصحيفة (BBC) مؤخرا، ترسم صورة قاتمة لتأثيرات التغير المناخي المتسارعة؛ مما يزيد من حدة النقاش حول ما إذا كان صيف 2025 سيحطم الأرقام القياسية ليصبح الأكثر سخونة في تاريخ المملكة.
وذكّر تقرير الصحيفة البريطانية بأن شهري أبريل وماي، حتى الآن، شهدا ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة في عدد من مدن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وهو ما يعتبره خبراء مؤشرا مبكرا على موسم صيفي صعب.
هذه المخاوف ليست وليدة اللحظة؛ بل هي نتاج سنوات من التغيرات الملحوظة في الأنماط المناخية، وزيادة في موجات الحر والجفاف التي أثرت بشكل كبير على الموارد المائية والقطاع الزراعي في المغرب.
في هذا السياق، قال محمد سعيد قروق، الخبير المناخي أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن “الحقيقة العلمية الراسخة التي ننطلق منها هي أن حرارة كوكب الأرض في ازدياد مطرد”، عازيا ذلك إلى “عدم استقرار الميزانية الطاقية للأرض التي تسجل ارتفاعا مستمرا”.
ووصف قروق، ضمن تصريح لهسبريس، هذه الإشكالية بأنها “بالغة التعقيد والخطورة”، محذرا من أنه “إذا لم تستقر هذه الميزانية، ستواصل درجات الحرارة ارتفاعها؛ وهو سيناريو كارثي قد يؤدي إلى خراب النظم البيئية الأرضية وتهديد الوجود البشري”.
وأضاف الخبير المناخي: “بناء على ذلك، ما نعلمه ونؤكده هو أن هذه الحرارة آخذة في الارتفاع وستستمر في ذلك، لكن التحدي يكمن في فهم كيفية تفاعلها جغرافيا مع مختلف المجالات والتضاريس”.
وأوضح أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أن “المناطق المفتوحة ذات الطبيعة الصحراوية ستظل تعاني من الجفاف، مما يعني انخفاضا في مستويات الرطوبة في الهواء وارتفاعا في حرارة السطح،” مشيرا إلى أن هذا النمط “ينطبق بشكل واضح على مناطق مثل شبه الجزيرة العربية. أما بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا، فالوضع، حسبه، يختلف، وما يميزها على وجه الخصوص هو الوضع الجغرافي للمغرب، الذي يتمتع بتضاريس فريدة تتمثل في سلاسل جبلية تمتد طوليا؛ مما يخلق ديناميكيات مناخية خاصة به”.
وتابع قروق أنه نتيجة لهذه الخصوصية الجغرافية، فإن تفاعل الحرارة والرطوبة مع هذه السلاسل الجبلية في المغرب ليس له نظير في المناطق المجاورة”، لافتا إلى أنه “من المؤكد أن المغرب سيشهد ارتفاعا في درجات الحرارة؛ لكننا ما زلنا نجهل بدقة كيفية تفاعل هذه الحرارة مع التضاريس المحلية ومستويات الرطوبة”، معتبرا أن هذا الأمر “يشغل بالنا كباحثين بشكل كبير، لأن دراسة هذه التفاعلات تتطلب وقتا طويلا وبيانات دقيقة وتمويلا كافيا؛ وهو ما ليس متوفرا بالشكل المطلوب حاليا”.
وفيما يتعلق بالتوقعات المحددة للصيف المقبل في المغرب، أشار الخبير المناخي إلى أن “أحد أبرز السيناريوهات التي تثير قلقنا هو التفاعل المكثف بين ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة خلال الفصل الحار، خاصة أن السواحل المغربية تشهد بالفعل مستويات رطوبة مرتفعة”.
وحذر من أن “هذا التفاعل بين الحرارة والرطوبة والتضاريس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل حدوث فيضانات خلال فصل الصيف؛ وهو سيناريو صعب ومحتمل، ولكنه ليس مؤكدا بشكل قاطع”.
وشدد الأستاذ الجامعي ذاته على أنه “لا يمكننا الجزم بأن الصيف المقبل سيكون الأعلى حرارة على الإطلاق في المنطقة؛ إنه احتمال وارد، لكنه غير مؤكد”. وعزا هذه الصعوبة في التنبؤ الدقيق إلى “عوامل متعددة ومتداخلة مثل الطبوغرافيا، والجغرافيا المحلية، وتفاعل الهواء مع المسطحات المائية، وتفاعل الكتل الهوائية مع الجبال”، خالصا إلى أنه “مع تزايد طاقة النظام المناخي، فإننا أمام تفاعلات جديدة ما زلنا نجهل طبيعتها وتأثيراتها الكاملة، لا سيما فيما يتعلق بتوزيعاتها الجغرافية وآثارها المترتبة”.
من جانبه، قال مصطفى بن رامل، الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارة الإيكولوجية للتنمية والمناخ، إن “هذه السنة ستحقق كل المؤشرات القياسية لأشكال الطقس المتطرفة”، مشيرا إلى أن “الظروف الجوية لشهر الخريف وضعف الأمطار مع ارتفاع نسبي لدرجة الحرارة مهّدت لذلك”.
وأضاف بنرامل، في حديث لهسبريس، أنه “كما توقعنا خلال فصل الشتاء، الذي كانت بدايته في شهر يناير بدرجة حرارة مرتفعة مع تراجع للتساقطات المطرية، ثم تساقطات مطرية خلال شهري فبراير ومارس، فاقت كل التوقعات ورفعت حقينة السدود من 23 إلى أزيد من 40 في المائة”.
وأوضح الخبير البيئي أن “الذي كان ملاحظا هو أن الأمطار كانت متقطعة وتليها ارتفاع لدرجة الحرارة”، معتبرا أن “هذا الشكل من المناخ جعلنا نتوقع وفق السيناريوهات أن يكون فصل نهاية الربيع بحرارة مرتفعة وشديدة، ويمكن أن تفوق قياساتها حتى درجة حرارة الصيف”.
وتابع رئيس جمعية المنارة الإيكولوجية للتنمية والمناخ: “ما نشاهده اليوم، حيث إنه في بعض المدن تصل درجة الحرارة بين 38 و42 درجة، هي درجات حرارة الصيف وليست درجة حرارة الربيع”، خالصا إلى أن “توقع استقرار المناخ هو شيء مستبعد”.