قال عفيف بناني، الكاتب والفنان التشكيلي المغربي البارز، إن “النزعة الخطوطية (Le traitillisme) باعتبارها أول حركة تشكيلية مغربية تظلّ ناشئة؛ لكونها بدأت سنة 2018 كجواب عن انتفاء توقيع مغربي في خريطة الفنون العالمية”، موضحا أن “الغاية وراء التفكير فيه، كتتويج لمسار مهني احترافي امتدّ لنحو 30 سنة، هي الكّف عن نقل واستلهام تجارب الآخر التشكيلية التي ظهرت في سياقات مختلفة”.
وأورد بناني، مؤسس هذه الحركة التي تحطّ بمعرضها الثالث بمدينة الصويرة برحاب برج باب مراكش، من 14 إلى 18 ماي الجاري، أن “الفن التشكيلي في المغرب عموما لا يبصم على تاريخ ممتد، فقد بدأ تقريبا مع ستينيات القرن الماضي”، معتبرا أنها “فترة قصيرة بالمقارنة وجود الفن في الصين، أو في حضارة الفراعنة أو أوروبا”، وزاد: “ومع ذلك، استطاع الفنانون التشكيليون المغاربة، بابتكاراتهم وطريقة عملهم، فرض وجودهم في المغرب وخارجه”.
ووضح التشكيلي المغربي لجريدة هسبريس أن “أسلوب الخطوطيّة لا يحرص على التفاصيل، ولا يبحث عن إبرازها بوضوح؛ فهو يقترح تمثيل عدد لا نهائي من الخطوط الصغيرة على القماش والتي تعمل على تقسيم الموضوع. عين الناظر سوف تعرف كيفية إعادة صياغته”، وشدد على أن “مواضيع هذه الحركة ومضامينها البصرية تبتغي تسليط الضوء على التراث المغربي المادي وغير المادي”.
وأكد المتحدث عينه أنه “المغرب قدّم للفن العالمي تشكيليين كبار، ولكنهم كانوا متمسّكين بتيارات ومذاهب ومدارس تشكيلية أجنبية”، مسجلا أن “الحاجة ظلّت قائمة إلى تشييد تيار مغربي أصيل؛ كما حدث مع الانطباعية في فرنسا، أو التعبيرية في ألمانيا، أو التجريدية في روسيا، وغيرها”، وزاد: “قلّدنا ما يكفي من مقترحات الآخر، وحان الوقت لنُسمع صوتنا ونحدث رجّة جديدة في مسار الفنون”.
وتابع بناني: “مسيرتي الفنية بشكلها الاحترافي بدأت بداية التسعينيات، وقد جرّبت بدوري الرسم وفق تيارات ومدارس عديدة، من قبيل الانطباعية”، موردا أنه “اهتمّ من جهة أخرى بالتأصيل النظري للفنون”، وقال: “بدأت أدرس التيارات والمذاهب التشكيلية منذ القرن الخامس عشر حتى اليوم. درست التقنيات والتيارات. وفي عام 2018، رسمت بعض اللوحات باستخدام الخطوط”.
وحول أصل التسمية، لفت الفنان التشكيلي المغربي إلى أنه “التقط بعض الصور للوحات وأرسلها إلى الناقد الفرنسي دانييل كوتوري”، وتابع: “قلت له: “أريدك أن تنظر إلى هذه الأعمال”، فكان رد الناقد الفرنسي: “لقد خلقتَ أول تيار عالمي لا يوجد له مثيل حتى الآن”، وكان كوتوري هو من أطلق عليه تسمية le traitillisme، كأول تيار من هذا النوع.
وزاد شارحا: “أقمنا أول معرض للتيار الخطوطي بمدينة الرباط، وشارك فيه 8 فنانات وفنانين تشكيليين، منهم أنا، عرضنا فيه 35 لوحة، وفكرنا في الانتقال به إلى مدن أخرى، مع إبعاد مقترحات على غرار الدار البيضاء أو مراكش وغيرهما من المدن الكبرى لكونها متخمة بالكثير من الفعاليات، وقد لا يجد العرض الصدى الذي نبحث عنه”، وأورد “اخترنا حطّ الرحال في المدينة العريقة لفاس من أجل العرض الثاني”.
وقال بناني: “في فاس، دعونا الفنانين. شرحنا لهم التقنية، وشارك في المعرض 19 فنانًا وفنّانة؛ وكان عرضا ناجحًا”، وتابع: “قررنا إقامة المعرض الثالث في مدينة الصويرة. لاحظت هذه المرة أن جميع الفنانين استوعبوا التيار جيدا. سيشارك معنا في معرض الصويرة 32 فنانًا، من الرباط والدار البيضاء وفاس والصويرة؛ بالإضافة إلى اثنين من الخارج: فرنسي وياباني. وكل اللوحات المعروضة تعبر عن التيار المغربي، ولا توجد أية لوحة بأسلوب آخر”.
ولدى سؤاله حول الأفق الممكن لتيار “مغربي خالص” أمام ظهور تيارات أخرى انتشرت ثم اختفت ولم تصمد في السياق التاريخي، رد بناني: “يمكن لهذه النزعة أن تستمر وتنجح، ويمكن ألاّ تواصل الظهور في عوالم الفن”، وتابع: “سنواصل تنظيم عروض لتنمية الاهتمام به، ليفرض وجوده في خريطة الفنون البصرية العالمية. ربما يظهر تيار آخر أفضل منه؛ ولكننا عموما وضعنا حجرًا في تاريخ الفن المغربي”.
وأفاد بناني خاتما: “أنا أمضي نحو المزيد من التأصيل لهذه الحركة، وقد أرسلت صورًا للوحات إلى الجمعية الأكاديمية الفرنسية للفنون والعلوم والآداب مع مقالة مفصلة حول المذهب المغربي وظروف نشأته. فقالوا لي إنهم فهموا أن هذا التيار لا مثيل له حتى الآن، وسوف يواكبونه لفهم النزعة المبتكرة حديثا في المملكة المغربية”.
بخصوص معرض الصويرة، الذي يحطّ بالصويرة من 14 إلى 18 ماي الجاري، فهو من تنظيم الهيئة الوطنية للرسامين والمصورين الفوتوغرافيين بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والاتصال وجمعية الصويرة موغادور والمجلس البلدي لمدينة الصويرة، ويخصّص للاحتفاء بهذا التيار الجديد والتعريف به وكذا الاحتفاء “بثراء التراث المغربي من خلال تقنية وأسلوب هذه النزعة عبر عرض 55 لوحة فنية”.