أخبار عاجلة
ما هو مؤشر «السوفر» كسعر فائدة مرجعي؟ -
ترتيب الهدافين في الدوري الإنجليزي -

تحديات الجاليات المسلمة في بريطانيا

تحديات الجاليات المسلمة في بريطانيا
تحديات الجاليات المسلمة في بريطانيا

انطلاقًا من توجهات وثيقة مكة المكرمة، واستنادًا إلى الرسالة الحضارية لرابطة العالم الإسلامي الهادفة إلى التعريف بحقيقة الإسلام، ونشر ثقافة السلم لتحقيق الأمن المجتمعي، والدفاع عن الحقوق الدينية والثقافية والاجتماعية للجاليات المسلمة عبر العالم، تباحث الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام للرابطة، مع عدد من القيادات الإسلامية البريطانية جملةً من القضايا والمواضيع التي تهم الجاليات المسلمة في بريطانيا، وذلك خلال اجتماع عقد يوم 30 أبريل 2025 في المدينة المنورة.

ويكتسي هذا اللقاء أهمية بالغة بالنظر إلى اعتبارات وعوامل عديدة نذكر من بينها ثلاثة، هي:

الارتفاع المتزايد لأعداد المسلمين في بريطانيا، حيث انتقل عددهم، حسب إحصاء أجري عام 2021، من 4.9% عام 2011 إلى 6.5%. وأكد الإحصاء المذكور أن نسبة المسلمين دون سن الخمسين بلغت 84.5%، وهو ما يؤشر إلى زيادات كبرى محتملة في أعداد المسلمين مستقبلًا. ويتطلب هذا الأمر اعتماد مقاربة حضارية وحقوقية وقانونية في الدفاع عن هويتهم الثقافية والدينية، وتعزيز اندماجهم ومشاركتهم الفعالة في تنمية مجتمعاتهم وترسيخ مواطنتهم الإيجابية.

الشعور المتزايد بخطر التحريض على الجاليات المسلمة في بريطانيا، والانتشار المضطرد لخطاب الكراهية ضدهم من اليمين المتطرف، خصوصًا في شبكات التواصل الاجتماعي. لقد لوحظ تراخي الحكومة في التصدي للإسلاموفوبيا على غرار سابقاتها، الأمر الذي دفع بوزير شؤون العقيدة واجد خان إلى الإعلان عن تخصيص ما يقارب مليون جنيه إسترليني لإنشاء هيئة مستقلة لرصد جرائم الكراهية ضد المسلمين، والتبليغ عنها، ودعم الضحايا. وأكدت تقارير صحافية أن الشرطة البريطانية حذرت من ارتفاع غير مسبوق في شكاوى التحريض والعنصرية ضد الأقليات المسلمة، حيث كشفت عن ارتفاع بنسبة 73% في نسب الحوادث المرتبطة بالإسلاموفوبيا خلال السنة الماضية، مشيرة إلى أن 40% من حوادث العنف المرتبطة بأسباب دينية عام 2024 كان ضحيتها مسلمون. ولذلك، قامت حكومة حزب العمال بتشكيل لجنة استشارية من الخبراء لوضع تعريف للإسلاموفوبيا يساعد الدوائر الحكومية والشرطة على التعامل مع شكاوى التحريض والكراهية ضد المسلمين.

الجدل الواسع الذي أثاره قرار الحكومة البريطانية بتعيين شخصية إسلامية مرموقة على رأس أعلى سلطة تعليمية في البلاد مكلفة بمراقبة المناهج ومعايير الجودة، وزادت من حدة هذا الجدل مزاعم بفرض تدريس الإسلام في المراحل الابتدائية والثانوية. ومن مظاهر الزوبعة الناجمة عن هذا القرار قيام عدد من السياسيين والإعلاميين في بريطانيا بشن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي متهمين الحكومة بالعمل على “أسلمة التعليم” في البلاد، خصوصًا في ظل تزايد الإقبال على الإسلام والاهتمام بدراسته. لكن تقريرًا نشرته وكالة رويترز يوم 28 مارس 2025 أورد أن مسؤولين في إدارات التعليم في إنجلترا وويلز وأسكتلندا أكدوا أن تدريس الإسلام ليس إلزاميًا على مستوى البلاد. غير أن التقرير المذكور أكد، من جهة أخرى، أن إنجلترا تفرض توفير التعليم الديني في المدارس، فالمادة 375 من قانون التعليم لعام 1996 تنص على ضرورة أن “يعكس المنهج الدراسي التقاليد الدينية لبريطانيا العظمى، وهي في الغالب مسيحية مع مراعاة تعاليم وممارسات الديانات الرئيسية الأخرى الممثلة في بريطانيا العظمى”. وأشار التقرير إلى أن المدارس المستقلة عن سيطرة السلطة المحلية، مثل الأكاديميات، حرة في تحديد مناهجها الدراسية الخاصة.

بالإضافة إلى هذه الاعتبارات الثلاثة، فإن جلسة العمل مع القيادات التي تمثل الجاليات المسلمة في بريطانيا تندرج في إطار سيرورة الجهود والمساعي الحثيثة التي تبذلها رابطة العالم الإسلامي للعناية بشؤون الجاليات والأقليات المسلمة عبر العالم، والتواصل معها لعلاج المشكلات التي تواجهها في حدود دساتير وأنظمة الدول التي يوجدون فيها. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى قيام الرابطة بإنشاء مجلس للقيادات الإسلامية في أمريكا الشمالية والجنوبية، والذي يعد الأولَ من نوعه في تاريخ الأمريكتين، ويشمل عموم المذاهب والطوائف الإسلامية التي أقرت ‫وثيقة مكة المكرمة‬.

إن اهتمام رابطة العالم الإسلامي بأوضاع الجاليات المسلمة خارج العالم الإسلامي يتجلى بالأساس في إيلاء العناية الفائقة للدفاع عن الحقوق الثقافية والدينية والمدنية للمواطنين من أصول مسلمة في المجتمعات غير الإسلامية، وبحث السبل الناجعة للحد من انتهاك حقوقهم. ومن هذا المنطلق، تعمل الرابطة على تأصيل التعددية الثقافية والتنوع الثقافي والمذهبي، وتعزيز برامج التبادل الثقافي بين الأقليات المسلمة في العالم، وتعزيز قيم الاعتدال والحوار والتسامح والتآخي، ونبذ التعصب والكراهية المذهبية، وإبراز الخصوصيات الثقافية والفكرية للأقليات المسلمة في العالم.

واستثمارًا لتجربتها التنظيمية والعلمية المتراكمة، واستنادًا إلى رؤيتها الواضحة حول حاجيات الجاليات والأقليات المسلمة عبر العالم، يمكن لرابطة العالم الإسلامي أن تقوم بأدوار مهمة في مجال تفعيل دور قيادات العمل التربوي والثقافي من الجاليات المسلمة في تعزيز الحوار والاحترام المتبادل، والتصدي لمظاهر التطرف والكراهية. وفي هذا الصدد، يمكن تنفيذ مجموعة من الأنشطة والبرامج من أجل بناء قدرات الأئمة والمرشدين الدينيين العاملين في المؤسسات التربوية والثقافية الإسلامية في الدول غير الإسلامية، لاعتماد الخطاب الإسلامي المعتدل والمنفتح، وتكوين قيادات العمل الثقافي الإسلامي فيها في مجال محاربة التطرف الفكري والعنيف، والتخويف من الإسلام.

ولعل أفضل متعاون مع الرابطة في هذا المجال هو المركز الثقافي الإسلامي في لندن، الذي يعود الفضل في تأسيسه ورعايته ودعمه إلى المملكة العربية السعودية، حيث أصبح اليوم يكتسب مصداقية كبيرة وسمعة طيبة لدى الدوائر الرسمية البريطانية والرأي العام والإعلام في المملكة المتحدة، بفعل الجهود المتميزة التي يقوم بها مديره الدكتور أحمد الدبيان ومساعدوه، والتي جعلت من هذا المركز منارة إسلامية وحضارية وثقافية تجسد بحق ثقافة الحوار والتسامح والانفتاح وقيم الوسطية والاعتدال والعيش المشترك.

باحث في الاتصال والحوار الحضاري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أشرف زكي يكشف تفاصيل محاربة نصاب النجوم وينظم تصوير الجنازات
التالى المداوي يرسم صورة قاتمة عن أوضاع الجامعة المغربية