تحت سماء موسكو الزرقاء حيث تتهادى أعلام النصر الحمراء، تتجدد الذكرى العظيمة التي يستذكر فيها الروس ماضيهم ويجددون العهد مع مستقبلهم. إنه عيد النصر، أو الذكرى الثمانون للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. هذا الحدث ليس مجرد احتفال بنصر عسكري غيّر ملامح التاريخ، بل هو لحظة اعتراف وامتنان وتجسيد لإرث من تضحيات ملايين الجنود الروس الذين قدموا أرواحهم في سبيل استمرار الأمة الروسية.
في التاسع من ماي من كل عام، تتحول “الساحة الحمراء”، ومعها شوارع العاصمة، إلى لوحة ملحمية، حيث تصدح أغنيات النصر، وتسير الدبابات السوفيتية العتيقة الشاهدة على بطولات الروس الذين انتزعوا السلام من بين أنياب الحرب، في حدث يعيد ربط الأجيال الجديدة من الروس بجذورهم، ويُذكّر العالم بأن روسيا قادرة على فعل المستحيل حينما يتعلق الأمر بوجودها.
منذ الساعات الأولى من هذا اليوم، اصطف آلاف الروس في الشوارع لرؤية العروض الجوية ومعاينة الآليات العسكرية الضخمة التي تجوب شوارع العاصمة بهذه المناسبة، كمنظومة الدفاع الجوي “إس-400” وصواريخ “توبول” النووية ودبابات “تي-90″، إلى جانب عدد من الأسلحة الاستراتيجية الأخرى التي تجعل من موسكو لاعبًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه في المعادلات الجيو-سياسية الكبرى.
أطفال يحملون بكل فخر صور المحاربين الذين قضوا في الحرب العالمية الثانية، أو “الحرب الوطنية العظمى” كما تُسمى هنا، وشباب وشيوخ يلوحون بأعلام النصر الحمراء، وكأنهم يذكرون العالم بتضحيات آبائهم وأجدادهم الذين لا يعرفونهم ربما إلا من خلال بطولاتهم التي صنعت المجد الروسي. هكذا هو المشهد هنا، وهكذا ينحني الروس اليوم إجلالًا لأولئك الذين واجهوا الرصاص بكل شجاعة من أجل أن يشرق فجر الحرية.
وشهدت “الساحة الحمراء” إقامة عروض عسكرية ضخمة، شاركت فيها مختلف تشكيلات الجيش الروسي، إلى جانب عدد من الجنود الذين يقاتلون في ساحة الحرب بأوكرانيا، وذلك بحضور عدد من المحاربين القدامى، إضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد من قادة وزعماء العالم، يتقدمهم الرئيس الصيني شي جينغ بينغ.
وقال سيد الكرملين في كلمة له بهذه المناسبة إن “مشاعر الفرح والحزن والفخر والامتنان توحد الروس في هذا اليوم”، مضيفا: “ننحني أمام الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم من أجل النصر ومنحونا الحرية والسلام وأنقذوا الوطن وعلمونا حماية الوطن والدفاع عن مصالحنا القومية”.
وتابع الرئيس الروسي قائلا: “واجبنا اليوم هو الدفاع عن تاريخ مقاتلي الجيش السوفيتي والنصر والمأثرة العظيمة التي سطرها مواطنونا بمختلف قومياتهم، وسنقف في وجه كل من يحاول تزييف التاريخ”، مسجلا أن “هدف احتلال الاتحاد السوفيتي تحطم على صخرة الشعب السوفيتي بقومياته وأطيافه، ولذلك ننحني إجلالا لكل من ضحى من أجل النصر”.
وثمن بوتين في كلمته مساهمة حلفاء روسيا في تحقيق النصر على النازية، في مقدمتهم الجنود الصينيون، معتبرا في الوقت ذاته أن “روسيا تعتمد دائما على وحدتها في الحرب والسلم للوصول إلى أهدافها الاستراتيجية”.
وأشاد الرئيس الروسي بصمود وبسالة الجنود المشاركين في العملية العسكرية في أوكرانيا، مؤكدا أن “روسيا لن تسمح أبدا بتشويه ذكرى المنتصرين الحقيقيين على النازية، وملتزمة بحماية بيتها المشترك والقيم الإنسانية وبنقل هذا الإرث العظيم إلى الأجيال المقبلة”.
