واجهت كندا ما يشبه الزلزال السياسي، الذي يلقي بظلاله -بالتأكيد- على أسواق النفط والغاز العالمية، في حين يسعى الكنديون إلى وضع حدّ لحالة التدهور التي كانت البلاد قد وصلت إليها مؤخرًا.
ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو فاز مرّتين، ثم تدهور الوضع حتى بلغت البلاد مستويات غير معهودة.
وأضاف: "بدأ الكنديون يرحلون عن وطنهم، وأصبح كل شيء في البلاد سيئًا، فالغلاء فاحش، وأسعار العقارات وإيجاراتها كبيرة جدًا، كما أن الخدمات تدهورت، مثل المطار، وكلّما نزلتُ المطار كنت أشعر كأنني في إحدى دول العالم الثالث المتخلفة جدًا".
لذلك، وفق الحجي، ساء الوضع جدًا في عهد ترودو، وكان واضحًا أن هناك حاجة إلى تغيير سياسي كبير في كندا -المؤثرة بقوة في أسواق النفط والغاز-، وكان المتوقع أن يفوز المحافظون، ثم فجأة جاء ترمب، وقال، إنه سيضمّ كندا ويجعلها الولاية رقم 51.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، بعنوان "مستجدات أسواق الطاقة وآثارها في دول الخليج".
الزلزال السياسي في كندا
قال أنس الحجي، إن الزلزال السياسي في كندا تَمثَّل في نجاح اليساريين المتطرفين في الانتخابات وخسارة المحافظين، الذين كان متوقعًا أن يربحوا الانتخابات لولا تدخُّل ترمب الذي قلبَ هذه الانتخابات رأسًا على عقب.
وأضاف: "إعلان ترمب أن كندا ستصبح الولاية 51، أدى إلى تخوُّف الشعب الكندي ودعم اليساريين، لأنهم ينظرون إلى المحافظين على أنهم الجمهوريون أتباع ترمب أنفسهم، فخافوا أن يكون هناك تنسيق بين المحافظين في كندا وأميركا".

وأوضح مستشار تحرير منصة الطاقة أن الزلزال ليس فقط فوز اليساريين المتطرفين، ولكن حتى المرشح الرسمي، الذي كان متوقعًا أن يكون رئيس الوزراء الجديد، خسرَ مقعده في البرلمان، أي إن الأمور تفاقمت لدرجة غير معتادة.
ولفت إلى رؤى أخرى تذكر وجود أسباب أخرى لهذا التغيير، أحدها أن مجموعة كبيرة من الناس -أعمارهم بين 60 و70 عامًا- يملكون منازل في تورنتو، بعد الارتفاع الهائل في أسعار العقارات، خافوا من قدوم المحافظين وخفض الأسعار، ومن ثم صوّتوا لليسار.
وتابع: "سبب الاهتمام بكندا هو أثرها في أسواق النفط والغاز، فهي رابع أكبر منتج للنفط في العالم، إذ تنتج بحدود 6 ملايين برميل يوميًا، ومارك كارني رئيس الوزراء الحالي متطرف جدًا مناخيًا، ومعروف بمواقفه في هذا المجال".
وأكد أنس الحجي أن الخوف الآن من تبنّي سياسات متطرفة جدًا تؤثر في صناعة النفط الكندية، ومن ثم في أسواق النفط والغاز العالمية، فالإشكال الآن أن أغلب النفط في كندا يأتي من ولاية ألبرتا، وولاية أخرى بجوارها.
ومنذ أمس، وفق الحجي، هناك دعوات ضخمة لاستقلال حكومة ألبرتا عن كندا وتكوين جمهورية جديدة، وهي مطالب ليست جديدة وحدثت في ثمانينيات القرن الماضي، وأيضًا قبل سنوات، كانت هناك محاولة من ولاية كوبيك الكندية الفرنسية للاستقلال.
إلّا أن الدعوات الأخيرة لاستقلال ألبرتا قد لا تجد صدى واسعًا، لأن الحكومة الحالية ستحكم بالتحالف مع أحزاب كندية أخرى، ويتوقع بعض الخبراء أن ينهار هذا التحالف خلال عام، ومن ثم قد تُجرى انتخابات أخرى يتغير فيها الحكم مجددًا في البلاد.
الأثر في أسواق النفط والغاز
تطرَّق أنس الحجي إلى الأثر في أسواق النفط والغاز بسبب الانتخابات الكندية، إذ إن ما يؤثّر عادةً هو اختلاف أرقام الواقع عن التوقعات، وليس انخفاض الإنتاج أو ارتفاعه، وكذلك ليس انخفاض المخزون أو ارتفاعه.
وتابع: "بالنظر إلى وكالة الطاقة الدولية، نجد أنها تتوقع زيادة إنتاج النفط الكندي في عام 2025 بمقدار 220 ألف برميل يوميًا، ثم يزيد بمقدار 120 ألف أخرى في عام 2026، بينما تتوقع أوبك أن يزيد إنتاج كندا النفطي بمقدار 140 ألف برميل يوميًا في 2025، و110 آلاف يوميًا في 2026".
ولكن، وفق أنس الحجي، إذا كانت سياسات رئيس الوزراء الجديد مارك كارني متطرفة، فقد لا تحدث هذه الزيادة، وممن ثم سيؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار النفط، ولكن الإشكال ليس هنا".
وأضاف: "الإشكال في أنه بالنظر إلى هذه الأرقام، مقارنة بالطلب العالمي على النفط سنجدها صغيرة جدًا، حتى بافتراض أن الزيادة ستكون 220 ألف برميل، فالطلب العالمي على النفط 104 ملايين، وبعضهم يقول، هذه الزيادات قليلة، حتى بالنظر لإنتاج كندا الكلّي، وهو 6 ملايين برميل".
ولكن الحجي يرى أن هذا التصور خاطئ، لأن هناك أكثر من 160 نوعًا من النفط، وأغلب النفط الكندي من النوع الثقيل الحامض، ومن ثم يجب مقارنة الزيادات في كندا لهذا النوع من النفط، وليس في الإجمالي.
وأردف: "بفرض أن كارني قرَّر أن يخفف حدّة تطرُّفه، فالإشكال الآن أن هناك قوانين كثيرة فرضتها الحكومة السابقة تحتاج إلى تعديل، وهذا يستغرق وقتًا، قد نذهب إلى عامي 2027 و2028، فهناك إشكال قانوني أيضًا".
المُبشّر في هذا الموضوع، وفق أنس الحجي، أن كندا تبني حاليًا محطات غاز مسال لتصديره من الغرب الى آسيا، وهناك محطتان أعلن كارني تأييده لهما، لذلك لا توجد معارضة لموضوع الغاز المسال.
ولكن المشكلة، أن ترمب قد يعرقل هذه المشروعات، لأن هناك مشروعات في أميركا، تُطَوَّر الآن، وهو يشجع الغاز المسال، لذلك هناك احتمال كبير أن تكون هناك بعض الإجراءات من الإدارة الأميركية لعرقلة المشروعات الكندية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..