قال ستيفان واكي، مدير مجلس الابتكار الأوروبي والوكالة التنفيذية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة”EISMEA” ، إن الانتقال الرقمي، الذي يشهده العالم في الوقت الراهن، “يمثل فرصة ممتازة للقارة الإفريقية لتدارك مجموعة من المسائل المتعلقة بالتنمية؛ وذلك من خلال العمل على توجيه جهودها كاملة نحو اعتماد تكنولوجيا المستقبل”.
وأكد واكي، ضمن حوار مع هسبريس ضمن فعاليات النسخة الثالثة من معرض “جيتيكس إفريقيا” الذي احتضنته مراكش ما بين 14 و16 أبريل الجاري، أن “المغرب يسير في المنحى الإيجابي فيما يتعلق بالرقمنة والانخراط في الدينامية العالمية في هذا المجال”، مع إشادته بما اعتبره “عزيمة وإرادة من قبل المؤسسات الرسمية والمستثمرين لإنجاح الانتقال الرقمي بالمملكة؛ وهو ما يمكن أن يجعل منه رائدا في هذا المجال بإفريقيا”.
وتحدث المسؤول الأوروبي أيضا عن معرض “جيتيكس إفريقيا”، إذ اعتبره “فرصة ومنصة استراتيجية لتعزيز الشراكات بين الشركات الأوروبية ونظيرتها الإفريقية، بما فيها المغربية، إلى جانب تبادل الحلول التكنولوجية”. كما أبرز أهمية تنظيم النسخة الأوروبية من هذا المعرض المتخصص في الاقتصاد الرقمي بالعاصمة الألمانية ببرلين هذه السنة.
نص الحوار:
ما الذي يعنيه التحول الكبير الرقمي الذي يعرفه العالم بالنسبة للقارة الإفريقية التي تظل عادة متأخرة في التنمية عن الركب؟
التحول أو الانتقال الرقمي الذي يشهده العالم اليوم يمثل فرصة هائلة لإفريقيا للنمو دون الحاجة إلى بنية تحتية باهظة التكاليف، كما فعلت مناطق أخرى من العالم سابقا؛ فالقارة ستتمكن من تدارك تأخرها بسرعة كبيرة من خلال توجيه الاستثمارات نحو تكنولوجيات المستقبل. وهذه الثورة الرقمية ستنشط التنمية الاقتصادية بشكل كبير، لاسيما فيما يخص إدارة عدد من التحديات الكبرى؛ بما فيها إشكالية المياه والتغير المناخي وغيرها من التحديات.
المغرب كبلد إفريقي هو الآخر معني بأولويات الانخراط في الدينامية العالمية في مجال الرقمنة. في رأيك هل تسير المملكة في الطريق الصحيح في هذا الجانب؟
ما ألاحظه بخصوص المغرب هو أنه يتوفر على منظومة رقمية ديناميكية للغاية، حيث يوفر عددا كبيرا من المتخصصين في المجال الرقمي، ونسبة كبيرة من هؤلاء يساهمون في دعم المنظومة الرقمية بأوروبا وباقي أنحاء العالم، وهذه ميزة تحسب للمغرب في هذا الاتجاه.
كما أسجل أن هذا الأمر يسهم أيضا في خلق منظومة ناشئة وقوية ونشيطة من الشركات الناشئة داخل المغرب، إلى جانب وجود إرادة قوية لتسريع رقمنة الاقتصاد والإدارة المغربية أيضا، خصوصا مع اقتراب تنظيم البلاد تظاهرة من حجم كأسِ العالم؛ فهذا التوجه يبدو مبهرا للغاية ونحن نتابعه باهتمام كبير.
بما أنك تحدثت عن كأس العالم الذي سينظمه المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال في 2030. في رأيك هل سيكون المغرب في الموعد، لا سيما فيما يتعلق برقمنة جزء كبير من الخدمات التي من يظل مطالبا بتوفيرها بالشكل اللازم؟
ليس لديّ صراحة أدنى شك في أن المغرب سينجح في رفع التحدي، ما دام أن هناك عزيمة حقيقية لدى السلطات العمومية والمستثمرين أيضا.
المملكة تسعى حاليا إلى توظيف الآليات الجديدة للذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة العامة ومختلف القطاعات الأساسية. ما الاستفادة المرتقبة من اعتماد هذا النوع من الآليات؟
من شأن الذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة في عدد من المجالات؛ بما فيها الصحة، فضلا عن مجالات إدارة المياه وتغير المناخ والطاقة والنقل؛ فهذه القطاعات تظل مهمة وأساسية للتنمية الاقتصادية في المغرب، وهي ضرورية كذلك لمواجهة عدد من التحديات، على أساس أن نرى نتائج ذلك مستقبلا؛ فقد بدأنا للتو نرى بعض النتائج.
وما التوازن الذي يمكن تحقيقه في هذا المنحى بين استخدام الآليات الرقمية الجديدة والاستثمار في الكفاءات الوطنية المتخصصة في هذا المجال؟
لدى المغرب ثروة شبابية هائلة جزءٌ منها موجه بشغف نحو عالم الرقمنة؛ وهو ما من شأنه أن يعود على المنظومة المغربية بالنفع، فضلا عن كونه يعود حتى على المنظومتين الأمريكية والأوروبية بالمقدار نفسه من الفائدة؛ فالمملكة إذن تتوفر في هذا الجانب على فرصة كبيرة للدفع بالتنمية الاقتصادية من خلال الاستثمار في هذه الكفاءات.
وأعتقد أيضا أن للمغرب القدرة على أن يكون، بالفعل، رائدا إفريقيا في المجال الرقمي في المستقبل القريب؛ فعلى الرغم من أنه لا يمكنني الحكم على استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” فإنه وفق ما تم شرحه لي منذ وصولي إلى هنا جعلتني أدرك أن المغرب طوّر استراتيجية جدية للتنمية الرقمية، وهذا بحد ذاته مكسب كبير يحسب للمملكة.
حضرتم كمسؤولين بالمجلس الأوروبي للابتكار نسخة هذه السنة من معرض “جيتيكس إفريقيا” بمدينة مراكش. ما الذي يعنيه حضور مثل هذه التظاهرة؟
معرض “جيتيكس إفريقيا” يعد بالنسبة لنا حدثا بالغ الأهمية؛ لأنه يُمكننا من مساعدة الشركات الناشئة على إيجاد فرص في السوق المغربي والإفريقي أيضا.. زد على ذلك أن هذا المعرض هو بالفعل منصةُ لقاءٍ تجمع بين المستثمرين والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، في وقت يظل نقطة التقاء بين الشركات المحسوبة على كل من أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
وقد تنشأ العديد من الشراكات بين شركاتنا والشركات المغربية أو الإفريقية خلال هذا الحدث؛ وهو ما يوضح كيف أن مشاركتنا فيه تعد أمرا أساسيا وتتيح لنا خلق شراكات والبحث عن أسواق جديدة، فضلا عن بيع المنتجات الحديثة التي يتم تطويرها على الصعيد الأوروبي.
فنحن أيضا من بوابة هذا المعرض ندعم شركاتنا للعثور على الأسواق والشركاء والمستثمرين، وعلى الدال على ذلك هو أننا جلبنا معنا مجموعة التقنيات التي ستُوظف بالمغرب وإفريقيا؛ منها التي لها علاقة بمواجهة التغير المناخي وتحسين إدارة المياه، أو حتى تسريع رقمنة الخدمات الرسمية التي توفرها الدولة.
كيف مرت أجواء الأيام الثلاثة من هذا المعرض؟
منذ وصولي لم أتوقف تقريبا عن عقد الاجتماعات. وأعتقد أن جميع الحاضرين مروا من هذه التجربة؛ فقد تحدثت مع زملائي ومع الشركات التي رافقتنا وكلهم قالوا الشيء نفسه: اجتماعات متواصلة طوال اليوم وفي المساء أيضا؛ فالحدث مكثف للغاية ويفرض التفاعل مع المسؤولين المغاربة الممثلين للحكومة والشركاء التجاريين أيضا.
لقد اصطحبنا معنا خلال هذه المرة 5 شركات، بعدما حضرنا نسخة السنة الماضية بدون اصطحابها. كما أننا نتطلع إلى اصطحاب 15 شركة خلال نسخة السنة المقبلة، مع استحضار ضرورة تحديد المجالات التي يُمكننا ضمنها تعميق الشراكات، سواء مع الإدارة المغربية أو مع الشركات الناشئة والمستثمرين الآخرين.
ونحن نتحدث عن حضور أزيد من 1400 شركة من حوالي 130 دولة ضمن هذا المعرض.. ما الإيجابيات التي ينطوي عليها التعاون بين دول الشمال والجنوب في مجال التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي؟
تكمن إيجابيات الشراكات في قدرتها على ربط الشركات المختلفة فيما بينها، وهي تعد ضرورية لنقل التكنولوجيا بشكل أسرع والمساعدة في إيصال الحلول الجديدة والمتطورة من منطقة بروزها الأولى إلى مناطق أخرى. وأؤكد في هذا الإطار أن “جيتيكس إفريقيا” من بين الفعاليات التي تساهم في تحقيق ذلك.
موازاة مع استمرار تنظيم معرض “جيتيكس غلوبال” بدبي ظهرت نسخٌ قارية من هذا الحدث بما فيها الإفريقية والأوروبية. هل يمكننا القول إن أدركت أوروبا ضرورة نقل هذه التجربة إلى ترابها؟
بالطبع، فأوروبا بدورها ستكون محتضنة لنسخة جديدة من معرض “جيتيكس”، والتي سيتم تنظيمها بالعاصمة الألمانية برلين بعد شهر من اليوم؛ وهو ما يعني أن “جيتيكس” انطلق في البداية من دبي.. واليوم وصل إلى مناطق أخرى بالعالم، من بينها المغرب وأوروبا.
دعنا نتحدث قليلا عن المؤسسة التي توجد اليوم على رأسها. ما هي الوظائف والغايات التي أنشئ من أجلها المجلس الأوروبي للابتكار؟
مجلس الابتكار الأوروبي هو عبارة عن مبادرة من الاتحاد الأوروبي تهدف إلى دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا حتى تنمو وتكبر وتصير شركات عالمية. ويتم دعم هذه الشركات المشتغلة في إيصال التكنولوجيا إلى قطاعات الصحة والطاقات المتجددة والتعامل مع التغير المناخي، حيث نقدم لها منحا للدعم والاستثمار في رأسمالها.
كما أننا نصطحبها إلى فعاليات دولية وقارية مثل “جيتيكس غلوبال” بدبي أو بإفريقيا وفعاليات أخرى أيضا، ويمكنها انطلاقا من مشاركتها ضمن هذه الفعاليات الوصول إلى السوق والتواصل مع المشترين المحتملين لخدماتها والحلول التي تقدمها في مجال الديجيتال.
وماذا عن الشركات المغربية الناشئة؟ هل لها الحق في الاستفادة من المواكبة التي يوفرها المجلس ومنح الدعم التي يكشف عنها على هذا المستوى؟
يبقى هذا البرنامج في الوقت الراهن خِصيصا للشركات الأوروبية، مع وجود عدد من الدول المتوسطية التي يمكنها الاستفادة منه من خلال تقديم ملفاتها للحصول على الدعم، بما فيها تونس، مع التحاق مصر في المستقبل القريب وعدد من دول المنطقة؛ في حين أن المغرب لا يعد حاليا من بين هذه الدول.
ما الأهمية التي يكتسيها الاشتغال المشترك بين المغرب وهيئات وأعضاء الاتحاد الأوروبي في مجالات الابتكار والبحث التكنولوجي المتقدم؟
يمكننا القيام بمجموعة من الأنشطة المشتركة مع المغرب في مجالات البحث والابتكار في المجال الرقمي، والتي ستساهم في تعزيز التواصل بين المنظومات الثنائية من مستثمرين وشركات ناشئة؛ مع استحضار مساهمتها المبدئية والمرتقبة في تطوير التعاون بين الجانبين بطبيعة الحال.