أخبار عاجلة

"الماحيا".. "سمٌّ كحولي" سواء أُنتج في قنينة فاخرة أو في برميل صدئ

"الماحيا".. "سمٌّ كحولي" سواء أُنتج في قنينة فاخرة أو في برميل صدئ
"الماحيا".. "سمٌّ كحولي" سواء أُنتج في قنينة فاخرة أو في برميل صدئ

في المغرب هناك من يعتقد أن الحل بالنسبة لمشكلة “الماحيا”- ذلك المشروب الكحولي التقليدي- هو أن نضع له قُبعة من التراث وعباءة من الهوية، ونُدخله من الباب الواسع للسوق الوطنية “مؤطرًا قانونيًا وصحيًا”. الفكرة، كما يسوّقها بعض الناشطين، أن هذا المسكر الشعبي يجب أن يخرج من الظل إلى النور، لا بوصفه خطرًا على الصحة، بل “منتجًا تقليديًا قابلاً للتثمين” مثل الفخار أو الزرابي.

لكن وراء اللغة الناعمة عن “الحماية من السطو” و”التثمين”، يكمن منطق بالغ الخطورة: تحويل مادة مسكرة، مسؤولة عن حالات تسمم وموت، إلى مشروع اقتصادي مُشرعن، فقط لأن لها “جذورًا ثقافية” أو لأنها كانت تُصنع قبل قرون على يد المغاربة اليهود وانتقلت تقنياتها. وكأن التاريخ يمنح شهادة براءة للسموم، أو كأن مرور الزمن يحوّل الخطر إلى قيمة مضافة.

المفارقة المرة أن بعض الأصوات لا ترى المشكلة في انتشار الكحول، بل تراها في “تأخر” الدولة في اقتطاع نصيبها الضريبي من عائداته. هكذا يتحول النقاش من حماية الأرواح إلى حماية المداخيل، ومن مكافحة انتشار المسكرات إلى الاستثمار فيها، ما دامت تُعبأ في قنينات أنيقة عليها ملصق “منتج محلي”.

التذرع بمقولة “كل ممنوع مرغوب” هنا أشبه بتبرير السرقة لأن “الباب كان مغلقًا”. فالخطر لن يختفي بمجرد وضع لافتة “تراث” على الزجاجة، بل سيكتسب شرعية اجتماعية، ويُفتح الباب أمام جيل جديد يستهلك الكحول تحت شعار “دعم الاقتصاد التضامني”.

وبينما تنشغل فعاليات مدنية بالدفاع عن “الماحيا” باعتبارها جزءًا من التراث الشعبي، ينسى كثيرون أن هذا “المنتج التقليدي” في حقيقته كحول صافٍ يفتك بالجسد والعقل، ويترك خلفه مآسي عائلية وصحية لا تُحصى. لا يغسل الخطر الذي يحمله الكحول أي غطاء ثقافي أو تبرير اقتصادي. فمنذ متى صار الإدمان إرثًا نفتخر به؟ ومنذ متى أصبح الموت البطيء موردًا للتنمية؟

من يسوّق الكحول تحت شعار “التقنين” يتجاهل أن كل جريمة سير، وكل انهيار أسرة، وكل كبد متليفة، تبدأ برشفة. المشكلة ليست فقط في الغش أو التصنيع العشوائي، بل في طبيعة هذا السم نفسه، الذي يُشرعن اليوم تحت لافتة “تنظيم السوق” بدل مواجهته بسياسات صارمة تحد من انتشاره.

منظمة الصحة العالمية تؤكد أن الكحول مسؤول عن أكثر من 3 ملايين وفاة سنويًا حول العالم، وأنه من أبرز مسببات السرطان وتليف الكبد وأمراض القلب والاكتئاب والانتحار. هذه ليست أرقام عن مشروبات مغشوشة فقط، بل عن الكحول ذاته، حتى في أنقى صوره وأكثرها “جودة”.
الدراسات الطبية تحسم الأمر: لا وجود لجرعة “آمنة” من الكحول. تقرير نشرته مجلة The Lancet الطبية، أحد أعرق المراجع العلمية، خلص بعد تحليل بيانات من 195 دولة إلى أن المستوى الآمن لاستهلاك الكحول هو صفر، لأن مخاطره تبدأ مع أول قطرة.

“الماحيا” ليست زيت أركان ولا “أملو”، إنها مشروب مسكر يقتل ببطء، مهما كانت طريقة صنعه أو جودة زجاجته. وحين نرفع عنه الحظر، ونضعه على رفوف المتاجر، نكون قد بعنا صحة الناس باسم “حماية التراث”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عبر 860 شركة .. مصر تستورد 580 ألف طن سلع غذائية وزراعية خلال الأسبوع الماضي
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة