أفاد باحثون في الاقتصاد بأن أسبوع الاستثمار الخاص بمغاربة العالم، المنظم على مستوى المراكز الجهوية للاستثمار في الجهات الـ12 للمملكة، “يخدم تعزيز تعبئة الكفاءات وتحويلات المغتربين نحو مشاريع استثمارية منتجة، شريطة أن يرافقه عرض ترابي واضح، وتسهيلات إدارية ومالية، وتحفيزات جهوية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة وقدرتها الاستيعابية”.
وأشار هؤلاء الباحثون، ضمن تصريحات متطابقة لهسبريس، إلى أن هذا الحدث، الذي تنظمه وزارة الاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية بين 11 و15 غشت الجاري، “ينطوي على أهمية عملية أيضًا”، لا سيما وأن الهدف من ورائه واضح، وهو “تعزيز الروابط بين مغاربة العالم ووطنهم الأم، وتعبئة كفاءاتهم للمساهمة في التنمية الاقتصادية للمملكة”.
ويسعى الحدث إلى “تحسيس وإعلام ومواكبة حاملي المشاريع من مغاربة العالم، من خلال إطلاعهم على فرص الاستثمار المتاحة، وتعريفهم بآليات الدعم والمواكبة على المستويين الوطني والجهوي”، وهي الخطوة التي اعتبرها المتحدثون “ضرورية وتستدعي المزيد من الإجراءات على مستوى تبسيط المساطر، وإسناد مجالس الجهات”.
“مبادرة تصحيحية”
رشيد ساري، باحث في الاقتصاد، قال إن أسبوع الاستثمار الخاص بمغاربة العالم بمثابة “تحرك إيجابي”، ولو أنه “يأتي متأخّرًا”، لأن “الإشكال الأول الذي كان لدينا هو عدم التفاعل مع المستجدات المتعلقة بتحويلات مغاربة العالم، التي كانت تسير في منحى تراجعي بعدما بلغت مستويات قياسية تجاوزت سقف 110 مليارات درهم”.
وأورد ساري، ضمن تصريح لهسبريس، أن “تنظيم فعالية مماثلة يعدّ كذلك تصحيحا للطريقة التي كانت تُدار بها هذه التحويلات، لأن حصة مساهمتهم (مغاربة العالم) في حجم الاستثمارات الوطنية الخاصة ظلّ منحصرا في حدود 10 بالمائة”، موردا أن “الاستثمارات بدورها كانت تتجه نحو قطاعات غير مهيكلة، مثل العقار، وهو أمر معروف، أو نحو أنشطة حدودها تنحصر في المقاهي، وهي لا تخلق قيمة اقتصادية مضافة، ولا تساهم في خلق فرص الشغل”.
وأكد المتحدث أن “الحدث الذي تحتضنه المراكز الجهوية للاستثمار يستهدف من جهة أخرى التفاعل مع المعطيات الجديدة لواقع مغاربة العالم”، مشدّدا على ضرورة الاستناد إلى الخبرة المغربية التي جرت مراكمتها في الخارج، وأن تلعب هذه المراكز دورا كاملا من خلال تقديم الفرص الممكنة، وتوفير الدعم اللازم لإنجاح هذه المشاريع”.
وأشار الباحث في الاقتصاد إلى “دور مجالس الجهات والإطارات المنتخبة وأهمية التشبيك لتوفير الدعم الكافي، على غرار توفير أوعية عقارية لإقامة مشاريع واستثمارات بأثمنة رمزية لفائدة مغاربة العالم، خصوصا وأنها هي الجهات التي لها القدرة على معرفة المؤهلات الخاصة بكل منطقة، وبالتالي تحديد القطاعات التي يمكن الاستثمار فيها، حتى تكون الاستثمارات المزمع طرحها متناسبة مع حاجيات الجهة وخصوصيتها”.
“خطوة مهمة”
ثمن عبد الخالق التهامي، خبير اقتصادي، المبادرة المتعلقة بأسبوع الاستثمار الخاص بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، معتبرا أنها “مهمة للغاية”، مشيرا إلى أن “تحويلات مغاربة الخارج رغم أهميتها، إلا أن أثرها لا يظهر بشكل كافٍ في المجال الاستثماري، لكونها لم تكن توجّه بكثافة نحو مجالات الاستثمار الإنتاجي، كالفلاحة أو الصناعات، وهو ما يجعل من هذه المبادرة فرصة لتوجيه جزء من هذه التحويلات نحو مشاريع إنتاجية مستدامة”.
وأشار التهامي، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن “نجاح هذه الخطوة يجب ألّا يبقى حبيس لحظة احتفالية ظرفية، بل ينبغي أن تتبعها إجراءات عملية ترافق المستثمرين المغاربة عبر تبسيط المساطر الإدارية وتقليص البيروقراطية، التي تُعد أحد أبرز العوائق”، موردا أن “المستثمر القادم من الخارج غالبًا ما تكون لديه فترة زمنية قصيرة، لا تتعدى بضعة أسابيع، لكنه يُفاجأ بضرورة جمع عدد من الوثائق لإنجاز مشروعه”.
وشدّد المتحدث على أن “حسن النية وحده لا يكفي، بل يجب أن ترافقه تدابير ملموسة تُسهم في تحويل هذه النوايا إلى استثمارات فعلية على أرض الواقع، من خلال تسهيل الإجراءات وتوفير المواكبة اللازمة”، مؤكدا أن “المراكز الجهوية للاستثمار يجب أن تلعب دورا أكبر، ليس فقط خلال فترات الذروة، بل طيلة السنة، مع ضرورة التكيف مع طبيعة الطلب الموسمي لمغاربة العالم”.
كما اعتبر عبد الخالق التهامي أن “القنصليات المغربية لديها دور أساسي لتلعبه، ويمكنها الاستفادة من المنصات الرقمية للتواصل الفعّال مع أفراد الجالية، وتقديم خدمات عن بُعد”، قائلا إن “الواقع يُظهر أن كثافة حضور مغاربة العالم في المغرب تتركز أساسا في شهرين من السنة، وخلال هذه الفترة يكون الطلب على الخدمات عاليا، أما في باقي السنة، فيمكن استمرار النشاط بشكل مخفف”.