لم تنتظر الجزائر طويلاً أمام صرامة الرسائل الفرنسية حتى كشّرت عن أنيابها: سحب الامتيازات العقارية للسفارة الفرنسية، إعادة النظر في عقود الإيجار الرمزية، والرد الغاضب على تعليق اتفاق الإعفاء من التأشيرات، قبل أن تصبّ جام غضبها على ما سمّته “إجراء تمييزي” في المطارات الفرنسية يخص حقائبها الدبلوماسية.
لكن بينما كانت الخارجية الجزائرية تتباكى على “حصانة الحقيبة” وتلوّح باتفاقية فيينا، كانت باريس تجهّز قنبلة سياسية ـ قضائية من العيار الثقيل: مذكرة توقيف دولية بحق دبلوماسي جزائري سابق، متهم بخطف معارض على التراب الفرنسي، تحت غطاء رسمي.
الخطير في الأمر أن القضية لم تُطبخ على نار إعلامية، بل جاءت بعد تحقيقات أمنية رجّحت أن الدبلوماسي لم يكتفِ بمزاولة مهامه في الصالونات، بل مارس “العمل الميداني” بأسلوب عصابات الخطف.
أي توازن دبلوماسي هذا الذي تتحجج به الجزائر إذا كانت البعثة الرسمية تتحرك كما لو أنها فرع خارجي لجهاز أمني يتعامل مع فرنسا كساحة مفتوحة لعملياته الخاصة؟
منذ أن أمر الرئيس إيمانويل ماكرون حكومته بالتحرك “بمزيد من الحزم والتصميم” تجاه الجزائر، مشيراً إلى مصير الكاتب بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز المسجونين في سجون تبون، تحولت الأزمة إلى سباق في التصعيد.
الجزائر بادرت بالانتقام العقاري والإداري، ثم صبّت الزيت على النار برفضها الغاضب لإجراءات المطار، لكن باريس لم تكتفِ بالرد السياسي، بل قفزت مباشرة إلى خانة الجريمة المنظمة والإرهاب، لتقول عملياً: لسنا أمام خلاف دبلوماسي، بل أمام سلوك خارج عن القانون.
المفارقة أن الجزائر، التي تتهم فرنسا دوماً بالهيمنة و”التدخل في الشؤون الداخلية”، تمارس على أرض باريس ما لن تقبله على أرضها: خطف معارضين سياسيين في وضح النهار.
والنتيجة أن الحديث عن “شراكة متوازنة” و”احترام متبادل” بات نكتة دبلوماسية ثقيلة الظل، فيما تسير العلاقة بين البلدين نحو مواجهة باردة… لكنها هذه المرة، ممهورة بخاتم النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب.