يشهد المغرب في الأسابيع الأخيرة تزايداً ملحوظاً في حالات الإصابة بنزلات البرد وأعراض شبيهة بالإنفلونزا، رغم حلول فصل الصيف، ما أثار تساؤلات حول أسباب هذا الانتشار غير المعتاد للأمراض التنفسية في هذه الفترة من السنة.
وفي ظل هذه الموجة يحذر أطباء من تنوع مسببات هذه الحالات، التي قد تتراوح بين فيروسات موسمية ومتحورات جديدة من كورونا، وصولاً إلى التهابات جرثومية، إضافة إلى عوامل بيئية وسلوكية مرتبطة بفصل الصيف، مثل الصدمات الحرارية والتعرض المفرط لأشعة الشمس أو سوء حفظ الأطعمة، ما يستدعي، وفق المختصين، الالتزام بإجراءات وقائية خاصة لحماية الفئات الهشة وتجنب المضاعفات.
وفي هذا الإطار قال الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات الصحية، في تصريح مطول، إن الأسابيع الأخيرة شهدت تزايداً ملحوظاً في شكاوى المواطنين من نزلات البرد، موضحاً أن الأمر لا يقتصر على الإنفلونزا الموسمية كما قد يعتقد البعض، بل إن هذه الحالات قد تكون ناتجة عن فيروسات متعددة أو حتى التهابات جرثومية.
وأوضح حمضي أن الأعراض المتكررة، مثل الحمى، والصداع، وآلام الحلق والمفاصل، وسيلان الأنف، والسعال، قد تتشابه إلى حد كبير بين أمراض مختلفة، وهو ما يدفع الأطباء إلى الحديث في البداية عن “متلازمة” قبل تحديد التشخيص النهائي.
وأشار الطبيب ذاته إلى أن ما يصفها البعض بـ”نزلات البرد الصيفية” ليست مرضاً واحداً، بل قد تعود أسبابها إلى التهابات في الحلق أو الجيوب الأنفية أو فقدان حاسة الشم أو التهابات جرثومية في الرئتين، مضيفاً أن ملاحظة أعداد كبيرة من الإصابات في الوسط نفسه أو انتقال العدوى بين أفراد الأسرة أو المحيط تشير إلى وجود مرض فيروسي معدٍ، قد يكون في حالات نادرة إنفلونزا موسمية رغم ندرتها في فصل الصيف، أو أحد الفيروسات التنفسية الأخرى، بما فيها فيروس كورونا.
وأكد المتحدث أن أغلب الحالات المسجلة حالياً في المغرب يُرجَّح ارتباطها بكوفيد-19، في ظل ظهور متحور جديد مع بداية سنة 2025، بدأ في آسيا وانتشر في أوروبا ثم بقية دول العالم، وعزا أسباب انتشار هذه الأمراض، سواء كورونا أو غيرها، إلى كثرة الاختلاط، والصدمات الحرارية الناتجة عن الانتقال المفاجئ من الحرارة المرتفعة إلى البرودة، وكثرة السفر واللقاءات، وهو ما يسمح للفيروسات بالانتقال السريع بين البلدان.
وبخصوص الوضع الصحي الراهن شدد حمضي على أن كورونا لم تعد تشكل خطراً كبيراً كما في السابق، بفضل المناعة التي اكتسبها المواطنون من الإصابات السابقة ومن حملات التلقيح، وهي مناعة توفر – لحسن الحظ – حماية من الأشكال الخطيرة للمرض. ومع ذلك فإن الفئات الهشة، وفي مقدمتها كبار السن فوق 65 سنة، وذوو الأمراض المزمنة، ومرضى زرع الأعضاء أو الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة، تظل بحاجة إلى حماية خاصة، واتخاذ مزيد من الاحتياطات، وتجنب التجمعات في هذه الفترة التي تشهد انتشاراً ملحوظاً للفيروسات.
من جانبه قال مولاي سعيد عفيف، أخصائي طب الأطفال، في تصريح مطول، إن فصل الصيف يحمل معه مجموعة من المخاطر الصحية التي قد تسهّل الإصابة بالأمراض أو تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، موضحاً ضمن تصريح لهسبريس أن من بين هذه المخاطر التعرض المفرط لأشعة الشمس دون وقاية، مثل عدم ارتداء القبعات أو استعمال وسائل الحماية، ما قد يسبب ضربات شمس، خاصة عند الانتقال من أماكن شديدة الحرارة إلى أماكن باردة أو العكس، كالدخول إلى المياه مباشرة بعد التعرض الطويل للشمس.
وأشار عفيف إلى أنه من الضروري عند وجود شخص مريض في محيط معين، مثل القرية أو الأسرة، أن يحرص الجميع على تجنب الاقتراب منه، خصوصاً الأطفال الصغار وكبار السن، باعتبارهم أكثر عرضة للإصابة بالمضاعفات.
وحذّر المتحدث أيضاً من المخاطر الكبيرة التي تنجم عن ترك الأطفال داخل السيارات المغلقة تحت أشعة الشمس، مؤكداً أن ذلك قد يؤدي إلى كوارث صحية قاتلة في وقت وجيز؛ كما نبه إلى مسألة حفظ الأطعمة والمشروبات في فصل الصيف، مشيراً إلى أن تركها في الشمس لفترات طويلة، أو التعامل معها دون الانتباه إلى جودة التخزين والنظافة، قد يتسبب في حالات تسمم غذائي، خصوصاً أن البعض يضعون المنتجات في الشمس بهدف تبريدها لاحقاً، وهو سلوك غير صحي يجب تفاديه تماماً.