أخبار عاجلة

لكريني يجرد الفرص التنموية المهدرة بسبب القطيعة بين المغرب والجزائر

لكريني يجرد الفرص التنموية المهدرة بسبب القطيعة بين المغرب والجزائر
لكريني يجرد الفرص التنموية المهدرة بسبب القطيعة بين المغرب والجزائر

يرى الباحث الأكاديمي المغربي إدريس لكريني أن القطيعة بين المغرب والجزائر تمثل هدرا استراتيجيا لإمكانات هائلة يمكن أن توظف في خدمة شعبي البلدين والمنطقة المغاربية ككل، موردا أنه رغم الروابط العميقة التي تجمع الشعبين، إلا أن مناخ التوتر وانعدام الثقة حال دون تفعيل الاتحاد المغاربي وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، مما ساهم في تكريس الجمود وتفاقم التحديات الأمنية والاجتماعية في المنطقة.

وشدد الدكتور لكريني ضمن مقال بعنوان “المغرب والجزائر.. تكلفة القطيعة”، توصلت به هسبريس، على أن الجوار الجغرافي قدر لا يمكن تغييره ويتطلب رؤية سياسية منفتحة تتجاوز الحسابات الضيقة، أسوة بالتجربة الأوروبية التي حوّلت العداء إلى تكامل، داعيا إلى دور أقوى للنخب الواعية في مواجهة خطابات التحريض والانقسام، والعمل على فتح صفحة جديدة من الحوار والتعاون لضمان مستقبل أكثر استقرارا وتنمية لشعوب المنطقة.

وهذا نص المقال

قبل أكثر من قرن من الزمن، اعتبر المستشار الألماني مؤسس “الرايخ الثاني” بسمارك أن الجغرافية تظل هي العنصر الثابت في السياسة. ذلك أن الجوار في العلاقات الدولية لم يكن قط اختيارا، بقدر ما هو قدر يفرض التعامل معه بمنطق المصالح المشتركة والتحديات، مع استحضار المستقبل في هذا الصدد.

وتشير الكثير من الوقائع والأحداث الدولية إلى أن الجوار يمكن أن يدفع الدول المعنية به إلى تعزيز التعاون والتنسيق بما يدعم التعاون الاقتصادي وتبادل المصالح المشتركة وتعزيز السلم والأمن الإقليميين من جهة، كما يمكن أن يكون عاملا حاسما في خلق حالة من عدم الثقة، وما يتصل بذلك من صراعات سياسية، ونزاعات حدودية وحروب عسكرية واقتصادية، وتنافس وهدر للإمكانات والطاقات من جهة أخرى.

إن الوعي بأهمية الجوار وبالفرص الواعدة التي يمكن أن تتحقق لأطرافه مجتمعة في سياق تجنيد وتعبئة الإمكانات المتاحة وتعزيز التعاون، هي التي دفعت الكثير من البلدان الأوروبية إلى تحويل القارة العجوز من فضاء للصراعات والحروب المدمرة إلى تكتل قوي قوامه الشراكات والتنمية والممارسة الديمقراطية. وفي مقابل ذلك وتحت عوامل داخلية وأخرى خارجية وتاريخية، تحوّل “الإقليم العربي” بشكل عام إلى ساحات للصراعات والحروب وهدر الإمكانات والطاقات.

رغم الروابط الاجتماعية والدينية والثقافية والتاريخية التي تجمع الشعبين المغربي والجزائري، ما زال الهدر سيد الموقف، بفعل خيار القطيعة الذي كرّس مناخا من الشك والتشاؤم إزاء مستقبل العلاقات بين الجارين، بل ومستقبل المنطقة المغاربية برمتاها، بالنظر إلى الوزن الإقليمي للبلدين داخل الاتحاد المغاربي الذي تأسس في نهاية الثمانينات من القرن الماضي (1989) بموجب معاهدة مراكش، وهو الاتحاد الذي لم ينطلق بالصورة المطلوبة بعد رغم الطموحات والانتظارات الكبرى التي رافقت إحداثه، والإمكانات الكبرى المتاحة لبلدانه، سواء على مستوى الموقع الاستراتيجي أو فيما يتعلق بالإمكانيات البشرية والطبيعية والاقتصادية.

ما زال الجمود هو سيد الموقف في المنطقة رغم التحولات الكبرى والمتسارعة التي شهدها العالم على شتى الواجهات، وتظل القطيعة بين الجزائر والمغرب على رأس العوامل التي تكرّس هذا الوضع، الذي ينضاف إلى مختلف الأزمات والتحديات والمخاطر الحقيقية التي تواجه النظام الإقليمي بكل مكوناته الاقتصادية والثقافية والأمنية.

تعيش المنطقة المغاربية على إيقاع الكثير من الإشكالات التي تعمق الجراح، سواء تعلّق الأمر منها بالتحدي الذي يفرضه نشاط الجماعات الإرهابية وتصاعد وتيرة الهجرة السّرية، أو تزايد حدّة التهافت الدولي والإقليمي على المنطقة، واختلال موازين التفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي بصدد عدد من الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية، ثم تدهور الأوضاع الأمنية في عدد من دول الساحل المجاورة للمنطقة.

وأمام الخطابات التحريضية التي تكرس الأحقاد والضغائن بين الشعبين، والتي تعمقت أكثر مع الخطابات التحريضية التي يطلقها عدد من المؤثرين بشبكات التواصل الاجتماعي بما يتنافى مع تطلعات شعوب المنطقة نحو التواصل والتعاون والاندماج، يطرح أكثر من سؤال حول صمت كثير من النخب المثقفة، وما إذا كانت تقبل بهذا الوضع.

فقد استطاعت الكثير من البلدان الأوروبية بفضل فلاسفتها ومفكريها أن تضغط باتجاه وقف متاهات الصراعات المدمرة في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتحويلهما إلى فرص لتحصين مستقبل الأجيال القادمة عبر التحسيس بأهمية المراهنة على التعاون والتنسيق وتعبئة الإمكانيات لتحقيق السلام والتنمية والديمقراطية، وهو ما ترجمه صانعو القرار من خلال سياسات ومبادرات لا تخلو من جرأة، مكّنت من بناء تكتل أوروبي وازن. ورغم الإشكالات والأزمات التي واجهت الاتحاد في مساره، إلا أنها لم تحل دون تطوير الأداء، بعدما تم تجاوزها بعزيمة كبيرة، اقتناعا بأن التفريط في المكتسبات التي تحققت على امتداد عقود عدة في هذا الخصوص هو بداية للعودة إلى جحيم الحروب وأجواء الكراهية والانتقام، ما جعل الحرص على تشبيك المصالح ونبذ الخلافات رهانا أساسيا لتحصين مستقبل أوروبا.

إن قدر الجوار يقتضي اتخاذ خطوات مدروسة برؤية منفتحة على المستقبل، تتجاوز الحسابات الضيقة والمرحلية، بصورة تتيح لشعوب المنطقة العيش في سلام وتواصل، بعيدا عن الأحقاد، عوض تحويل المشترك إلى مظاهر لتكريس الفرقة والصراعات.

هناك الكثير من المؤشرات التي تبرز أن العالم يشهد تحولات جذرية تحيل إلى تشكيل تحالفات جديدة تعزز مكانة عدد من القوى داخل النظام الدولي، وتفرض التموقع كطرف فاعل في هذا الأخير بدل أن تكون ضحية له. ومن هذا المنطلق، فإن استمرار القطيعة بين الجارين سيضيع على البلدين وعلى المنطقة الكثير من الفرص التي تعزز تفاعلها الإيجابي مع كل هذه التبدلات.

إن الجوار الجغرافي ضمن موقع استراتيجي هام، المقترن بمناخ دولي مليء بالتحديات والمخاطر، وبجمود الاتحاد المغاربي، يضع البلدين أمام محك حقيقي يفرض طيّ الخلافات والانكباب على إرساء علاقات مبنية على الحوار والتعاون وحسن الجوار وتأمين مستقبل الأجيال القادمة.

والواقع أن المنطقة بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أصوات عاقلة ونخب مسؤولة توقف النزيف وتجهر برفض هذا الواقع المرّ، الذي تؤجّجه بعض المواقف غير المحسوبة التي تورّث الأجيال القادمة مزيدا من الحقد وهدر الفرص في عالم متغير.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025 عبر منصة مصر الرقمية
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة