يُواصل أكبر حقل غاز في الجزائر جهوده لتعزيز قدراته الإنتاجية، في وقت تخطو فيه البلاد خطوات حثيثة لتأمين إمدادات الطاقة محليًا ودوليًا.
وتأتي هذه المساعي عبر تنفيذ مشروعات إستراتيجية ضخمة، يبرز في مقدّمتها مشروع تعزيز مكمن حقل حاسي الرمل، الذي يتوقّع أن يُسهم بإضافة احتياطيات جديدة تُقدَّر بـ121 مليار متر مكعب من الغاز الجاف.
ووفقًا لبيان حصلت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) على نسخة منه، شهدت منطقة حاسي الرمل بولاية الأغواط، اليوم الخميس 31 يوليو/تموز 2025، زيارة عمل للمدير العام لمجمع سوناطراك، رشيد حشيشي، للاطّلاع ميدانيًا على مدى تقدم أعمال مشروع دعم المكمن الغازي في مرحلته الثالثة - الخطوة الثانية.
وخلال الزيارة، قدّم ممثلو المشروع عرضًا تقنيًا مفصلًا حول نسبة التقدم، التي بلغت 51% حتى نهاية يوليو/تموز الجاري، واستعرضوا مختلف الجوانب التقنية والتنظيمية، ومن ضمنها وتيرة الأشغال ومدى الالتزام بالآجال التعاقدية.
مشروع إستراتيجي يعزّز أمن الطاقة
يُعد هذا المشروع من أبرز المبادرات الهيكلية الرامية إلى مواجهة التراجع الطبيعي في إنتاج حقل حاسي الرمل، والعمل على ضمان استمرارية الإنتاج بوتيرة تصل إلى 188 مليون متر مكعب يوميًا، بالإضافة إلى استرجاع احتياطيات ضخمة تشمل 121 مليار متر مكعب من الغاز الجاف، و7 ملايين طن من المكثفات، و3 ملايين طن من غاز النفط المسال.
ويمثّل المشروع جزءًا من العقد الموقع بين شركة سوناطراك وتحالف شركتَي بيكر هيوز الأميركية وتيكنيمونت الإيطالية، في 23 مايو/أيار 2024، ضمن إطار الهندسة والإمداد والبناء.
وتشمل الأعمال الجارية في حقل حاسي الرمل إنشاء 3 وحدات لضغط الغاز موزعة على المحطات المركزية والشمالية والجنوبية، تضم مجتمعة 20 شاحنًا توربينيًا، فضلًا عن إعادة تأهيل شبكة تجميع الغاز الحالية، وتطوير وحدات متخصصة لإزالة الزئبق.

مراحل المشروع
وفقًا لتفاصيل الاتفاق، تستعد شركة بيكر هيوز لتزويد المشروع بخطوط ضغط تعتمد على الهيكل الخامس لتوربينات الغاز، إلى جانب وحدات ضاغط بتقنية "بي سي إل" (BCL).
وستُثبت هذه التجهيزات في المحطات الثلاث المخصصة، في خطوة تهدف إلى تعزيز التدفقات الغازية داخل أكبر حقل غاز في الجزائر، ومن ثم دعم موقع البلاد في سوق الطاقة العالمية.
وسيُنجز المشروع على مراحل تمتد بين 33 و39 شهرًا، تبعًا لكل محطة، مع تحديد أكتوبر/تشرين الأول 2026 موعدًا لبدء تشغيل محطة التعزيز المركزية، تليها المحطة الشمالية في يناير/كانون الثاني 2027، ثم الجنوبية في أبريل/نيسان من العام ذاته.
وتُعوّل الجزائر كثيرًا على هذا المشروع من أجل تلبية الطلب المحلي المتزايد على الغاز، بالإضافة إلى الوفاء بالالتزامات التعاقدية المبرمة مع عدد من الدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا، التي تُعد المستورد الأول للغاز الجزائري.
حقل حاسي الرمل
يُعد حقل حاسي الرمل ركيزة قطاع الغاز الجزائري، وأحد أضخم الحقول عالميًا، ويقع على بُعد 550 كيلومترًا جنوب العاصمة الجزائر، وقد اكتُشف عام 1956.
وتقدّر احتياطياته بنحو 2.4 تريليون متر مكعب، وفق تقديرات وحدة أبحاث منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أي ما يمثل أكثر من نصف إجمالي احتياطي الجزائر من الغاز الطبيعي.
وسبق أن سجّل الحقل تراجعًا في تقديرات الاحتياطي، من 4.3 تريليون متر مكعب عام 2019 إلى 2.3 تريليون نهاية 2020، وفق شركة النفط البريطانية بي بي، ما جعل الحاجة ماسّة إلى تعزيز قدراته التقنيّة والهندسية لضمان استمرار الإنتاج.
وتهدف أعمال التطوير الجارية في أكبر حقل غاز في الجزائر إلى احتواء التراجع الطبيعي في الضغط، وضمان كفاءة البنية التحتية وتدفق الغاز بكميات مستقرة.

شراكات دولية
تمثّل الشراكة بين بيكر هيوز وتيكنيمونت الإيطالية علامة فارقة في إستراتيجية الجزائر لتحديث بنيتها التحتية الغازية، إذ تُسهم الشركتان في تنفيذ مرافق الضغط الجديدة، والتنسيق بين وحدات الإنتاج والربط مع الأنظمة المرافقة من مياه وديزل.
وأكدت بيكر هيوز أن تقنياتها الحديثة ستؤدّي دورًا أساسيًا في دعم استقرار ضغط الغاز وزيادة الكميات المنتَجة؛ ما من شأنه تعزيز أمن الطاقة الجزائري، والإسهام كذلك في أمن الطاقة الأوروبي، خصوصًا في ظل التحولات العالمية الجارية في قطاع الطاقة.
كما أن مشروع تطوير حقل حاسي الرمل يدخل ضمن مسار التعاون الإستراتيجي بين الجزائر وإيطاليا، ويأتي في وقت تعمل فيه الجزائر على توسيع عقود التصدير وتجديدها مع عملائها في أوروبا، بما يشمل إسبانيا وفرنسا وتركيا، استنادًا إلى الاكتشافات المستمرة في هذا الحقل المحوري.

تأهيل أكبر حقل غاز في الجزائر
مع دخول المشروع مراحل متقدمة من التنفيذ، بات واضحًا أن أكبر حقل غاز في الجزائر يُعاد تأهيله ليكون حجر الزاوية في خريطة الغاز الإقليمية والدولية، وهو ما يترجم التوجه الرسمي في الجزائر بتحويل الاكتشافات إلى فرص اقتصادية ملموسة.
وفي ظل الطلب المتصاعد على الغاز في أوروبا، عقب التحديات التي شهدتها القارّة خلال السنوات الأخيرة، تبرز الجزائر بصفتها مورّدًا موثوقًا ومستقرًا، بفضل قدرتها على تأمين الإمدادات، وتطوير بنيتها الإنتاجية واللوجستية، ولا سيما في حقل حاسي الرمل الذي يؤكّد مجددًا مكانته الإستراتيجية في مستقبل الطاقة العالمي.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر: