يُعد الفنان الراحل حسن عابدين واحدًا من أبرز أعمدة الدراما والمسرح في مصر، حيث شكّلت مسيرته الفنية لوحةً إنسانية زاخرة بالمواقف النبيلة والتحديات القاسي، فقد جمع بين الشجاعة الوطنية والموهبة الفنية، وواجه المرض بقوة وعزيمة، وترك بصمة لا تُنسى في قلوب الجمهور العربي.
في ذكرى ميلاده، نسلّط الضوء على أبرز محطات حياته التي جمعت بين النضال، الفن، والإيمان.
النشأة والبدايات
وُلد حسن عابدين، واسمه الحقيقي محمود عبد الوهاب عابدين، في محافظة بني سويف يوم 28 يوليو عام 1931، ونشأ في بيئة ثقافية راقية، حيث كان والده أحد أعيان البلدة وكان يعقد صالونًا أدبيًا أسبوعيًا، رغم شغفه بالفن منذ الصغر، واجه رفض والده التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ما دفعه للسير في طريق مختلف قبل أن يعود لحلمه القديم.
مقاتل في حرب فلسطين
في سن السابعة عشرة، قرر عابدين ترك الدراسة والانضمام إلى المقاومة الشعبية في حرب فلسطين عام 1948، حيث قاتل ضمن قوات القائد أحمد عبد العزيز.
وقع في الأسر خلال المعارك وصدر بحقه حكم بالإعدام، إلا أن القدر تدخّل عندما فجّر أحد الفدائيين قاعة المحكمة مما أتاح له فرصة الهروب والنجاة من الموت.
بداية طريق الفن من المسرح العسكري
بعد عودته من فلسطين، عمل في وزارة العدل لفترة، ثم انضم للجيش عقب ثورة 1952، وهناك بدأ أولى خطواته الحقيقية في التمثيل من خلال المسرح العسكري، حيث عمل إلى جانب فنانين كبار مثل حسن حسني وإبراهيم الشامي. بعدها، التحق بفرق مسرحية معروفة من بينها فرقة يوسف وهبي، ومن ثم فرقة مسرح التليفزيون التي صقلت موهبته وأبرزته للجمهور.
"نرجس".. انطلاقة نحو الشهرة
لمع نجم حسن عابدين بقوة بعد مشاركته في مسرحية "نرجس" أمام سهير البابلي، حيث جاء اختياره للبطولة بعد اعتذار أحد الممثلين، وقد كانت تلك الفرصة كفيلة بأن تفتح له أبواب الشهرة والنجومية، ليصبح من أكثر الفنانين حضورًا على خشبة المسرح.
تنوع الأدوار وتفوق في الكوميديا
رغم ملامحه الجادة، برع عابدين في الأدوار الكوميدية والدرامية على حد سواء. اشتهر بأدوار الأب الحنون والموظف المكافح والإنسان البسيط، وقدم أعمالًا مسرحية ناجحة مثل "عش المجانين" و"على الرصيف".
كما لمع في السينما بأفلام مثل: "درب الهوى"، "ريا وسكينة"، "أهلًا بالسكان"، و"فيفا زلاطة".
أما في التليفزيون، فشارك في مسلسلات شهيرة أبرزها: "أنا وأنت وبابا في المشمش"، "فرصة العمر"، و"برج الأكابر".
لحظة الانكسار الروحي وقرار الاعتزال
تعرض حسن عابدين لأزمة نفسية عميقة أثناء أدائه مناسك العمرة، حين طُلب منه من قِبل بعض الحراس عدم الاقتراب من قبر النبي ﷺ لأنه "ممثل".
هذه الواقعة أثرت فيه بشدة، وجعلته يقرر اعتزال الفن نهائيًا، لكنه سرعان ما تراجع عن قراره بعد لقاء مع الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي نصحه بالاستمرار في تقديم الفن الجيد وعدم ترك الساحة لأصحاب الأعمال الهابطة.
المرض ورحلة الألم
رغم إصابته بمرض سرطان الدم، لم يتوقف حسن عابدين عن العمل والعطاء. قاوم المرض لأكثر من تسع سنوات، وكان دائم الحضور في أعماله حتى اللحظة الأخيرة.
تميز بروحه القوية وإيمانه، واستمر في تقديم أدوار مؤثرة حتى وافته المنية في 5 نوفمبر 1989، أثناء تلقيه العلاج في إنجلترا، عن عمر ناهز 58 عامًا.
وصية مؤثرة ورسالة للأجيال
في أيامه الأخيرة، ظل حسن عابدين يردد الشهادة أكثر من مرة، ثم سأل وهو على فراش المرض: "مصر لعبت؟"، تعبيرًا عن حبه العميق لوطنه.
ترك وصية مؤثرة لأبنائه شدد فيها على أهمية الصلاة، صلة الرحم، والابتعاد عن اللهث وراء الماديات، مؤكدًا أن "التقوى أهم من كل شيء".