أخبار عاجلة

بعد الترسيم الدستوري .. هل حول المغرب القضية الأمازيغية إلى "ملف إداري"؟

بعد الترسيم الدستوري .. هل حول المغرب القضية الأمازيغية إلى "ملف إداري"؟
بعد الترسيم الدستوري .. هل حول المغرب القضية الأمازيغية إلى "ملف إداري"؟

على خلاف التجربة الأمازيغية في كل من تونس وليبيا، حيث عانى الأمازيغ من سياسات أنظمة ترى في التنوع تهديدا وفي الاختلاف خيانة، وحيث ما تزال مطالبهم بالاعتراف تراوح مكانها في الهامش السياسي والثقافي، اتخذت التجربة المغربية في التعاطي مع المسألة الأمازيغية مسارا مختلفا، حين خرجت من الهامش إلى صلب النقاش الوطني، مع إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وترسيم حرف “تيفيناغ”، مرورا بالدسترة ووصولا إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها.

رغم أهمية هذه المكتسبات، إلا أنها لم تحسم بعد، حسب فاعلين مهتمين بالشأن الأمازيغي في المغرب، النقاش حول طبيعة موقع الأمازيغية داخل الدولة والمجتمع، بل فجرت تساؤلات عديدة من قبيل: هل انتهت القضية الأمازيغية في المغرب كقضية كانت سياسية بالدرجة الأولى في العقود الماضية وتحولت إلى ملف إدارة مرتبط بمطالب تنزيل فصول الدستور؟ وهل ما تزال الأمازيغية تمثل فعلا صوتا جماهيريا حيا أم إنها دخلت في مرحلة ركود أو مرحلة ما بعد النضال؟ ثم ما هي أبرز التحديات التي تواجه الحركة الأمازيغية حاليا في الحفاظ على زخمها وتأثيرها الاجتماعي والسياسي؟

تحول وفعل

اعتبر رشيد بوهدوز، المنسق الوطني لـ”أكراو” من أجل الأمازيغية، أن “القضية الأمازيغية لم تكن في جوهرها يوما مجرد مسألة لغوية أو ثقافية تُحلُّ بمرسوم أو تنظيم إداري، بل كانت ولا تزال قضية سياسية عميقة تتعلق بإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وببناء مشروع وطني أكثر عدلا وشمولا. فالنضال من أجل الأمازيغية لم ينطلق من فراغ، بل كان نتيجة عقود من التهميش الممنهج والإنكار المؤسسي، وهي ممارسات لم تكن إدارية في طبيعتها، بل سياسية بامتياز”.

وزاد قائلا: “صحيح أن دسترة الأمازيغية سنة 2011 شكّلت لحظة تحوّل مفصلية، لكنها لم تكن نهاية المسار، بل بدايته فقط. فالتنزيل الإداري لهذا الطابع الرسمي، رغم أهميته، لا يمكن أن يُختزل في إجراءات شكلية أو قوانين تنظيمية معزولة عن السياق السياسي العام، لأن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في حقيقته، ليس مجرد عملية تقنية، بل اختبار صريح لإرادة الدولة في القطع مع ماضي الإقصاء، وبناء وطن يتصالح مع ذاته وهويته”.

وتابع بوهدوز، في حديث مع هسبريس، أن “ما نشهده اليوم من بطء وتعثر في هذا الورش لا يمكن فهمه إلا بوصفه انعكاسا لتحوّل القضية الأمازيغية إلى مجرد ملف إداري في نظر بعض الفاعلين داخل الدولة، بينما هي في العمق قضية تتعلق بالسردية الوطنية نفسها”، رافضا في الوقت ذاته اختزال الأمازيغية في شعار “رافد من روافد الهوية المغربية”؛ ذلك أن “هذا التوصيف يحمل في طياته استمرارا لمنطق التراتبية الثقافية، ويُبقي على التصور القديم الذي يجعل من الأمازيغية عنصرا ثانويا، لا مكوّنا أصيلا”.

وأشار المنسق الوطني لـ”أكراو” من أجل الأمازيغية إلى أن “الانتقال من النضال الثقافي إلى العمل السياسي لم يكن خيارا تكتيكيا، بل ضرورة استراتيجية، لأن الإنصاف الحقيقي للأمازيغية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال السياسات العمومية، ومراكز القرار، وموازنات الدولة، وليس فقط عبر خطابات النوايا أو الفضاءات الرمزية”، مبرزا أن “حضور الفاعل الأمازيغي اليوم في المؤسسات، من البرلمان إلى المجالس المنتخبة، يُمثّل مكسبا مرحليا، لكنه يضع على عاتقنا مسؤولية جديدة، أي تجاوز منطق المطالب إلى منطق السياسات، ومن الدفاع عن الهوية إلى تفعيلها في برامج التنمية، ومن الترافع إلى الفعل العملي”.

وشدّد على أن “أي مقاربة تُفرغ القضية الأمازيغية من عمقها السياسي والهوياتي وتحصرها في مجرد ملف إداري، هي مقاربة محكوم عليها بالفشل”، معتبرا أنه “رغم الترسيم الدستوري والمكتسبات الرمزية المحققة، فإننا لا نعيش مرحلة ما بعد النضال، بل نعيش مرحلة جديدة ومكثفة منه، عنوانها الانتقال من النضال الميداني إلى الترافع السياسي، ومن المطالب الثقافية إلى المرافعة من داخل الدولة لصياغة سياسات عمومية تُنصف الأمازيغية وتضعها في صلب مشروع وطني سيادي”.

وسجّل المتحدث ذاته أن “القضية الأمازيغية لم تكن يوما مجرد مطلب فئوي أو لغوي، بل كانت ـــ ولا تزال ـــ قضية سياسية وطنية، لأنها تمسّ عمق الدولة، في شرعيتها التاريخية، وفي اختياراتها التنموية”، مشيرا إلى أن “القول بأن هناك انتقالا من ‘النضال الهوياتي’ إلى ‘النضال الحقوقي’ هو وصف غير دقيق في رأيي، لأن نضالنا منذ بدايته كان نضالا حقوقيا وهوياتيا في آنٍ معا، يربط بين الإنصاف اللغوي والثقافي، والعدالة الاجتماعية والمجالية. لكنه اليوم انتقل إلى مستوى جديد، أي من الشارع إلى المؤسسات، ومن ردّ الفعل إلى إنتاج البديل”.

وذكر بوهدوز أن “أبرز التحديات التي تواجه الحركة الأمازيغية اليوم هي قدرتها على مواكبة التحولات السريعة التي يعرفها ملف الأمازيغية، وإبداع آليات جديدة للترافع تواكب المرحلة، دون التفريط في جوهر المشروع الأمازيغي ومرجعيته الحقوقية والديمقراطية”، مشدّدا على الحاجة إلى “توسيع دائرة الفعل الجماعي، وإطلاق ديناميات مؤطرة تجمع بين السياسي والثقافي والحقوقي، لأن النضال الأمازيغي لا يمكن اختزاله في بُعد واحد، بل هو مشروع تحرّري متعدد الأبعاد، والأمازيغية قضية لغوية وثقافية، لكنها أيضا قضية عدالة مجالية، وكرامة إنسانية، ومواطنة كاملة”.

ضغط ومدخل

شدد عبد الله بوشطارت، عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، على أن “القضية الأمازيغية منذ بدايتها هي قضية سياسية مركبة، وهي نتاج لضغط تاريخي وسياسي وثقافي استمرّ لفترات طويلة، عرفته منطقة شمال إفريقيا برمتها، لكن طريقة طرح القضية الأمازيغية هي التي تختلف من بلد إلى آخر”.

وأضاف: “في المغرب، عرفت القضية الأمازيغية مسارات مختلفة ومعقدة خلال فترة الحماية الفرنسية والإسبانية، ثم خلال النضال والمعركة من أجل الاستقلال، ثم في مرحلة ما بعد الاستقلال وبناء الدولة الوطنية. خلال هذه الفترات، كانت القضية الأمازيغية حاضرة في المعترك السياسي كقوة، لكن الإشكال هو ما تعرضت له من عمليات الإقصاء والتحجيم في فترة الإعداد والتحضير لما بعد الاستعمار، وذلك من أجل الانفراد بالحكم والهيمنة على الدولة، وبناء هوية وطنية جديدة بالأسطورة والإيديولوجيا، وقطع الطريق على الأمازيغية لكي لا تكون هوية دولة الاستقلال ولغة رسمية للدولة الجديدة”.

وأوضح بوشطارت، في تصريح لهسبريس، أن “الظروف لم تكن سانحة للأمازيغ للظهور إلا عن طريق عمل جمعوي تبنّى في البداية العمل الثقافي والاهتمام بالتراث والفنون طيلة سنوات الرصاص… وبعد تنامي الوعي النخبوي الأمازيغي، خاصة في صفوف الطلاب وأساتذة الجامعة، اصطدم بالقمع والمنع، كاعتقال أزايكو سنة 81/82، ومنع الجامعة الصيفية في أكادير. ومع ظهور بوادر الانفراج السياسي بداية التسعينيات، استغلته النخب الأمازيغية التي كانت تشتغل في العمل الجمعوي الثقافي والحقوقي للظهور والمطالبة، لأول مرة، بالاعتراف الدستوري في ميثاق أكادير”.

وأبرز أن “الأمازيغ خاضوا خلال التسعينيات معارك كثيرة على كل الواجهات، داخليا وخارجيا، معارك تُوّجت بالاعتراف الرسمي وخلق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بمعنى أن الدولة دخلت في الشأن الأمازيغي ولم يعد شأنا خاصا بالجمعيات والنخب والمجتمع… بدأ مسلسل إدماج الأمازيغية في بعض المؤسسات بتدرج وببطء كبير، وجاءت حركة 20 فبراير، التي شكّل الأمازيغ فيها قوة سياسية وجماهيرية مهمة إلى جانب الإسلاميين واليسار، وتحققت الدسترة بعد ما يزيد عن نصف قرن من النضال والتضحيات”.

وأكد الفاعل الأمازيغي أن “الكرة الآن في ملعب الحكومة، التي يجب أن تطبق الدستور والقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، فهذه مهمتها، وليست مهمة الشعب والحركة والمجتمع. وإلى حد الآن، فالحكومات المتعاقبة منذ دستور 2011 فشلت في تفعيل الترسيم الدستوري في جميع القطاعات، وزادت الحكومة الحالية في تكريس سياسة التراجعات والتأخير والتردد، بسبب غياب إرادة سياسية حقيقية لدى أحزابها”.

وأبرز أن “الترسيم الدستوري يتحدث عن اللغة فقط، لكن مطالب الحركة الأمازيغية لا تقتصر على اللغة وحدها، وإنما تناضل من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، والحق في الأرض والثروات والموارد، وتصحيح التاريخ، وتصحيح الهوية الوطنية وهوية الدولة. فالأمازيغية أصبحت اليوم قوة سياسية واجتماعية وإيديولوجية داخل المجتمع، تطمح إلى المزيد من الاعتراف والإنصاف والمشاركة في الحكم، وفي التسيير، وفي بناء القرار”.

وخلص بوشطارت إلى أنه “لا توجد تمثيلية سياسية للأمازيغية في البرلمان ولا في الحكومة، ولا يشارك الأمازيغ في التشريع، ولا يحظون بفرص في تسيير وإدارة المؤسسات الكبرى، ولا يوجد حزب بمرجعية أمازيغية”، مشددا على أن “الأمازيغية هي قضية معقدة تضم ما هو تاريخي وسياسي واقتصادي واجتماعي وحقوقي وبيئي، فلا يمكن اختزالها فقط فيما هو لغوي أو ثقافي. الدولة عليها ألّا تتمادى في هذا الاختزال، لأن الأمازيغية تحتاج إلى اعتراف حقيقي وإنصاف يتأسس على الكرامة والحرية والمساواة، حيث إن المدخل السياسي هو الكفيل بجعل الأمازيغية تتمتع بكامل حقوقها”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق شاب يقتل صديقه بسبب خلاف مالي بينهما بالخصوص
التالى إردوغان يشيد بقرار الرئيس الفرنسي