في ذكرى ميلاده التي توافق 27 يوليو، تعود ذاكرة السينما المصرية لتتوقف عند أحد أعمدتها الكبار، الكاتب والسيناريست والمخرج بشير الديك، الذي شكّل علامة فارقة في كتابة السيناريو وجعل من كلماته مرآة حقيقية تعكس آلام وهموم المواطن المصري، بأسلوب واقعي وجريء، قدّم أعمالًا خالدة ما زالت تُدرّس حتى اليوم، وتُعد مرجعًا لمن يريد فهم تطور الدراما العربية في العقود الأخيرة.
النشأة والبدايات الأدبية
وُلد بشير الديك في قرية الخياطة بمحافظة دمياط في 27 يوليو عام 1944، ودرس في كلية التجارة بجامعة القاهرة، وتخرج منها عام 1966.
بدأ مشواره الأدبي بكتابة القصص القصيرة التي نُشرت في المجلات الثقافية، قبل أن يتحوّل إلى كتابة السيناريو، حيث وجد فيه المساحة الأوسع للتعبير عن قضايا المجتمع.
انطلاقته في عالم السينما
دخل بشير الديك عالم السينما من خلال فيلم "مع سبق الإصرار" عام 1979، وهو العمل الذي مهّد لانطلاقته القوية في مجال كتابة السيناريو.
تعاون في هذا الفيلم مع المخرج أشرف فهمي، وشارك في بطولته عدد من نجوم السينما آنذاك مثل نور الشريف وميرفت أمين. ومنذ ذلك الحين، أصبح اسمه مقرونًا بالأعمال الواقعية التي تلامس نبض الناس.
ثنائيات فنية صنعت التاريخ
من أبرز محطات بشير الديك تعاونه المميز مع المخرج عاطف الطيب، حيث شكّلا معًا ثنائيًا فنيًا قدّم أعمالًا من طراز رفيع، منها: سواق الأتوبيس، ضربة معلم، ناجي العلي، ليلة ساخنة، ضد الحكومة.
كما تعاون مع المخرج محمد خان في أفلام مثل: الحريف، موعد على العشاء، الرغبة، وكانت هذه الأفلام بمثابة محطات نضج فني عكست وعيًا اجتماعيًا وسياسيًا عميقًا.
تجاربه في الإخراج
رغم أن بشير الديك عُرف أساسًا ككاتب سيناريو، إلا أنه خاض تجربة الإخراج مرتين فقط، في فيلمي: الطوفان، بطولة محمود عبد العزيز، سكة سفر، بطولة نور الشريف، وقد عبّر في هذه التجارب عن رؤيته الفنية الكاملة بدءًا من الكلمة وحتى الصورة.
بصمته في الدراما التلفزيونية
لم يقتصر إبداع بشير الديك على السينما فقط، بل امتد ليشمل الدراما التلفزيونية، حيث كتب ما يقرب من 13 مسلسلًا، أبرزها: الناس في كفر عسكر، الحفار، حرب الجواسيس، عابد كرمان، أماكن في القلب.
وكانت أعماله التلفزيونية تتميز بالعمق الإنساني، والطرح السياسي والاجتماعي، دون التفريط في جاذبية الحبكة الدرامية.
مغامرة الرسوم المتحركة
خاض بشير الديك تجربة مختلفة بكتابته سيناريو فيلم الرسوم المتحركة الفارس والأميرة، وهو المشروع الذي استغرق سنوات طويلة حتى خرج للنور، بعد أن تولى إخراجه بعد وفاة مخرجه الأصلي.
ويُعد هذا العمل خطوة جريئة في مسيرته تنم عن روحه المغامرة وقدرته على التنوع.
رحيله وإرثه الفني
توفي بشير الديك في 31 ديسمبر 2024 عن عمر ناهز 80 عامًا، بعد صراع مع المرض، حيث ظل في العناية المركزة حتى وافته المنية.
وبرحيله فقدت السينما والدراما المصرية واحدًا من أكثر كتابها موهبة وتأثيرًا، ترك وراءه أكثر من 60 عملًا فنيًا لا تزال تحتفظ بقيمتها الجمالية والإنسانية، وتُمثل شهادة حقيقية على مرحلة مهمة من تاريخ الفن المصري.