أخبار عاجلة

د. سالي صلاح تكتب: زلزال يوليو العقاري.. حين قررت الدولة أن تستعيد أراضيها!

د. سالي صلاح تكتب: زلزال يوليو العقاري.. حين قررت الدولة أن تستعيد أراضيها!
د. سالي صلاح تكتب: زلزال يوليو العقاري.. حين قررت الدولة أن تستعيد أراضيها!

في خطوة حاسمة تعكس تحوّلًا نوعيًا في إدارة الدولة للثروة العقارية، فاجأت هيئة المجتمعات العمرانية الجميع بحزمة قرارات استثنائية تجاه 47 شركة تطوير عقاري كبرى، شملت إيقاف التعامل، وتسويات بأثر رجعي، وسحب خدمات، وصولًا إلى تهديد مباشر بسحب الأراضي. قرارات تمس مشروعات قائمة، وأخرى لا تزال قيد التطوير، لكنها في جوهرها تعكس إعادة ضبط شامل لسوق ظل لفترات طويلة يتضخم على حساب “الحق العام”.

لسنوات، تصاعدت أصوات الخبراء والمواطنين على السواء محذرين من فوضى النشاط العقاري، حيث تُحوَّل الأراضي الزراعية إلى تجمعات عمرانية فاخرة دون تراخيص واضحة، أو تُستخدم الأراضي المخصصة للنشاط الصناعي في بناء كمبوندات، بينما تتوارى المرافق والخدمات خلف أسوار مشروعات تزداد أسعارها دون ضوابط، وينهار معها مبدأ “العدالة في العمران”.

لكن يوليو 2025 جاء ليرسم معادلة جديدة:

لا تطوير خارج القانون، ولا تسعير خارج السيطرة، ولا متر واحد دون توثيق.

■ من “غرامات مالية”… إلى “نزع أراضٍ”

لأول مرة، نرى الدولة تلجأ إلى استرداد الحقوق في صورة أصول عقارية لا مبالغ نقدية، في حالة تحويل النشاط من زراعي إلى عمراني، حيث تنص القرارات الجديدة على أن 75% من الأرض في حال كانت المخالفة في حدود 5 أفدنة ستعود للدولة. ليس هذا فحسب، بل ستختار الدولة أفضل جزء في الأرض — على البحر، أو على الطريق — في رسالة واضحة: لن تُكافأ المخالفة بالجغرافيا!

هل تأخرت هذه الخطوة؟

ربما. لكنها حين جاءت، جاءت بكل الحسم والدقة، مدفوعة بوعي الدولة بأن ما يُدار في السوق العقاري لم يعد “نشاطًا استثماريًا فقط”، بل أداة تأثير على الاقتصاد الكلي، والاستقرار المجتمعي، وعدالة توزيع الأراضي والثروات.

إعادة تقييم ما جرى في السنوات الماضية – من تساهل في تحويل الأنشطة، إلى بيع أراضٍ دون مقابل عادل للدولة، أو تأخير تسليم وحدات رغم سداد العملاء – أصبح ضرورة وطنية. لكن اللافت هنا أن الدولة لا تعادي القطاع الخاص، بل تُعيد تنظيم العلاقة معه.

■ الساحل الشمالي والصحراوي: هندسة عقارية جديدة

لم تكن المصادفة أن تبدأ الدولة بفرض رسوم تحسين ضخمة في المناطق الأعلى قيمة:

  • 1000 جنيه/م² على البحر
  • 750 جنيه/م² شمال الطريق الساحلي
  • 500 جنيه/م² جنوب الطريق

وعلى طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، صدرت قرارات رئاسية بفرض رسوم تحويل النشاط تبدأ من 1500 جنيه/م² تُسدد لصالح وزارة الدفاع، في إشارة لتوحيد ولايات الدولة على الأراضي وتنسيق الجهود للسيطرة على التوسع العمراني العشوائي.

■ ماذا نقرأ بين السطور؟

أننا أمام تحول جذري من نموذج “الاقتصاد العقاري غير الرسمي”، إلى اقتصاد عقاري منظم، مسجل، مؤسسي. نموذج يقوم على:

  • حماية المواطن من جشع بعض الشركات
  • ضمان حق الدولة في أصولها
  • إعادة توزيع القيمة السوقية للأراضي بشكل عادل
  • فرض الشفافية في النشاط العقاري
  • وتكريس نموذج جديد لـ”الرأسمالية المُنظمة” تقوده الدولة لا الفوضى

■ من يخاف من التنظيم؟

ربما تخشى بعض الشركات التي اعتادت العمل في ظل التجاوزات، أو تلك التي أخّرت التسليم لأعوام دون مبرر. أما المواطن، فسيجد أن التنظيم هو ضمانته الأولى، لأن العقار في مصر لم يعد سلعة فقط، بل وحدة من أمنه القومي.

في الختام…

ما يحدث الآن ليس مجرد تقنين، بل استرداد للسيادة على الجغرافيا. لقد قررت الدولة أن كل متر أرض هو رصيد سيادي، وأن الاستثمار العقاري لا يمكن أن يستمر رهينة التلاعب والضبابية.

إنه زلزال تنظيمي ربما تُظهر توابعه المزيد من التشققات في جسد السوق، لكنه بلا شك سيعيد بناء الثقة على أسس جديدة، تستحقها مصر وتليق بمستقبلها.

يذكر أن د. سالي صلاح هي خبيرة الاقتصاد العقاري وباحثة في سياسات العمران المستدام

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إبراهيم عادل: لم أتردد بقبول عرض الجزيرة وهدفى فى باراجواى الأفضل بمسيرتي
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية