أثارت قضية طالب طب عشريني يحمل الجنسيتين التونسية والمغربية، ويدعى محمد جهاد المجدوب، موجة واسعة من الجدل في الأوساط الحقوقية بتونس، بعد الحكم عليه ابتدائيا بعشر سنوات سجنا نافذا وخمس سنوات تحت المراقبة الإدارية، في ماي الماضي، بتهم ذات علاقة بقانون الإرهاب في تونس، تتعلق بالعزم المقترن بعمل تحضيري على قتل أشخاص والانضمام إلى تنظيم إرهابي، في محاكمة اعتبرها عدد من النشطاء والمحامين أنها تفتقر إلى أبسط ضمانات المحاكمة العادلة وغياب القرائن والأدلة الكافية التي تثبت هذه التهم المنسوبة إليه.
وحسب المعلومات التي استقتها جريدة هسبريس الإلكترونية من مصادر مطلعة على الملف، فإن الشخص المعني، الذي كان يدرس في كلية الطب بصفاقس، كان في رحلة استجمام إلى ولاية القصرين في شتنبر من العام 2023؛ غير أنه لم يجد وسيلة نقل للعودة إلى الشقة التي كان يكتريها بصفاقس، ما اضطره إلى البقاء والنوم في مقهى بالقصرين بالقرب من مركز للشرطة.
وأفادت المصادر ذاتها بأن عناصر من الشرطة أوقفت المواطن التونسي المغربي الذي كان باديا على أنه ليس من أبناء المنطقة، وفتشت حقيبته التي عثر فيها على قميص للصلاة ونسخة صغيرة من المصحف، قبل أن يتم اقتياده إلى مخفر الشرطة واستنطاقه حول سر وجوده في القصرين، حيث تم منعه من التواصل مع عائلته وإخضاعه للضرب بعد رفضه التوقيع على محاضر الشرطة التي تؤكد تورطه في أنشطة إرهابية، قبل أن يتم إجباره على ذلك ليحال إلى القضاء الذي أصدر حكما مشددا في حقه.
“تجاوزات”
في هذا الصدد، قال المحامي والناشط الحقوقي التونسي، المطلع على تفاصيل هذا الملف، في تصريحات إعلامية، إن “المعني بالأمر ذهب في عطلة للقصرين ولم يكن في أية منطقة حدودية أو مشبوهة، واضطر إلى المكوث في أحد المقاهي بعد انقطاع وسائل النقل العمومي، بالقرب من مخفر للشرطة باعتباره المكان الأكثر أمانا للمكوث فيه حتى الصباح، قبل أن تتم مداهمته من طرف عناصر الأمن التي فتشته دون إذن قانوني”.
وأضاف المحامي ذاته أن “المواطن الموقوف لم يرتكب أية جريمة، وكان يحمل أغراضا شخصية عادية؛ منها قميص للصلاة، استُعمل ضده كقرينة لإثبات النشاط الإرهابي المزعوم، حيث تم التحقيق معه وتعنيفه داخل مركز الشرطة. كما تم تفتيش المنزل الذي كان يكتريه بصفاقس، وتمت مصادرة قنيص (جيلي) يستعمله في ممارسة الرياضة التي كان شغوفا بها؛ وهو ما اعتبر هو الآخر قرينة في هذه القضية ويُستعمل لأغراض قتالية”.
وتابع بأن “الشرطة قامت بتفتيش هاتفه الذي لم يعثر فيه على أي شيء يثبت هذه المزاعم قبل أن تتم مواجهته بسر سفره إلى الخارج مرات عديدة، حيث أكد للمحققين أنه شغوف بالسفر وقد سيق أن زار المغرب وفرنسا وليبيا”، مؤكدا أن “القضاء نفسه بنى على هذه القرائن وعلى وجوده في القصرين، وكأن زيارة الأخيرة يعتبر جريمة أو أنها بؤرة من بؤر الإرهاب في تونس من أجل إصدار حكم بالسجن لمدة عشر سنوات في حقه”، على الرغم من غياب دلائل وقرائن ملموسة تثبت أي فعل جرمي.
محاكمة عادلة
نقلت منظمة “Intersection Association for Rights and Freedoms” عن والد الموقوف أن توقيفه كان بناء على مظهره الخارجي خاصة لحيته غير الحليقة، مشيرا إلى أن عناصر الأمن التونسي قاموا بافتكاك الهاتف من يديه بالقوة وتفحص محتواه، مؤكدا أنهم قاموا بتثبيت تطبيق “تلغرام” للاطلاع على ما يمكن أن يكون محفوظا به.
وحسب المنظمة الحقوقية ذاتها، فقد تم “إعلام فرقة مكافحة الإرهاب بالأمر، ونُقل ضحية الانتهاك إلى تونس العاصمة لمواصلة التحقيق معه، في ظروف لا ترتقي إلى الحد الأدنى من المعايير القانونية، حيث تعرّض للتعنيف والترهيب للضغط عليه، علما أنه لم يتم إعلام عائلته أو التواصل معها لمدة أربعة أيام”.
وأكدت محامية المعني بالأمر أنه “تمت مداهمة منزل محمد جهاد في مدينة صفاقس، حيث تم العثور على سترة مرجحة، وهي سترة مزودة بأوزان تُستخدم لزيادة صعوبة التمارين الرياضية وتحسين اللياقة البدنية. كما أنها تُباع في المحلات الرياضية المنتشرة في تونس، إلا أنه تم اعتبارها سترة واقية من الرصاص، واعتُبر أن ضحية الانتهاك بصدد استعمالها لأغراض غير رياضية، في تأويل تعسفي ودون أي دليل ملموس”.
وأشارت المنظمة ذاتها إلى أنه “بعد مرور ستة أشهر على إيقافه، صدر تقرير رسمي يؤكد أن ذلك اللباس مخصص لممارسة الرياضة ولا يحمل أي طابع عسكري”، مضيفة أن المعني بالأمر تم “الحكم عليه ابتدائيا بـ5 سنوات سجن، من أجل العزم على والانضمام عمدا، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية وخارجها، إلى تنظيم إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية. كما حُكم عليه بـ5 سنوات إضافية من أجل العزم المقترن بعمل تحضيري على قتل شخص، وإحداث جروح وضرب، وغير ذلك من أنواع العنف والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة وبالموارد الحيوية والبنية الأساسية والمرافق العمومية، بالإضافة إلى 5 سنوات من المراقبة الإدارية”.
وشددت منظمة “Intersection Association for Rights and Freedoms” على أن “قضية الطالب محمد جهاد المجدوب تحمل في طياتها عددا من انتهاكات حقوق الإنسان؛ أبرزها حق جهاد في محاكمة عادلة، وفي تمتعه بقرينة البراءة، وحمايته من التمييز بناء على المظهر”.
وسجلت أن “إيقافه تم دون مبرر قانوني واضح أو إذن قضائي، وفي ظروف تفتقر إلى الشفافية والشرعية، حيث إن إيقافه كان بناء على مظهره الخارجي فقط، إضافة إلى معاملته التي كان فيها جانب من التمييز؛ وهو ما يتعارض مع المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تحظر جميع أشكال التمييز، فضلا عن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تنص في المادة الخامسة منها على المساواة أمام القانون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
وأشارت أيضا إلى أن “عملية الإيقاف تم دون إعلامه بسبب إيقافه أو بوضعيته القانونية؛ ما يخالف المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على وجوب إعلام الشخص بأسباب توقيفه والتهم الموجهة إليه، إضافة إلى أن مداهمة منزله يشكّل اعتداء على الخصوصية، علاوة على انتزاع هاتفه بالقوة وتفحص محتواه دون إذن قانوني، وتثبيت تطبيق “تلغرام” عليه؛ ما يخرق المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، مؤكدة أن الحكم الصادر في حقه يطرح تساؤلات جدية حول غياب ضمانات المحاكمة العادلة ومدى تناسب هذه العقوبة مع الفعل الذي قام به ضحية الانتهاك.
تضامن شعبي
أطلقت مجموعة من النشطاء الحقوقيين والمدافعين عن الحقوق والحريات حملة تضامنية مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإطلاق الطالب التونسي المغربي، الذين رفضوا التمييز المبني على المظهر الخارجي، داعين إلى احترام حقوق الإنسان وضمانات المحاكمة العادلة.
وقال أحد المعلقين التونسيين: “فضيحة دولة بامتياز. 10 سنوات!!! لماذا مشارك في أحداث باردو.. الذي سيقوم بعمليات إرهابية يقعد في القهوة ليلة كاملة؟ ظلم كبير، ولينا نشعر به، إلى متى؟”؛ فيما قال آخر: “لو كانت الدولة تحترم روحها، يطلق سراحه ويوضع القاضي والمحقق في السجن بنفس المدة التي حكموا عليه بها”.