أثارت زيارة جاكوب زوما، الرئيس جنوب إفريقيا السابق رئيس حزب “رمح الأمة”، إلى المملكة المغربية ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية بجنوب إفريقيا، بعدما ظهر في لقاءات رسمية بالرباط إلى جانب العلم المغربي وراية بلاده؛ الشيء الذي اعتبر مؤشرا على انفتاح بعض التيارات السياسية الجنوب إفريقية على الدينامية الجديدة التي تشهدها العلاقات المغربية-الإفريقية.
وحملت زيارة زوما إلى عدد من المؤسسات الوطنية بالمملكة أبعادا رمزية، بالنظر إلى مواقفه السابقة من قضية الصحراء المغربية؛ وهو ما دفع عددا من الفاعلين السياسيين في جنوب إفريقيا إلى التعليق على هذا التحول، واعتباره جزءا من مسار جديد يعيد رسم خارطة التفاعلات الإقليمية داخل القارة، ويعكس توجها متقدما نحو الانفتاح على الشراكات الاستراتيجية مع الرباط.
ومن بين أبرز ردود الفعل على هذه الزيارة، أصدر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم بيانا عبّر فيه عن تحفظه على الخطوة، منتقدا ما وصفه بـ”استخدام غير ملائم للعلم الوطني في أنشطة لا تعكس الموقف الرسمي للدولة”، كما دعا الحزب وزارة العلاقات الدولية والتعاون إلى “اتخاذ ما يلزم من خطوات دبلوماسية”، مع تجديد موقفه التقليدي بشأن قضية الصحراء.
في هذا الصدد، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، إن الزيارة التي قام بها جاكوب زوما، زعيم حزب “رمح الأمة”، إلى المملكة المغربية وإعلان دعمه لموقف الرباط بشأن قضية الصحراء شكلت منعطفا جديدا، خاصة بعد وصفه لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة سنة 2007 بأنه مشروع شجاع وجدي وقابل لتسوية نزاع استمر زهاء خمسة عقود.
ولفت الكاين الانتباه، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “الأمم المتحدة خلصت بدورها إلى استحالة إجراء الاستفتاء نتيجة رفض البوليساريو والجزائر الانخراط في المساعي الأممية لتنزيل مهام المينورسو، فضلا عن محاولاتهما المتكررة لإغراق اللوائح الانتخابية بأشخاص غير منتمين للإقليم”.
وأضاف رئيس منظمة “أفريكا ووتش” أن موقف حزب “رمح الأمة” لم يكن موقفا ظرفيا أو مجاملة سياسية؛ بل جاء مؤطرا داخل وثيقة مرجعية بعنوان: “جنوب إفريقيا والمغرب.. شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتحرر الاقتصادي والسلامة الإقليمية”.
وفي هذا الصدد، أشار المتحدث عينه إلى أن “الحزب استعرض في هذه الورقة معالم تعاون ثنائي قائم على مبادئ السيادة والوحدة الإفريقية والاحترام المتبادل”، مؤكدا أنه “لا يجد مبررا لوصف زوما أو حزبه بالخيانة أو التقليل من وزن المبادرة التي أطلقها”.
واستغرب الكاين، من موقعه كفاعل مدني، ما وصفه بازدواجية المعايير لدى حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي، متسائلا عن صمته حيال مواقف دولية وداخلية أكثر حدة، كاستجواب الرئيس رامافوزا في وسائل الإعلام بطريقة تحقيرية، في مقابل اعتباره استقبال رئيس سابق للبلاد من لدن دولة شريكة تهديدا للسيادة الوطنية. كما تساءل أيضا عن موقف الحزب من السياسات الاقتصادية الجديدة لبعض الشركاء الدوليين، التي لم يُعلق عليها، حتى ولو بتدوينة بسيطة على شبكات التواصل.
ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أن استخدام العلم الوطني الجنوب إفريقي في أنشطة سياسية يخضع للإشعار الحكومي رقم 510 الصادر بتاريخ 8 يونيو 2001، والذي ينص على احترام العلم ومنع إساءة استعماله، دون أن يتضمن أي مقتضى يمنع الأحزاب من استخدامه في أشغالها الداخلية أو الخارجية.
وأوضح أن “زوما بصفته رئيسا سابقا وزعيما لحزب وطني من حقه التعبير عن مواقف حزبه في القضايا الإقليمية، بما فيها نزاع الصحراء الذي لطالما كانت فيه جنوب إفريقيا منحازة للطرف الانفصالي”.
وتوقف الكاين عند طبيعة البيان الصادر عن حزب المؤتمر الوطني، مشككا في حدود الفصل بين مؤسسات الدولة والحزب الحاكم، متسائلا إن كان الموقف المعبر عنه حزبيا يعكس فعلا السياسة الخارجية الرسمية، في ظل غياب أي تعليق من طرف رئاسة الجمهورية أو وزارة الشؤون الخارجية، مشيرا إلى أن” البيان دعا صراحة إلى تحريض الخارجية الجنوب إفريقية على اتخاذ موقف متشدد تجاه استقبال المغرب للرئيس زوما”.
وسجل الكاين بأسف ما ورد في البيان من توصيف للزيارة بأنها تُقوض مكانة جنوب إفريقيا دوليا، موردا أن هذا الخطاب يُغفل الدعم التاريخي الذي قدمه المغرب لشعب جنوب إفريقيا في فترة الكفاح ضد نظام الفصل العنصري، حين كانت الجزائر نفسها لا تزال مستعمرة فرنسية، قبل أن يذكر بخطاب نيلسون مانديلا حول العلاقات المغربية الجنوب إفريقية، والدعم الذي قدمته الرباط لقيادة المؤتمر الوطني الديمقراطي خلال مرحلة الكفاح المسلح.
وأبرز رئيس منظمة “أفريكا ووتش” أن الدفاع عن القضايا العادلة لا يمكن أن يستقيم دون الاعتراف العلني بجهود المغرب في دعم حركات التحرر، وعلى رأسها جنوب إفريقيا، سواء عبر التمويل أو التسليح، في مرحلة كان فيها مجرد ذكر اسم مانديلا كافيا لتعرض الدول للعقوبات.
وأضاف المصرح عينه أن “المواقف الأخلاقية تتطلب من الجنوب إفريقيين اليوم الاعتراف بهذا التاريخ بدلا من تجاهله”.
وأنهى الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن التمسك بمبادئ التضامن الأممي والقومية الإفريقية يجب أن يتأسس على فهم واضح للفروق بين تجربة جنوب إفريقيا في مقاومة نظام استعماري عنصري، ومسار استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية الذي يخوضه المغرب منذ عقود ضد محاولات التجزئة التي قادتها قوى استعمارية متعددة.
من جانبها، سجلت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن بيان حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي في جنوب إفريقيا أثار العديد من الإشكالات، خاصة ما تعلق بمطالبته الحكومة المغربية بتقديم تفسير واعتذار على خلفية استقبال الرئيس السابق جاكوب زوما، وكذا دعوته شعب جنوب إفريقيا إلى رفض الزيارة واعتبارها تهديدا لسيادة البلاد ووحدتها الديمقراطية.
وأكدت لغزال، ضمن إفادة لهسبريس، أن هذا الموقف ينطوي على تناقض واضح، إذ في الوقت الذي يعارض فيه الحزب المساس بسيادة بلاده لا يتردد في استقبال ممثلي جبهة البوليساريو وتقديم الدعم لهم للنيل من وحدة المغرب الترابية وتقويض سيادته.
وأبرزت منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن هذه الهجمة الحادة تدخل ضمن سياق تصفية حسابات داخلية، تستهدف جاكوب زوما، أحد الرموز التاريخية في حزب المؤتمر الوطني، عبر محاولات التقليل من رصيده النضالي والسياسي.
واعتبرت المتحدثة أن “رد فعل فيكيلي مبالولا، الأمين العام للحزب، لم يكن مجرد تعبير عن خلاف سياسي؛ بل تجسيد لحقد قديم ترسب خلال قيادة زوما للحزب والدولة، قبل أن يغادر مركبا يعاني من الانقسامات والتراجع”.
كما أوضحت أن إفراط البيان في الحديث عن قضايا الاستعمار وتقرير المصير يعيد اجترار خطاب مألوف في الأدبيات الجزائرية، الغرض منه تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية وتعبئة الرأي العام حول قضايا خارجية لا تعنيه بشكل مباشر، بل تُستعمل كأدوات سياسية لإطالة أمد النزاع.
وأكدت لغزال أن السياق الذي برر به الشعب الجنوب إفريقي مطلب تقرير المصير كان يرتبط فعليا بوضع استعماري قائم على التمييز العنصري الوحشي؛ وهو ما دفع المغرب حينها إلى تقديم الدعم المبدئي لنضالاته السياسية والحقوقية حتى بسط سيادته الكاملة؛ غير أن هذا السياق لا ينطبق، حسبها، على قضية الصحراء المغربية، باعتبارها نزاعا مختلفا تماما من حيث المعايير والوقائع التاريخية.
واسترسلت قائلة: “إن مبدأ تقرير المصير، كما حدده القانون الدولي، ينطبق على الشعوب التي تشكل كيانات إقليمية متجانسة، وليس على جماعات إثنية أو قبلية. ولذلك، فإن المقاربة المغربية القائمة على الحكم الذاتي تُمثل اليوم حلا واقعيا وعمليا يضمن تدبير الشؤون المحلية من طرف ساكنة الإقليم في إطار السيادة الوطنية، ويقطع الطريق أمام أية محاولات لتقسيم الدول أو تهديد وحدة ترابها.
وشددت المدافعة عن حقوق الإنسان على أن تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية يلتزم بمرجعية القانون الدولي ومقاصده، ويدعو إلى قراءة النزاعات في سياقاتها الواقعية بعيدا عن التوظيف السياسي، مبرزة أن “السلامة الإقليمية للدول لا تتحقق إلا من خلال منع التدخلات الأجنبية، سواء من دول أو من كيانات غير حكومية؛ وهو ما ينطبق تماما على حالة الصحراء المغربية، في ظل استمرار محاولات الجزائر وجنوب إفريقيا عرقلة جهود التسوية التي تقودها الأمم المتحدة”.
وفي هذا السياق، لفتت مينة لغزال إلى أن زيارة جاكوب زوما لم تُواجه فقط بانتقاد حزب المؤتمر الوطني؛ بل تعرضت أيضا لهجوم من قبل جوليوس ماليما، زعيم حزب “مقاتلو الحرية الاقتصادية”، الذي اتهم زوما ببيع مواقف بلاده بشأن قضية الصحراء، مشيرة إلى أن “هذه التصريحات لا يمكن فصلها عن الصراع الشخصي بين الطرفين، الذي بدأ منذ طرد ماليما من رئاسة رابطة شباب حزب المؤتمر سنة 2012، ثم تأسيسه حزبا جديدا كان من أشد داعمي زوما، قبل أن تنقلب العلاقة إلى خصومة علنية بسبب مواقف مثيرة للجدل، انتهت بإقصائه من الحزب الأم”.