في سابقة هي الأولى من نوعها، نظم المهرجان القومي للمسرح المصري ندوة فكرية حملت عنوان "وصلة" للصلة بين الأجيال، ضمن برنامج المحور الفكري المصاحب للدورة الثامنة عشرة من المهرجان، حيث شهدت الندوة استضافة كل من المخرج المسرحي طارق الدويري والمخرج محمد عادل النجار، في جلسة حوارية أدارتها الكاتب والباحث عماد علواني، وتناولت تجاربهما المسرحية المتفردة، وكيفية تشكّل الوعي الجمالي لديهما، وموقع تجربتهما وسط التحولات التي يشهدها المسرح المعاصر
طارق الدويري: كل تجربة إخراجية يحرّكها هاجس.. والمسرح الجاد يحقق الأثر
استهل المخرج طارق الدويري حديثه بالعودة إلى بداياته، حيث قال: كانت أول تجربة إخراجية لي في مسرح الجامعة وكنت في العام الثاني، وقدمت مسرحية ليلة القتلة، وفي ذلك الوقت، كانت التساؤلات هي المحرك الأساسي وراء خوض تجربة الإخراج، وكل عرض هو مغامرة جديدة، ولا يوجد أسلوب إخراجي مسبق أو جاهز، بل يوجد دائمًا هاجس أو فكرة تدفع المخرج لخوض مغامرة فنية بكل ما تحمله من قلق وتحضيرات
وأكد أن كثيرًا من تجاربه الإخراجية سبقتها فترات تحضير طويلة، وأن المسرح الحقيقي لا ينفصل عن الحياة، ولا يخلو من التفاعل مع الواقع السياسي والاجتماعي
وأضاف: كل ما نعيشه أو نحس به حولنا له علاقة بالسياسة بشكل أو بآخر. ولا يوجد شيء اسمه الجمهور عاوز كده، فهذه مقولة خاطئة. المسرح دون طاقة فكرية وروحية يصبح بلا أثر، وكل عمل صادق يقدَّم بعمق يكون له تأثيره الحقيقي على الجمهور."


محمد عادل النجار: من التلقي إلى صناعة التجربة.. والشغف هو المحرك
من جانبه، تحدث المخرج الشاب محمد عادل النجار عن بداياته، والتي وصفها بأنها لم تكن سهلة، خاصة في ما يتعلق بتكوين لغة مسرحية تتناول قضايا شائكة مثل العلاقة بين الرجل والمرأة، مشيرًا إلى أنه حاول استكشاف هذه العلاقة في عرض المطبخ، وأن الدوافع الأولى كانت محاولة لـ كسر القيود والتعبير عن الأفكار التي يؤمن بها.
وقال: كل تجربة إخراجية أو نص مسرحي تُبنى في الأصل على تساؤلات داخلية، وقد تكون تساؤلات سياسية، إنسانية، اجتماعية، أو حتى جمالية، لكنها تظل هي المحرك وراء كل مشروع فني.
وأشار إلى نقطة مفصلية في وعيه المسرحي، حينما شاهد لأول مرة عرضًا من إخراج طارق الدويري، قائلًا: فوجئت بعدد الجمهور الكبير، رغم أنني وقتها لم أفهم العرض جيدًا، وشعرت بالحيرة، لكن هذه الحيرة قادتني لاحقًا لمحاولة فهم تجربة الدويري، ومحاولة فك مفرداتها الجمالية والفكرية، وهنا بدأت أعي أن لكل عرض تجربة تلقٍ مستقلة، وأن المخرج لا ينبغي أن يفرض على الجمهور طريقة فهم معينة."


ختام: وصلة لا تنقطع بين جيلين يصنعان المعنى
شكّلت ندوة "وصلة " لحظة فكرية وإنسانية لافتة داخل فعاليات المهرجان، حيث لم تكن فقط فرصة لاستعراض تجارب فردية، بل كانت بمثابة جسر حي بين جيلين، أحدهما رسّخ حضوره، والآخر يشق طريقه بأسئلته الجديدة وشغفه الصادق.
أثبتت الندوة أن الصلات الحية بين الأجيال لا تصنعها الخطب، بل الحوار والتجربة والانصات المتبادل، وأن المسرح – بوصفه فن اللحظة – يحتاج إلى هذا الامتداد المتصل، ليحيا ويتجدد باستمرار.