بين دفء الاستقبالات الرسمية وتعقيد الحسابات الجيوسياسية في المنطقة، حطّ رئيس زيمبابوي، إيمرسون منانغاغوا، الرحال، السبت الماضي بالجزائر، للتوقيع على وحدة مواقف البلدين في دعم المشروع الانفصالي في الصحراء المغربية، في محاولة لإنعاش تحالفات تقليدية وإيديولوجية بدأت تتآكل تحت وقع المتغيرات الإقليمية والدولية، حيث أكد رئيسا البلدين دعمهما الثابت للانفصاليين في تندوف.
ويسارع النظام الجزائري الخطى من أجل احتواء توسع دائرة الدول، التي تدعم السيادة المغربية على الصحراء في القارة الإفريقية، باحثًا في دفاتر ماضيه عن بعض الحلفاء، على قلتهم، الذين ما زالوا يشاطرونه الرأي في قضية لم تعد تحظى بالإجماع الذي كانت عليه داخل الساحة القارية، مما يعكس، وفق عدد من القراءات، ارتباكًا دبلوماسيًا واضحًا ومحاولة يائسة لخلق رمزية سياسية بائدة في مشهد إقليمي ودولي أصبح أكثر ميلًا للحلول العملية وللدينامية التي تقودها الرباط داخل القارة.
غياب الأجندة
قال شوقي بنزهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “النظام الجزائري فقد كل أوراقه السياسية والدبلوماسية التي استعملها طيلة عقود في إدارة النزاع الإقليمي مع المغرب حول ملف الصحراء”، مبرزًا أن “زيارة رئيس زيمبابوي للجزائر كانت بدون أجندة، وكان هدفها الأساسي هو إبراز تطابق وجهات النظر حول هذا الملف”.
وأضاف بنزهرة، في تصريح لهسبريس، أن “وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في الجزائر ركزت على هذه النقطة وكأنها الحدث الأوحد في هذه الزيارة”، مبرزا أن “النظام الجزائري لم يعد يجد من يتحادث معه حول ملف الصحراء، وأصبح يلجأ إلى دول غير مؤثرة في القرار الإفريقي أو تعاني من أزمات اقتصادية خانقة من أجل شراء مواقفها”.
وأشار الناشط السياسي الجزائري المعارض إلى التصريح الذي أدلى به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون معترفا بجمهورية الوهم في تندوف، مضيفا أن “النظام يزور الحقائق والمواقف السياسية للدول، متجاهلًا العديد من الدول الإفريقية التي سحبت اعترافها بالبوليساريو، في محاولة لخلق عالم وواقع موازٍ لتضليل الرأي العام الداخلي والتغطية على الانتكاسات الخارجية”.
فشل مزمن
أوضح لحسن أقرطيط، أستاذ جامعي وباحث في العلاقات الدولية، أن “النظام الجزائري يحاول بشتى الطرق الحفاظ على مواقف بعض الدول التي ما زالت محسوبة على الطرح الانفصالي وتدعمه سياسيًا ودبلوماسيًا”، مضيفًا أن “النظام العسكري في الجزائر يعيش على وقع فشل استراتيجي مستمر، خاصة بعد توالي سقوط عدد من القلاع الحصينة للمشروع الانفصالي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية”.
وتابع قائلا: “الجزائر منذ نشأتها استثمرت بشكل كبير في دعم هذا الطرح وفي تسويقه داخليًا، وفي كثير من الأحيان توظيفه وتوظيف نظرية العدو الخارجي من أجل تمتين الجبهة الداخلية والتضييق على الحريات الفردية، وبالتالي فإن الاختراقات الدبلوماسية المغربية في ملف الوحدة الترابية، التي عززت موقف المغرب وعززت أيضًا موقعه الإقليمي والدولي والقاري تجاه عدد من الشركاء الدوليين، ستكون لها حتمًا انعكاسات على الجبهة الداخلية في الجزائر”.
وخلص أقرطيط إلى أن “فشل الاستثمار السياسي والمالي الجزائري في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية هو فشل استراتيجي بكل المقاييس، جعل الجزائر في عزلة إقليمية خانقة، خاصة مع توالي الأزمات مع كل دول الجوار، وهو ما سيشكل ضغطًا سياسيًا كبيرًا على المستوى الداخلي، وستكون له ارتدادات قد تزحزح أركان النظام في هذا البلد”.