أخبار عاجلة
تداولات بورصة البيضاء بداية الأسبوع -
إسرائيل تنفذ ضربات ضد "الحوثيين" -
بيرو: "الأحرار" يقدرون المرأة -

"العكر على الخنونة" .. هل تتحول مدينة مراكش إلى "قرية كبيرة"؟

"العكر على الخنونة" .. هل تتحول مدينة مراكش إلى "قرية كبيرة"؟
"العكر على الخنونة" .. هل تتحول مدينة مراكش إلى "قرية كبيرة"؟

تعيش مدينة مراكش، منذ حوالي عشر سنوات، مفارقة عمرانية صارخة: يتم تسويقها كواجهة للسياحة المغربية ومركز جاذب للاستثمار العقاري، لكنها في الواقع تتراجع تدريجيًا نحو صورة “قرية كبيرة”، حيث تتجاور الفنادق المصنفة والإقامات الفاخرة مع أحياء إسمنتية ودواوير تفتقر إلى أبسط شروط العيش الحضري.

طرقات متآكلة، حدائق جرداء ومهملة، فضاءات عامة غير مهيأة، شبكة نقل متقادمة، وغياب شبه كلي للمسابح العمومية، إلى جانب مراكز تجارية متواضعة لا تختلف كثيرًا عن القيساريات التقليدية.

في المقابل، تتوسع رقعة المقاهي، ومحلات التدليك، ومطاعم الشواء، وتنتشر جحافل المتسولين والمشردين في مختلف مفاصل المدينة، ما يعكس اختلالًا بنيويًا في تدبير الفضاء العام.

في السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة المشاريع السياحية والفندقية في الضواحي، مقابل تباطؤ واضح في خلق فضاءات عمومية منظمة داخل النسيج السكني.

مشهد متكرر لأسرٍ تبحث عن متنفس في رقع عشبية عشوائية أو مساحات إسمنتية، وسط غياب حدائق مهيأة أو ملاهٍ حقيقية للأطفال.

أما المدينة، التي تعاني جفافًا مزمنًا منذ أكثر من ست سنوات، فسرعان ما تغرق أحياؤها بمجرد تساقط الأمطار لبضع دقائق، في مشهد يكشف هشاشة البنية التحتية وغياب أنظمة صرف فعالة.

بخلاف ما تحقق في الرباط وطنجة، حيث شهدت المدينتان قفزات نوعية في تأهيل الفضاء العمومي وربط الأحياء بشبكات من البنيات الثقافية والاجتماعية، لا تزال مراكش تتحرك خارج منطق التخطيط الحضري المندمج. فبقيت على هامش هذا التحول، وكأنها فضاء تسويقي للسياحة، لا مدينة متوازنة تراعي التزاماتها تجاه ساكنتها.

هذا الخلل يتعمق في الأحياء السكنية التي تنمو بسرعة دون أن تواكبها تجهيزات حقيقية. الأراضي التي كان من الممكن تخصيصها للمرافق العمومية، تُوجَّه في الغالب إلى مشاريع عقارية مغلقة، ما يعكس خللًا في ترتيب الأولويات، ويعيد إنتاج التفاوتات المجالية بشكل متكرر.

أما ما يُقدَّم كإصلاحات، فلا يتجاوز غالبًا تدخلات تجميلية: ترقيع الحفر، تبليط الأرصفة بشكل متفرق، غرس أعشاب موسمية، أو صباغة واجهات تحضيرًا لتظاهرات أو زيارات رسمية.

ما يجري يُعيد إنتاج ما يختزله المغاربة في مثلهم الشائع: “العكر على الخنونة”، حيث يُغطّى الخلل العميق بمساحيق مؤقتة لا تعالج أصل المشكلة.

المدينة نفسها، التي ازدهرت مؤقتًا خلال احتضانها لمؤتمر المناخ “كوب 22” عام 2016، تتحول تدريجيًا إلى فضاء متدهور، تُهمَّش فيه البيئة، وتنتشر فيه النفايات، وكأن لحظة “كوب 22” كانت استثناءً عابرًا لا أكثر.

في العمق، تتحكم المضاربات العقارية في منطق توسّع المدينة. تُصمَّم المشاريع لغرض التسويق، لا لتلبية حاجة السكن الكريم، وتُستغل الأراضي إلى أقصى مدى على حساب الأبعاد الاجتماعية والبيئية، في ظل غياب رقابة فعالة وتدبير محلي يفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة.

ومع اقتراب استحقاقات دولية كبرى، مثل كأس إفريقيا للأمم 2025 ومونديال 2030، يطرح الواقع سؤالًا مشروعًا: هل المدينة، بوضعها الحالي، مؤهلة فعلًا لتمثيل المغرب حضاريًا؟ المعايير الدولية لم تعد تُقاس بعدد الفنادق أو فخامة الإقامات السكنية، بل بمدى عدالة توزيع الفضاء العمومي، وتوفر المرافق، وجودة الحياة لجميع الفئات.

المدينة التي تحركت لعقود وفق منطق التجميل الظرفي والعرض الخارجي، تحتاج اليوم إلى رجة حضرية شاملة، تعيد ترتيب الأولويات لصالح سكانها، وتحوّل مقاربة التهيئة من منطق الواجهة إلى منطق العدالة الحضرية والتنمية المتوازنة.

فمراكش، بكل ما تحمله من رمزية تاريخية وثقل حضاري، لا يمكن أن تبقى حبيسة تناقضاتها: مدينة فخمة في الواجهة… ومهمَلة في العمق.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تحرك جديد من الزمالك بشأن أحمد فتوح.. مصير اللاعب
التالى شاب يصارع الموت بعد طعنة غادرة في بورسعيد.. والأمن يضبط المتهم قبل فراره