
القبلية في النسيج العربي
هي قديمة، كما وردت لدى الشعراء والقصاصين والنسابين، وحتى الفصحى يمكن اعتبارها من الوجهة السوسيولوجية؛ حاملة وشاهدة على اختلاف الألسن التي تداولتها القبائل العربية، فما نطلق عليه مرادفات الكلمة، لا تعدو؛ في أصولها؛ تباينا لمعانيها من قبيلة إلى أخرى، فكلمة “غادر” -على سبيل المثال- جاءت بمعنى الانتقال والترحال لدى قبائل قريش وتميم وغطفان…، كما جاءت بمعنى سار لدى قبائل أخرى، ويعني هذا أن جذور “القبيلة” متأصلة في النسيج العربي، كما يشهد الواقع السياسي الحديث على أن هناك أنظمة سياسية عربية ذات أصول قبلية، كما في دول الخليج والشام.
أما الطائفية؛ من المنظور السياسي؛ فهي مجموعة قبائل ذات ولاء مشترك؛ سارعت إلى ترسيخ جذورها تلك النزاعات، وأحيانا الصراعات على السلطة، وهي الأكثر شيوعا في النسيج السياسي العربي الحاكم، كالعراق الذي يضم نسيجا سياسيا يمزج بين الشيعي والسني والكردي، بخلاف لبنان الذي يتقاسم نسيجه السياسي المحاصصة الطائفية في المناصب الحكومية والبرلمانية، بناء على ما هو شيعي وسني ودرزي، أما في سوريا فتكاد طائفيته تنحصر بين السنة والعلويين والدروز، هذا فضلا عن الطائفية التي يكاد الحوثي يستأثر بها في اليمن..
المغرب ومحاولات لم “الشمل”
أمام هذه الرقعة الجغرافية العربية المتشرذمة، وفي ظل نزاعات وصراعات، كانت تغذيها؛ بين الحين والآخر؛ انقلابات عسكرية وطموحات توسعية، سعى المغرب؛ في عهد الحسن الثاني؛ إلى محاولات “لم الشمل” وترميم العلاقات البينية، من خلال عقد سلسلة من “المؤتمرات العربية”، رشح من بينها فكرة “الاتحاد المغاربي”، إلا أن “تحجر المواقف” من جهة، والضغوطات الأجنبية، من جهة أخرى كثيرا ما كانت تقف حجر عثرة أمام كل هذه المساعي وتبقي على مشهد التشرذم والتشظي السياسي العربي.
“الربيع العربي” وتأجيج الطائفية
أكدت الوقائع والأبحاث أن الأنظمة السياسية الهشة قابلة للاختراق والزعزعة، وهو ما أكدته أحداث “الربيع العربي” التي سارعت إلى تفكيك أوصال العديد من الأنظمة السياسية العربية الحاكمة، لتعقبها اضطرابات وفوضى عارمة، قادتها جماعات مسلحة متطرفة، تارة تحت راية “الدين” وأخرى تحت راية القبيلة والطائفة. وهكذا تحول المشهد الجغرافي العربي؛ خلال عقد من الزمن؛ إلى طوائف وشبه “دويلات”، كل ينادي بأحقيته في السلطة، بإيعاز وتدبير من قوى خارجية ذات أطماع إقليمية.
إسرائيل والنفوذ الإقليمي
أحداث حرب “غزة” من جهة، وإيران من جهة ثانية، كشفت؛ بالوقائع الميدانية أن مخططا استراتيجيا كان متبادلا بين إسرائيل وأمريكا، يقضي “بتغيير” جغرافية سياسة الشرق الأوسط، قام على ركائز ثابتة، منها تأجيج الطائفية وتوظيف الاستخبارات البشرية والتكنولوجية على أوسع نطاق، واستغلال هشاشة الأنظمة الحاكمة، أفضى؛ كما هو معلوم؛ إلى انهيار نظام الأسد والإجهاز على قدرات لبنان والعراق، وبروز فصائل ونعرات طائفية، كقوى بديلة، منها مثلا الدروز والشيعة والسنة والشبيحة… تناحر هذه الفصائل والطوائف؛ في عمقه؛ يخدم الأجندة السياسية الإسرائيلية، ويصب أخيرا في خندق تحقيق حلم قيام “إسرائيل الكبرى”..