في ظل تزايد أعداد السياح الأجانب الوافدين على دولة كازاخستان في آسيا الوسطى، برزت، في الآونة الأخيرة، ظاهرة مشينة استأثرت باهتمام وسائل الإعلام في هذا البلد، متمثلة في ظهور شبكة من المتسولين المحتالين الذين يستغلون حسن نية المواطنين المحليين لتحقيق مكاسب مالية بطرق احتيالية مبتكرة؛ من ضمنها الادعاء بأنهم مواطنون مغاربة عالقون في كازاخستان بعدما فقدوا أو سُرقت أموالهم، في محاولة لاستثارة تعاطف الناس، حسب ما كشف عنه تحقيق أنجزه موقع “كارافان” الكازاخي.
وحسب شهادات متعددة من سكان مدينة “ألماتي”، كبرى حواضر كازاخستان، التي نقلها المصدر سالف الذكر، فإن هؤلاء المتسولين المحتالين يظهرون بشكل متكرر في مناطق معروفة كشارع “تيميريازيفا” وطريق “ألفارابي”، وكذلك في مراكز التسوق الكبرى وأحياء الأعمال مثل “نورلي-تاو”، ويكررون القصة نفسها يوميا على المارة، مستخدمين لغة ملفقة أو لهجات أجنبية مزيفة، وغالبا ما يتحدثون الروسية بلكنة واضحة، رغم ادعائهم أصولا عربية، خاصة مغربية.
وكشف التحقيق أن هؤلاء المتسولين المحتالين يرفضون، في الكثير من الحالات، تقديم أية وثائق تثبت ادعاءاتهم ويميلون إلى طلب المال نقدا تحت ذرائع مختلفة؛ مثل دفع أجرة سيارة أجرة في اتجاه المطار، أو تسديد رسوم فندق، أو حتى تعبة رصيد هاتفهم المحمول.
وشدد المصدر عينه على أن العديد من هؤلاء المحتالين يظهرون بملامح غير متطابقة مع جنسياتهم المعلنة، كما أنهم يكررون الظهور في أماكن متعددة بالقصة والسردية نفسهما؛ مما يجعل الأمر واضحا، حسب التحقيق، على أنه يتعلق بشبكة منظَّمة تحترف التسول والاحتيال.
في سياق ذي صلة، أكد المصدر ذاته أن الأمر لا يقتصر فقط على المتسولين الذين يدّعون أنهم مغاربة؛ بل يشمل كذلك ادعاء الانتماء إلى دول أخرى، بما فيها الدول الأوروبية كالسويد وبريطانيا، مع استخدام قصص متشابهة تماما من قبيل ضياع البطاقة المصرفية أو التعرّض للسرقة، من أجل تحقيق الهدف نفسه، أي التأثير على العواطف لجني الأموال.
ودعا التحقيق عموم المواطنين الكازاخ إلى تجنب الوقوع في فخ هؤلاء المحتالين من خلال طلب وثائق تثبت هوية المتسولين المفترضين، واستخدام تطبيقات الترجمة للتحقق من اللغة، إلى جانب التأكد من صحة الحجوزات الفندقية ومراجعة مواعيد الرحلات على المواقع الرسمية للمطارات، قبل الإقدام على تقديم أي مساعدة.
وأكد موقع “كارافان”، الذي تناول هذا الموضوع، أن مثل هذه الخدع كانت شائعة في السابق؛ غير أن عدد الذين يستعملونها آخذ في التزايد مع ظهور نقاط مفضلة وحيوية لتجمع المتسولين، وفق ما أكده عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
ونقل الموقع سالف الذكر عن أحد المواطنين من “ألماتي” قوله: “اليوم، اقترب مني شاب عند شارع تيميريازيفا، وقال بلهجة متقطعة: أنا أجنبي، كيف أصل إلى المطار؟”. وتابع المواطن ذاته: “فكرت أنه تائه، وطلبت منه أن يسمح لي بمساعدته في طلب سيارة أجرة؛ غير أنه أجاب بأن بطاقته المصرفية مغلقة وطلب مني مساعدته. وهنا بدأ الشك يتسرب إلى نفسي قبل أن أسأله عن جنسيته، التي قال إنها مغربية، قبل أن يستمر في التلفظ بكلام غير مفهوم”.
وزاد المواطن الكازاخي ذاته: “اللغويات هي هوايتي القديمة، وفي المغرب يتحدثون العربية والأمازيغية؛ لكن ما يقوله هذا الشخص ليس أيا منهما، والأكثر من ذلك هو أن جميع الأصوات ينطقها بلكنة روسية واضحة، حتى إنه لم يبذل جهدا في التصنّع”، مضيفا أن “المعني بالأمر غادر غاضبا حينما فهم أنه لن يكسب مني شيئا”.
ونقل التحقيق ذاته شهادات حيّة لمواطنين آخرين تعرّضوا لمحاولات خداع مماثلة من قبل أشخاص يدّعون أنهم أجانب، وغالبا من المغرب، مؤكدين أن هؤلاء الأشخاص يظهرون بشكل متكرر في الأماكن نفسها، ويرددون القصة نفسها تقريبا مع كل ضحية محتملة. ومع تكرار المشهد، أدرك المواطنون أن الأمر لا يتعلق بحالة إنسانية فردية، بل بنمط مقلق وأسلوب احتيالي ممنهج يقوم به أشخاص يستغلون حسن نية الناس بأسلوب محبوك ومتقن.