اقرأ في هذا المقال
- صادرات النفط من روسيا وآسيا الوسطى تواجه القيود الأميركية وتقلبات السوق
- حصة الصين والهند الإجمالية من استهلاك النفط الخام الروسي تتراوح بين 70% و85%
- الصين تستقبل ما يُقدر بمليوني برميل نفط يوميًا عبر خطوط الأنابيب والطرق البحرية
- عدة عوامل تدفع سوق النفط العالمي إلى مرحلة جديدة من التشرذم والتسييس
تخضع صادرات النفط من روسيا وآسيا الوسطى لتهديد رسوم ترمب الجمركية الثانوية؛ ما يفرض ضغوطًا على الموازنات الحكومية.
حتى مايو /أيار 2025، ظلّت صادرات النفط من روسيا وآسيا الوسطى ركيزةً أساسيةً للاقتصاد الجيوسياسي لمنطقة أوراسيا، على الرغم من تصاعد العقوبات الغربية واضطرابات التجارة في زمن الحرب.
وبلغ إجمالي صادرات النفط الخام من روسيا وآسيا الوسطى 6.4 مليون برميل يوميًا في المتوسط، مسجلةً انخفاضًا شهريًا بنسبة 2.6% مقارنةً بشهر أبريل/نيسان الماضي (172 ألف برميل يوميًا).
ولا تزال هذه الصادرات تعكس زيادةً سنويةً بنسبة 2.5% (ما يعادل 155 ألف برميل يوميًا) مقارنةً بشهر مايو/أيار 2024، وفقًا لأحدث تقرير شهري لمنظمة أوبك.
البنية التحتية المرنة
تشير هذه الديناميكية التجارية الدقيقة إلى بنية تحتية مرنة، وإن كانت متوترة، للتصدير، تتكيف مع وطأة القيود الأميركية وتقلبات السوق.
في المقابل، يُظهر تحليل التدفقات أداءً إقليميًا متباينًا:
- انخفضت الصادرات عبر شبكة خطوط أنابيب ترانسنفط الروسية بمقدار 117 ألف برميل يوميًا (-3%) على أساس شهري، لتصل إلى 3.8 مليون برميل يوميًا، وهو مستوى أقل بقليل من مستوى مايو/أيار 2024.
- انخفضت صادرات مواني بحر البلطيق بمقدار 50 ألف برميل يوميًا (ناقص 3.5%) مقارنةً بشهر أبريل/نيسان الماضي، ليستقر عند أقل بقليل من 1.4 مليون برميل يوميًا.
ويعزى هذا الانخفاض بالكامل إلى انخفاض صادرات بريمورسك بمعدل 50 ألف برميل يوميًا إلى 815 ألف برميل يوميًا)، في حين استقرّت صادرات أوست-لوغا عند 581 ألف برميل يوميًا.
وبالمقارنة مع مايو/أيار 2024، انخفضت تدفقات بحر البلطيق بمقدار 143 ألف برميل يوميًا (ناقص 9%).
- انخفضت تدفقات البحر الأسود من ميناء نوفوروسيسك بشكل حاد بمقدار 52 ألف برميل يوميًا (ناقص 9%) لتصل إلى 498 ألف برميل يوميًا.
- شهد خط أنابيب دروجبا، الذي يُغذي أوروبا الوسطى والشرقية بشكل رئيس، انخفاضًا بنسبة 6% في مايو/أيار ليصل إلى 254 ألف برميل يوميًا، مع أن هذا الرقم ظل أعلى بنسبة 25% على أساس سنوي، بمعدل زيادة 51 ألف برميل يوميًا.
- ارتفعت صادرات خط أنابيب شرق وجنوب شرق آسيا (ESPO) إلى الصين بمقدار 11 ألف برميل يوميًا بنسبة زيادة 2% لتصل إلى 632 ألف برميل يوميًا، بزيادة قدرها 4% عن مايو /أيار 2024.
- انخفضت شحنات ميناء كوزمينو إلى آسيا بشكل طفيف بمقدار 10 آلاف برميل يوميًا لتصل إلى مليون برميل يوميًا، إلا أن هذا الحجم كان أعلى بنسبة 10% عن العام الماضي، بمعدل زيادة 93 ألف برميل يوميًا.
- ارتفعت صادرات محطة فاراندي (بحر بارنتس) بمقدار 23 ألف برميل يوميًا مقارنةً بشهر أبريل/نيسان الماضي لتصل إلى 83 ألف برميل يوميًا، مع أنها لا تزال منخفضة بنسبة 19% على أساس سنوي، بانخفاض 25 ألف برميل يوميًا.
- بلغ إجمالي صادرات النفط من آسيا الوسطى 227 ألف برميل يوميًا، بانخفاض 3.6% على أساس شهري، مع ارتفاع بنسبة 6% على أساس سنوي، بمعدل 13 ألف برميل يوميًا.
- انخفضت صادرات محطة تحالف خط أنابيب بحر قزوين (CPC) بشكل ملحوظ بمقدار 155 ألف برميل يوميًا بنسبة تراجع 9% لتصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، مع أنها ارتفعت بنسبة 13% على أساس سنوي، بمعدل زيادة 175 ألف برميل يوميًا.
- انخفضت تدفقات خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان (BTC) بنسبة 6% في مايو/أيار الماضي إلى 568 ألف برميل يوميًا، بانخفاض 4.5% عن مايو/أيار 2024 بمعدل تراجع 27 ألف برميل يوميًا.

التزايد في شحنات النفط الخام
في ظل التزايد بشحنات النفط الخام، ارتفعت صادرات المنتجات النفطية من روسيا وآسيا الوسطى بمقدار 54 ألف برميل يوميًا بنسبة زيادة 2% لتصل إلى 2.5 مليون برميل يوميًا في مايو/أيار الماضي.
وارتفع الرقم بنسبة 6% مقارنةً بمايو/أيار 2024 بما يعادل 146 ألف برميل يوميًا، مدفوعًا بشكل رئيس بزيادة صادرات زيت الوقود والبنزين والديزل الأحمر.
وتؤكد الأرقام المحور الجديد لإستراتيجية صادرات النفط من روسيا، التي ترتكز على إعادة توجيه التدفقات شرقًا، خصوصًا نحو الصين والهند، اللتين تتراوح حصتهما الإجمالية من استهلاك النفط الروسي بين 70% و85%، مع توجه 15% إلى 20% من صادرات المنتجات النفطية إلى هذه الأسواق.
مثلث النفط الإستراتيجي في آسيا: الصين، الهند، تركيا
لا تزال الصين أكبر مستهلك للنفط الروسي؛ إذ تستقبل ما يُقدر بمليوني برميل يوميًا عبر خطوط الأنابيب والطرق البحرية.
ويتيح خط أنابيب شرق آسيا والمحيط الهادئ "إسبو" (ESPO) وممر أتاسو-ألاشانكو التوصيل البري المباشر من حقول النفط الروسية والقازاخستانية.
ووفقًا لبيانات الجمارك الصينية، تُقدر قيمة هذه الكميات بنحو 130 مليون دولار يوميًا، ولا تزال الشركات العملاقة المملوكة للدولة، مثل "سي إن بي سي" (CNPC) و"سينوبك" (Sinopec) و"سينوك" (CNOOC)، بالإضافة إلى العديد من مصافي التكرير الخاصة، تمثل أبرز المستهلكين.
في يونيو/حزيران 2025، استوردت الصين 12.14 مليون برميل يوميًا، بزيادة قدرها 7.4% عن عام 2024، مسجلةً أعلى مستوى لها منذ أغسطس/آب 2023.
من ناحية أخرى، لم تشهد واردات الصين نموًا كبيرًا، ولكنها تجاوزت مليون برميل يوميًا باستمرار منذ بداية عام 2022.
بدورها، استوردت الهند، ثاني أكبر مشترٍ للنفط الروسي حاليًا، بين 1.8 و2.1 مليون برميل يوميًا خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين، وهو ما يمثل أكثر من ثلث إجمالي وارداتها من النفط الخام.
وحلت صادرات النفط من روسيا محل الموردين التقليديين مثل العراق والمملكة العربية السعودية كأكبر مورد للهند؛ إذ تهيمن خامات مثل الأورال، وسوكول، ومزيج القطب الشمالي، وإسبو (ESPO) على الشحنات.
ومن بين المشترين الهنود الرئيسين ريلاينس إندستريز (Reliance Industries)، ونايارا إنرجي (Nayara Energy) المملوكة جزئيًا لشركة روسنفط (Rosneft)، وإنديان أويل (Indian Oil)، وشركة النفط والغاز الطبيعي الهندية (ONGC).
وتكمل تركيا المثلث؛ إذ وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 400 ألف برميل يوميًا من واردات النفط الروسي في يونيو/حزيران.
ويستفيد قطاع التكرير التركي، خصوصًا توبراش ومصفاة ستار المملوكة لشركة سوكار (SOCAR)، من انخفاض سعر خام الأورال القياسي باستمرار، الذي تم تداوله دون الحد الأقصى لسعر 60 دولارًا للبرميل منذ أبريل/نيسان الماضي.
إنذار ترمب بشأن الرسوم الجمركية
في 14 يوليو/تموز 2025، صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغط الاقتصادي بتهديده بفرض رسوم جمركية ثانوية بنسبة 100% على الدول التي تواصل شراء النفط الروسي في حال فشل موسكو في التوصل إلى اتفاق سلام بشأن أوكرانيا خلال 50 يومًا.
وستستهدف الرسوم منظومة تصدير الطاقة الروسية بشكل غير مباشر، من خلال معاقبة مشتريها -ولا سيما الصين والهند وتركيا ودول أخرى مثل البرازيل وفيتنام وصربيا- بقيود تجارية خانقة.
وعلى الرغم من أن إعلان ترمب أدى إلى انخفاض فوري في أسعار النفط (انخفض خام برنت 1.15 دولارًا إلى 69.21 دولارًا؛ وانخفض خام غرب تكساس الوسيط 1.47 دولارًا إلى 66.98 دولارًا)؛ فقد فسرت الأسواق التأخير على أنه فرصة للمناورة الدبلوماسية.
وفي الوقت نفسه، أثار التهديد قلق محللي الطاقة والدبلوماسيين على حد سواء.
وأكد السفير الأميركي لدى حلف الناتو، مات ويتاكر، نية فرض عقوبات على الدول الشريكة، وخص بالذكر الهند والصين تحديدًا.

ومن اللافت أن الإطار القانوني لهذه الرسوم الجمركية مُضمن في تشريع سابق للسيناتور ليندسي غراهام يقترح فرض رسوم جمركية بنسبة 500%، على الرغم من أن إدارة ترمب تبدو مُستقرة على حد أدنى "أكثر مصداقية" بنسبة 100%.
وصُممت هذه الرسوم لتكون باهظة، وتهدف إما إلى إجبار المستوردين على تغيير الموردين وإما الدخول في مفاوضات استثنائية مع واشنطن.
قيود السوق ومعضلات المشترين
على الرغم من قربها السياسي من الولايات المتحدة؛ فإن الهند تُعاني قيودًا هيكلية.
وفي حال اختارت نيودلهي التخلي عن النفط الروسي؛ فستكون التكلفة الاقتصادية باهظة:
- ارتفع سعر برميل النفط السعودي بمقدار 5 دولارات عن سعر النفط الروسي في مايو/أيار الماضي.
- ارتفع سعر برميل النفط العراقي بمقدار 50 سنتًا.
- سيؤدي التحول إلى خام غرب أفريقيا أو الولايات المتحدة إلى تعقيد الأعباء اللوجستية والتكاليف.
في الوقت نفسه، تُخاطر الصين، رغم تمتعها بحماية أفضل، بزيادة تعرضها للانتقام الاقتصادي الأميركي في حال رفضها الامتثال.
رغم ذلك؛ فقد أظهرت بكين باستمرار قدرات متطورة للتهرب -مثل إخفاء النفط الإيراني على أنه نفط ماليزي- ويمكنها مضاعفة هذه الأساليب للحفاظ على تدفق واردات الطاقة.
وبالنسبة لتركيا، فإن اعتمادها على الطاقة وتوازنها الدقيق بين التزامات حلف الناتو والتكامل الأوراسي يجعلها دولة جيوسياسية متأرجحة.
ومن المرجح أن تضغط أنقرة من أجل إعفاءات على أساس كل حالة على حدة، ولا سيما أن قطاع التكرير لديها يزدهر بفضل مزايا مزيج خام الأورال.
معضلة روسيا الإستراتيجية
تواجه روسيا منظومة معقدة من لوجستيات التصدير، وسقوف الأسعار، والتبعيات المالية.
ويُصدّر نصف إنتاجها، وتمثل إيرادات النفط والغاز أكثر من 21.5% من الموازنة الفيدرالية لعام 2025 نحو 8.3 تريليون روبل (105 مليارات و938 مليون دولار) من أصل 38.5 تريليون روبل (491 مليارًا و399 مليون دولار).
وقد يؤدي فقدان المشترين الآسيويين إلى انهيار أحجام الصادرات، وإلى خفض الإنتاج المحلي، ويعمق العجز المالي.
وسيشمل الرد الروسي الأكثر ترجيحًا:
- تجديد استعمال ناقلات النفط "أسطول الظل"، وأنظمة الفوترة المزدوجة والشركات الوهمية، وتوسيع صفقات المقايضة والمعاملات غير الدولارية، وإعادة توجيه خطوط الأنابيب عبر إيران وقازاخستان والطرق البحرية في القطب الشمالي.
من ناحية ثانية، فإن هذا الاقتصاد البديل يأتي مع تكاليف معاملات متضخمة، ومخاطر تأمين عالية، وتآكل سمعة، وتراجع في نفوذ أسواق السلع العالمية.
التداعيات المالية والسوقية
على الرغم من المخاطر الجيوسياسية؛ فإن مؤشر بورصة موسكو يواصل التداول عند نسبة السعر إلى الربح تبلغ 4.1 ضعفًا أي أقل بنسبة 30% من متوسطه التاريخي (6.1 ضعفًا).
ويشير هذا إلى أن سوق الأسهم الروسية قد أخذت في الاعتبار جزءًا كبيرًا من الضغوط الجيوسياسية.
بدورهم، يُحوّل المحللون رؤوس أموالهم إلى سندات من الدرجتين الثانية والثالثة، مشيرين إلى إمكاناتها لتحقيق إيرادات فائضة مقارنةً بالتزامات القروض الفيدرالية (OFZ) الأكثر استقرارًا.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية "آي إي إيه" (IEA)، يتفاقم ضيق السوق بسبب تركيز معظم فائض المخزونات في الصين وعلى ناقلات النفط، بدلًا من مراكز التخزين التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وخفّضت الوكالة توقعاتها للطلب لعام 2025، متوقعةً فائضًا طفيفًا في العرض، ما يُشير إلى استمرار تقلبات السوق مع تحول القوى الهيكلية تحت وطأة الضغوط السياسية.

تأثُّر سوق النفط العالمية
إنّ تضافر تهديدات ترمب بفرض الرسوم الجمركية الثانوية، وإعادة توجيه روسيا صادراتها من الطاقة شرقًا، والضرورات الإستراتيجية لمستوردي النفط الآسيويين، يدفع سوق النفط العالمية إلى مرحلة جديدة من التشرذم والتسييس.
ويُنذر إنذار ترمب بتحويل النفط نفسه إلى خيار ثنائي: الهيمنة الأميركية مقابل القدرة الروسية على تحمل التكاليف.
وبالنسبة لدول مثل الهند وتركيا، يُعدّ هذا الخيار مؤلمًا اقتصاديًا؛ وبالنسبة للصين، فهو تحدٍّ إستراتيجي.
في كلتا الحالتين، تُعدّ الأيام الـ50 المقبلة مهيأة لتشكيل نظام طاقة جديد.
وفي حال فرض ترمب هذه الرسوم الجمركية؛ فمن المرجح أن نشهد انقسامًا متسارعًا لتكتلات الطاقة، وتآكلًا في حسن النية الاقتصادية الأميركية في دول الجنوب العالمي، وتعميقًا لسياسات القوة التبادلية في تدفقات السلع.
إزاء ذلك، عاد سلاح النفط إلى الساحة الجيوسياسية - وهذه المرة، قد يُؤدي إلى تفتيت سلاسل التوريد ذاتها التي حافظت على تماسك العولمة.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..