أعادت قصة محزنة لطفلة صغيرة تعرضت لدهس من أحد “أبناء الفشوش”، وسط رمال أحد الشواطئ بسيارة رباعية الدفع، إلى الواجهة قصص “أولاد الفشوش” بالمغرب وما يرتكبونه من مخالفات في حوادث السير أو جرائم أحيانا؛ غير أنهم يتحصنون بمناصب آبائهم وجاه عائلاتهم للفرار من المحاسبة أو الحصول على أحكام قضائية مخففة.
محللون يرون أن تحصن “أولاد الفشوش” بجاه ومناصب عائلاتهم عند ارتكاب مخالفات وجرائم يسائل مدى تحقق شروط المواطنة الكاملة في المجتمع دون تمييز على أساس النسب والمال. كما يسائل تنزيل شعار دولة الحق والقانون الذي يرنو إليه “المغرب الرسمي والحقوقي”.
قصص “أولاد الفشوش”
تعاطف ملايين المغاربة مع الطفلة غيثة بعد ظهور والدها في مواقع التواصل يحكي بحرقة كيف أنها تعرضت لدهس سيارة كانت تجر دراجة مائية في رمال أحد الشواطئ. وكانت الصغيرة، وقتها، تبني “قصرا من الرمال” قبل أن يتهدم أمامها فجأة، وتدوس العجلة على رأسها الصغير لتقضي ساعات طويلة في “العناية المركزة”، وتدركها الألطاف الإلهية لتغادر المستشفى بذكرى مؤلمة.
تعاطف المغاربة مع حالة الطفلة غيثة لم يكن بسبب القصة والحدث نفسه، بقدر ما كان بسبب عبارة تفوهت سيدة من عائلة “المتهم” سائق السيارة الذي كاد بتهوره أن يقضي على حياة الصغيرة، حيث خاطبت الأب بقولها “لدينا المال”، في إشارة إلى أن المتهم لن يحاكم لأنه “ولد الفشوش”.
القضاء المغربي لم يتردد في متابعة هذا الملف بجدية، خصوصا أن حملة واسعة بشعار “كلنا غيثة” ملأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وأمرت النيابة العامة بإيداع الشاب السجن وتقديمه للمحاكمة.
قبل قصة الطفلة غيثة، تابع المغاربة باهتمام كبير واقعة اغتصاب أربعة من “أولاد الفشوش”، أبناء ميسورين ورجال أعمال كبار بالمغرب، لمحامية فرنسية، وكيف انتهى الملف بعد سجن هؤلاء الأربعة على ذمة القضية إلى إطلاق سراحهم بعد أن برأتهم المشتكية في تنازل مكتوب.
وقبل ذلك، تابع المغاربة تطورات قضية الشاب “بدر”، الذي توفي نتيجة دهس متعمد بالسيارة من لدن “أولاد الفشوش”، في مشهد مصور وُصف بالبشع وثقته الكاميرات؛ بسبب نقاش وعراك دار بين الضحية والمتهمين انتهى بجريمة قتل شنيعة.
ولم يتردد القضاء لمغربي أيضا في هذه القضية في إدانة المتهمين بعشرات السنوات سجنا، بتهم ثقيلة تتمثل في “القتل العمد وتكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة ومحاولة القتل العمد والمشاركة في القتل”.
مجتمع الحق والقانون
تطرح قصص كثيرة اشتهرت إعلاميا بالمغرب تحت عنوان “ولاد الفشوش” الذين يتحصنون وراء مكانة عائلاتهم الثرية والنافذة للتملص من تطبيق القوانين في حقهم، أكثر من سؤال حول مدى تنزيل شعار دولة الحق والقانون على أرض الواقع.
في هذا السياق، قال محمد شقير، الباحث في القضايا الاجتماعية، إن هذه الظاهرة التي تفشت في المغرب تسائل دولة الحق والقانون، حيث إن ارتكاب مجموعة من “أبناء الذوات” والنخب السياسية وكبار المسؤولين لمخالفات وجرائم دون أن يخضعوا لإجراءات القانون، وحتى إذا خضعوا لها لا تصدر في حقهم العقوبات التي يستحقونها، يطرح أيضا موضوع سلطة القضاة في تنزيل وتنفيذ القانون في حق هذه الفئة.
واستحضر شقير، في هذا الصدد، العديد من الحالات والقصص بشأن “أولاد الفشوش”؛ منها زوج أميرة أطلق النار على شرطي دون أن يتم اعتقاله أو محاكمته، حيث تم تبرير عدم مسؤوليته القانونية بكونه يعاني من اضطرابات نفسية. كما شهدت الرباط واقعة دهس ابنة مستشار الملك الراحل الحسن الثاني لشرطية مرور؛ غير أنه جرى اعتقالها بتدخل من مدير الأمن المغربي الذي أصر على ضرورة أن تتخذ التدابير القانونية مجراها لتتم محاكمتها، قبل أن تخرج من السجن قبل انقضاء مدة محكوميتها نظرا لتمتعها بعفو ملكي”.
وسجل الباحث في القضايا الاجتماعية أن هذه القضايا التي يكون أبطالها أبناء نخب اقتصادية وسياسية وإدارية نافذة عادة ما يتابعها الرأي العام والصحف باهتمام بالغ؛ لأنها تشكل “ترمومترا” لتطور استقلالية القضاء، وكذا مدى تجذر مؤسسات دولة الحق والقانون في البلاد التي تسري تشريعاتها وقوانينها دون اعتبار للأصل الاجتماعي أو النفوذ السياسي أو الجاه الاقتصادي لمرتكب الجريمة، حيث لا يكون تمييز في التعامل كيفما كانت الأصول الاجتماعية للشخص، سواء كان نجل وزير أم ابن مسؤول كبير؛ لأن ذلك هو الذي يعكس المضمون السياسي للنص الدستوري الذي يعتبر أسمى قانون بالمملكة على أن كل المواطنين سواسية أمام القانون.
السلوك الاجتماعي
وإذا كان السلوك القانوني يوضح جزءا من ظاهرة “أولاد الفشوش” في المجتمع المغربي، حيث يحاول هؤلاء التحصن بعائلاتهم وثرواتهم للتملص من العقوبات القانونية، فإن للسلوك الاجتماعي أيضا نصيبا من الفهم والاستيعاب أيضا.
في هذا الصدد، قال بدر موقاتي، الباحث في علم السلوك الاجتماعي، إن “ولد الفشوش” أو “الابن الثري المدلل” يستند غالبا إلى ما يكسبه هو وأسرته من ثروات في التعاطي والتعامل مع الآخرين، خصوصا مع “أبناء الفقراء”.
واستدرك موقاتي، في تصريح لهسبريس، أن هذا الأمر ليس قاعدة عامة تسري على جميع “أولاد الفشوش”، بدليل أن هناك أبناء عائلات ميسورة يحترمون القوانين ويتحلون بالتواضع والاندماج الاجتماعي السلس مع باقي الشرائح الاجتماعية في أسفل الترتيب الاقتصادي والمالي.
وأفاد المتحدث عينه بأن السلوك الاجتماعي وحتى النفسي يفسر النظرة السلبية التي يرى بها “ابن الفشوش” لغيره، حيث يعتقد أنه من حقه ازدراء الآخرين، والتغلب عليهم سواء بالقوة المادية أم بشراء الذمم، فقط لينقذ نفسه من قبضة القانون عند ارتكاب المخالفات والجنح والجرائم.
وشدد الباحث الاجتماعي على أن المجتمع السليم هو المجتمع الذي تذوب فيه الطبقية، فلا يوجد أبناء ذوات أو أبناء فقراء عند الاحتكام إلى القوانين، فكما أبناء الفقراء يرتكبون الجرائم ويحاكمون، فإن أبناء الميسورين يتعين أن يخضعوا لنفس التعامل.