الجمعة 18 يوليو 2025 | 09:38 مساءً

الهبوط الأرضي على طريق الأوتوستراد
تشهد عدة مناطق في مصر تكرارًا ملحوظًا لظاهرة الهبوط الأرضي، ما أثار قلقًا واسعًا بين المواطنين والجهات المختصة على حد سواء، فمع كل حادث جديد، يتجدد الجدل حول أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها، وسط مطالبات بوضع حلول جذرية واستباقية تحول دون وقوع كوارث تهدد الأرواح والبنية التحتية، ما يستدعي الوقوف على أسبابه الفنية والهيكلية.
ويرى خبراء في البنية التحتية أن ظاهرة الهبوط الأرضي لا يمكن فصلها عن مشكلات أعمق تتعلق بغياب الرقابة الصارمة على تنفيذ مشروعات الطرق والمرافق، وسوء تخطيط بعض الأعمال دون الالتزام بالاشتراطات الهندسية الأساسية، وفي الوقت ذاته، تسهم عوامل أخرى مثل تسرب المياه، وتهالك شبكات الصرف الصحي والمياه، واستخدام مواد إنشائية غير ملائمة للتربة، في زعزعة استقرار التربة تحت الطرق، مما يؤدي إلى انهيارات مفاجئة تُربك حركة المرور وتهدد السلامة العامة.
وفي مقابل ذلك، تبرز أيضًا تأثيرات طبيعية مرتبطة بنوعية التربة والصخور السائدة في بعض المناطق، خصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تؤثر على الطبقات السطحية للأسفلت، إلى جانب انتشار التربة الطفلية أو ظواهر التكهف تحت الأرض، وهذه العوامل مجتمعة، سواء كانت بشرية أو بيئية، تدفع نحو ضرورة إعداد خريطة وطنية متكاملة لتقييم جودة التربة والمرافق تحت الأرض، وربطها بخطة صيانة دورية ومراقبة تنفيذية دقيقة تحصّن البنية التحتية من الانهيار.
أسباب الهبوط الأرضي
أكد الدكتور عبد الخالق ريحان، أستاذ الإدارة المحلية، أن تكرار الهبوط الأرضي يرجع إلى مجموعة من الأسباب المتشابكة، على رأسها القصور في اختبارات التربة وتجاوزات في تنفيذ مشروعات البنية التحتية دون إشراف هندسي صارم، موضحًا أن بعض الشركات المنفذة تعمل دون وجود خبراء استشاريين أو تلتف على الاشتراطات الفنية الأساسية، مما يؤدي إلى خلل جسيم في استقرار الطرق والمباني.
وأشار ريحان، في تصريح لـ«العقارية»، إلى أن من أبرز الأسباب أيضًا الاستعجال في إنشاء الطرق دون التمهل في وضع القواعد الفنية أو التأكد من ملاءمة الخرسانة للتربة القائمة، وهو ما يتسبب في إعادة صب أو ترميم بعض الطرق لاحقًا نتيجة لعيوب في التصميم الأصلي.
وشدد على أن التربة في مصر ليست متحركة بطبيعتها، ما يعني أن أي هبوط مفاجئ يُعد نتيجة لعوامل بشرية مثل تهالك شبكات المرافق أو غياب اختبارات جودة التربة، مشيرًا إلى ضرورة بدء أي مشروع عمراني بتحليل التربة باستخدام المجسات الفنية لتحديد نوعها وتحديد نوع الخرسانة والتسليح المناسب لها.
وأوضح أن هذه الإجراءات يجب أن تُدرج في المواصفات الفنية لأي مشروع، ويجب أن تكون إلزامية في عمليات البناء وتطوير الطرق، مؤكدًا أن كليات الهندسة ومعامل البحوث الجيولوجية يجب أن تشارك في عمليات تحليل التربة ووضع المواصفات، خصوصًا في المناطق ذات الكثافة العمرانية العالية أو مرور مرافق حيوية.
وطالب ريحان بتحويل ملف الهبوط الأرضي من أزمة طارئة إلى ملف استراتيجي تتبناه وزارة التنمية المحلية والجهات المعنية، بالتعاون مع مراكز البحوث والجامعات، وفرض تشريعات صارمة تُلزم باختبارات التربة والمرافق قبل تنفيذ أي مشروع، تفاديًا لكوارث مستقبلية.
تهالك شبكات المرافق تحت الأرض
في السياق ذاته، قال الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس وعضو اللجنة الاستشارية المشكلة لدراسة بدائل غلق الطريق الدائري الإقليمي، إن تكرار الهبوط الأرضي لا يرتبط بالتركيبة الجيولوجية للتربة، بل يرجع في الأساس إلى تهالك شبكات المرافق تحت الأرض، التي قد تتعرض للكسر أو التسريب، مما يؤدي إلى انجراف الردم وحدوث انهيار مفاجئ.
وأضاف مهدي، في تصريح لـ«العقارية»، أن هناك حوادث كبيرة وقعت نتيجة حفر دون دراسة أو تنسيق كافٍ، كما حدث سابقًا في مدينة أكتوبر، مؤكدًا أن بعض خطوط المياه أو الصرف الصحي العملاقة – التي تصل أقطارها إلى مترين ونصف – إذا تعرضت للكسر، فإنها تطلق كميات ضخمة من المياه تؤدي إلى انجراف التربة من تحت الطرق.
وأكد أن المشكلة لا تتعلق بعلم الجيولوجيا وحده، بل بغياب التنسيق والتخطيط الهندسي، داعيًا إلى إجراء دراسات شاملة للمرافق والتربة قبل تنفيذ المشروعات، وتحديث شبكات المرافق القديمة، مع ضرورة استخدام خرائط دقيقة ومراجعة أعماق المرافق قبل أعمال الحفر أو التنفيذ.
وشدد على ضرورة إدراج ملف المرافق ضمن استراتيجية صيانة الطرق، موضحًا أن تجاهل هذا العنصر الأساسي يؤدي إلى استمرار الحوادث وتكرار الكوارث، رغم القفزات التي حققتها مصر في تصنيف جودة الطرق عالميًا، حيث صعدت إلى المركز 18 بعد أن كانت في المركز 118.
الطريق الدائري الإقليمي
في حديثه عن الطريق الدائري الإقليمي، أشار مهدي إلى أن بعض أجزائه تعرضت لهبوط بسبب الحمولات الزائدة أو التربة الرخوة، وهو ما يتطلب صيانة عاجلة، مشيرًا إلى تشكيل لجنة فنية تضم المرور والنقل وخبراء استشاريين لدراسة البدائل المرورية بالتزامن مع إغلاق بعض المناطق للصيانة.
وأوضح أن اللجنة ستعمل وفق جدول زمني لإنهاء أعمال الصيانة بحلول نهاية أغسطس المقبل، مضيفًا أن غلق الطريق بشكل كامل قد لا يكون ممكنًا، لكنه ضروري في بعض المناطق لتفادي خطر أكبر، مشددًا على أن 64% من حوادث الطرق تعود إلى العنصر البشري، موضحًا أن سوء الاستخدام لشبكة الطرق، بما في ذلك الحمولة الزائدة والتجاهل المروري، يتسبب في تدهور البنية التحتية رغم جودتها.
الحجر الجيري سبب الهبوط الأرضي
من جانبه، قال الدكتور عباس محمد، رئيس معمل الكهربية والحرارة الأرضية بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، إن نوعية الحجر الجيري المنتشر في مصر تُعد أحد العوامل الأساسية المسببة للهبوط الأرضي، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي إلى "كرمشة" الأسفلت وتشققاته.
وأضاف الدكتور عباس محمد، أن زيادة الأحمال وضعف أعمدة الطرق مثل الطريق الدائري، بالإضافة إلى غياب الدراسات الجيولوجية قبل تنفيذ المشروعات، كلها عوامل تسهم في حدوث الهبوط،مشيرًا إلى أن بعض المناطق التي بنيت فوق تربة طفلية أو بها ظاهرة التكهف – وهي انهيارات لاحقة لفجوات ممتلئة ببخار – تكون أكثر عرضة للتآكل والانهيار.
وشهد محور الأوتوستراد أمس الخميس 17 يوليو 2025 حادث هبوط أرضي نتيجة تسرب مياه أسفل الطريق، ما استدعى غلقًا كليًا لمطلع محور حسب الله الكفراوي، وإجراء تحويلات مرورية لتفادي الزحام. وأعلنت إدارة المرور نشر خدمات مرورية لتوجيه السيارات، بينما دفعت شركة الصرف الصحي بفرق طوارئ ومعدات إصلاح.
وبدأت فرق الإصلاح أعمال شفط المياه المحمّلة بالرمال من داخل البئر المتسبب في التسرب، مع تأمين الموقع بالكامل ومنع اقتراب المواطنين حفاظًا على سلامتهم، إلى جانب وضع علامات إرشادية دون التأثير على حركة المرور.
وأكدت محافظة القاهرة أن أعمال الإصلاح تُتابع بشكل مباشر من الدكتور إبراهيم صابر، خصوصًا بعد تكرار الواقعة نفسها يوم 12 يوليو أسفل كوبري التجنيد في حي مصر الجديدة، نتيجة هبوط أرضي ناجم عن بئر صرف صحي.
وشدد الخبراء على أن استمرار هذه الظاهرة يستوجب إعادة تقييم شاملة للبنية التحتية، وفرض رقابة مشددة على عمليات الحفر والتنفيذ، إلى جانب إنشاء قاعدة بيانات وطنية محدثة للمرافق الأرضية، لضمان عدم تكرار الكوارث مستقبلاً.


اقرأ ايضا
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.