أخبار عاجلة
براق يبحث في أدوار الشرطة الإدارية -

المرابط: تراكم الفرجة يخنق المعرفة

المرابط: تراكم الفرجة يخنق المعرفة
المرابط: تراكم الفرجة يخنق المعرفة

يدعو المفكر المغربي مصطفى المرابط إلى تأنّ في بناء المعرفة والتحليل بناء على “حقائق” الشاشات التلفزيونية، والتحليلات والآراء المتوالية في “صفحات” مواقع التواصل الرقمية؛ لأن “ما نعيشه ليس تراكما في المعرفة بل تراكم في الفُرجة”، أما في الواقع “نغرق في سيل من التحليلات والخبراء والوجوه والمحللين، إلى حد يخيّل فيه أن الجميع يفهم ويشرح ويحلل. بينما الحقيقة أن الصورة تقتل السؤال، أو بالأحرى تقتل التساؤل”.

رئيس “مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني” استحضر نموذج الحرب الإسرائيلية على إيران لمّا طُلب منه إبداء رأيه في مستجدّاتها فوجد نفسه أمام “مشهد مشوّش تتقاذفه العناوين، وتتراكم الصور، بدون أفق واضح”، فكان الاستنتاج بعد مسافة: “أدركت أن ما عندي لم يكن رؤية، بل شتاتا من مشاهد متقطعة عابرة، لا تمسك بخيط ناظم، ولا تسمح ببناء فهم متماسك؛ فعدت القهقرى نحو ذاتي: ما الذي أعرفه حقا عما يحدث أمامنا منذ طوفان الأقصى مرورا بانكشاف فظائع غزة، ووصولا للقصف الممنهج للذاكرة والتاريخ؟”.

في أحدث حلقات “برنامج تفاكر”، قال المرابط إن “كثافة الصور التي أغرقتنا بعد طوفان الأقصى لم تكن دليلا على الحقيقة وتنوعا، بل في الحقيقة ستارا يحجبها. الشاشة لم تصمم لتقربنا من الواقع، بل كي تعوضه وتحل محله. فالصورة، كما باتت تبثُّ، لا تمهّد للمعنى، بل تطفئه، لا تمنحك فرصة للربط والامتداد، بل تجرك من صدمة إلى صدمة، ومن لحظة إلى أخرى؛ حتى تنسى من أين بدأت”.

واليوم، “لا نعاني من قلة المعلومات، بل نعاني من فائضها، ولا نعاني من قلة التحليل بل من تحلّله؛ فمنصاتنا لم تفتح كي نفكّر، بل كي نغرق في سوق الكلام، حيث يتحول الرأي إلى بديل عن المعرفة، والانفعال إلى بديل عن الفكر، والإعجاب إلى معيار للحقيقة”، وهو ما تصير معه الحيرة “معيار صحوة لا عجز” والتريث “مقاومة لسرعة تبتلع كل شيء، حتى الحقيقة”.

لكن، لم يمنع هذا المتحدّث من رصد ما يعكسه النقاش حول الحرب على إيران من “علاقة طفيلية بين الماضي والحاضر؛ فيتخذ الماضي من الحاضر مصدرا للاقتيات (…) والماضي فينا يجعل الحياة حكرا عليه فقط. ويبقى في فترة كمون لبسط سلطانه؛ ثم تكتشف مجتمعاتنا أنها تحمل خلايا نائمة للطائفية، والمذهبية، والإثنية (…) لا كعلامة تنوع وتعدد، بل من حيث كونها مشاريع تتربص بالدين والسياسة”، ثم تؤدي مجتمعاتنا اليوم “تكاليف باهظة لهذه الألغام، ألغام الطائفية والمذهبية والإثنية”.

موضوع الحقيقة في ظلّ تدفّق غير منته للأخبار والآراء سبق أن تناوله مصطفى المرابط في حلقة عنوانها “ما بعد الحقيقة: هل ما نراه هو ما يحدث؟”، قال فيها إنه “منذ طوفان الأقصى كأن الحدث انفجر في قلب المعنى ذاته، لا في الجغرافيا فقط، فلم يعد العالم كما كان ولا الزمان هو الزمان ولا اللغة هي اللغة، ولم يُكشف فقط وجع فلسطين، بل وجع الإنسان فينا”.

ثم استرسل قائلا: “من يستطيع التقاط الخيط بين صورة وصورة، وصرخة وأخرى؟! لقد اختلط الحق بالرأي والموت بالفُرجة”.

هكذا؛ “تكثّفت الأحداث لا في سرعة تواترها فقط، بل على مستوى ابتلاع الصورة اللاحقة الصورة السابقة”، وهذه الكثافة وسرعتها “تحمل في حد ذاتها عنفا لا يُحتمل؛ فكيف يمكن احتمال أحداث تكتنز من التوحش والهمجية ما لا يقبله بشر؟!”.

هنا، تطرّق المدير السابق لمركز الجزيرة للدراسات إلى مدى “جرأة التفسير والتموقف لمن يقدَّمون محللين وخبراء في شاشات الفضائيات والتواصل الاجتماعي دون اعتبار للعلمية والمحاذير المنهجية”، وهكذا “تصطدم القراءة بشكل فج بالنزوات السيكولوجية والميول العاطفية والنزعات الإيديولوجية، ويتعرض المتتبع إلى إجهاد نفسي وعصبي بالغ”.

وذكر المتحدّث أنه “قبل ثورة التواصل الاجتماعي، كانت السوق تنضبط بمعايير محددة وصارمة، تتمثل في مراقبة جودة البضاعة، ومصدرها، وطرق صناعتها، ومدى صلاحيتها، دون المساس بحرية تنوع العرض والمنافسة (…) لكن اليوم فتحت السوق على مصراعيها على كل البضائع دون قيد أو شرط، فلنا اليوم بعض من التحليل والدراية السياسية، وغزارة من الشعوذة والتنجيم السياسي، ونزر من الحكمة ووفرة من العته”، مما يؤدي إلى توالي أقوال “تصل حد التناقض”، ويقود إلى “اختناق المعنى لدى الناس”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بالبلدي : مصرع سيدة وإصابة اثنين فى انقلاب ميكروباص على طريق بنها - المنصورة
التالى بالبلدي : مصرع سيدة وإصابة اثنين فى انقلاب ميكروباص على طريق بنها - المنصورة