كرّمت مكتبة الإسكندرية اليوم الخميس، مائة فائز بجائزة القراءة في نسختها الأولى، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي المصاحب للدورة العشرين من معرضها الدولي للكتاب و ذلك بحضور نخبة من رموز الفكر والأدب في مصر، يتقدمهم الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية، والأديب محمد سلماوي، والكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، والدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث، والدكتور حسين حمودة أستاذ النقد الأدبي، والكاتب منير عتيبة مدير مختبر السرديات، والدكتور محمد سليمان القائم بأعمال نائب مدير المكتبة.
وأكد الدكتور أحمد زايد في كلمته أن الجائزة تأتي في إطار مشروع ثقافي متكامل لتعزيز قيمة القراءة في المجتمع، موضحًا أن بناء الإنسان يبدأ من الكتاب، وأن المكتبة تسعى إلى توسيع نطاق التفاعل مع المعرفة في زمن تتزاحم فيه مصادر المعلومة مشدداً على أن القراءة ليست ترفًا، بل ضرورة حضارية، موجّهًا الشكر لجميع المشاركين، ومؤكدًا أن الجائزة تمثل خطوة جديدة نحو بناء مجتمع قارئ ومستنير.
شدّد الأديب محمد سلماوي على ضرورة التفرقة الجوهرية بين المعلومة و المعرفة مؤكدًا أن العصر الرقمي أتاح كمًا غير مسبوق من المعلومات عبر الإنترنت، إلا أن ذلك لا يُعدّ كافيًا لتكوين الإنسان المثقف أو الواعي موضحاً أن المعلومة قد تكون لحظية وسطحية، تُلتقط بسرعة وتُنسى بسرعة، في حين أن المعرفة تُبنى عبر تراكمات فكرية وتأملات عقلية لا يوفّرها سوى الكتاب، باعتباره الوسيط الأعمق لفهم الحياة والإنسان مضيفاً أن هذا الفارق ينعكس على قدرة الفرد في التمييز والنقد والتحليل، وهي القدرات التي تتجاوز مجرد استهلاك البيانات إلى إدراك المعنى الحقيقي للعالم من حوله.
من جانبه، استعاد الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد ذكريات طفولته مع "حصة المطالعة الحرة" في المدرسة، والتي كانت، على حد وصفه، بداية اكتشافه لعالم القراءة بكل ما يحمله من دهشة ومتعة مؤكداً أن تلك الحصة الأسبوعية، التي كانت تتيح للتلاميذ اختيار ما يرغبون في قراءته بحرية دون توجيه، لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل وعيه المبكر، وغرست فيه حب الكتب كوسيلة لاكتشاف الذات والعالم. ووصف القراءة بأنها "المفتاح الصامت لفهم العالم"، موضحًا أنها تمنح الإنسان أدوات داخلية لفهم ما يحدث حوله بعمق، بعيدًا عن الضجيج الخارجي والمعلومات السريعة، وهو ما يجعلها ركيزة أساسية في بناء الشخصية الثقافية والإنسانية.
من جانبه، أكد الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، أن القراءة تظل حجر الزاوية لأي مشروع حضاري حقيقي، مشيرًا إلى أن الأمم لا تنهض إلا بعقول واعية ومستنيرة تغذّيها المعرفة. وأشاد عفيفي بدور مكتبة الإسكندرية في ترسيخ ثقافة القراءة من خلال مبادراتها النوعية، معتبرًا أنها نجحت في تقديم نموذج ملهم يُشجّع الأجيال الجديدة على التعلّق بالكتاب وسط زخم العالم الرقمي.
في السياق ذاته، رأى الدكتور حسين حمودة، أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة، أن المؤسسات الثقافية باتت توفر فرصًا غير مسبوقة أمام الشباب للوصول إلى المعرفة، منوهًا بأن ما يحظى به الجيل الحالي من مصادر وفعاليات ومبادرات معرفية يمثل فرصة ثمينة يجب اغتنامها. ودعا حمودة الفائزين بجائزة القراءة إلى مواصلة هذا المسار، مؤكدًا أن الجائزة ليست نهاية المطاف بل خطوة أولى في رحلة ممتدة من التكوين الثقافي والنضج الفكري.
فيما أشار الكاتب منير عتيبة أن تنظيم مسابقة للقراءة بهذا المستوى يشكّل "ردًا عمليًا وفعّالًا" على المزاعم المتكررة التي تروّج لفكرة عزوف المواطن العربي عن القراءة، مؤكدًا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا موضحاً أن هناك تقارير دولية حديثة ترصد تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات القراءة داخل عدد من الدول العربية، وعلى رأسها مصر، التي باتت تحتل مراكز متقدمة في معدلات الإقبال على القراءة، خاصة بين فئة الشباب مضيفاً أن مثل هذه المبادرات لا تُسهم فقط في رفع الوعي الثقافي، بل تعمل أيضًا على كسر الصور النمطية السلبية، وتعكس حراكًا معرفيًا متناميًا في المجتمعات العربية، ينبغي دعمه واستثماره على جميع المستويات.
وقد سلمت لجنة التحكيم، برئاسة الدكتور أحمد زايد، الجوائز للفائزين، حيث حصلت آية مرسي بدوي بدر على المركز الأول وجائزة مالية قدرها 50 ألف جنيه، تلاها أيمن عاطف يحيى محمد في المركز الثاني بـ40 ألف جنيه، ثم إنجي فوزي موريس في المركز الثالث بـ30 ألف جنيه. بينما حصل عبد القادر يحيى على المركز الرابع، وشريف أحمد إمام على الخامس، بقيمة 20 و10 آلاف جنيه على التوالي. ونال بقية الفائزين جوائز مالية متدرجة تشجيعًا لمشاركتهم المتميزة.
تُعد جائزة القراءة مبادرة ثقافية سنوية رائدة تطلقها مكتبة الإسكندرية، وتهدف إلى تعزيز الوعي المعرفي لدى الفئات الشابة، حيث تستهدف الفئة العمرية من 18 إلى 40 عامًا في جميع محافظات مصر. وتتميّز المبادرة باعتمادها على أدوات العصر الرقمي، مثل المنصة الإلكترونية الرسمية ومنصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب الاستفادة من شبكة "سفارات المعرفة" التابعة للمكتبة المنتشرة في مختلف المحافظات، ما يسهم في توسيع نطاق المشاركة.
وتقوم كل دورة من الجائزة على تحديد موضوع للقراءة، مع تقديم ورقة إرشادية توجّه المشاركين دون تقييد حرية اختيار الكتب، كما يتم إنشاء نوادي قراءة محلية وتوفير نسخ قابلة للاستعارة، بما يضمن تكافؤ الفرص أمام جميع المتقدمين ويخضع المشاركون لاختبارات متدرجة تشرف عليها لجان متخصصة من الأكاديميين والمثقفين. وتسعى مكتبة الإسكندرية من خلال هذه المبادرة إلى ترسيخ ثقافة القراءة كأداة أساسية لبناء مجتمع معرفي واعٍ، قادر على مواكبة تحديات العصر والانفتاح على المستقبل بثقة ووعي.
يُذكر أن الدورة الحالية لمعرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب تُقام بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، واتحادي الناشرين المصريين والعرب، وتستمر حتى 21 يوليو الجاري، بمشاركة 79 دار نشر، وتقديم 215 فعالية ثقافية يشارك فيها نحو 800 مفكر وكاتب وباحث، داخل المكتبة، وبتزامن في القاهرة عبر "بيت السناري" بالسيدة زينب، و"قصر خديجة" بحلوان.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.