قاعة طعام بلا كراسٍ، وأوانٍ (طناجر) متسّخة، شاي مذلوق على الأرض، تحت سقف وبين جدران مهترئة؛ ليست مشاهد من معتقل سياسي بل من دار لرعاية الأطفال تابعة لمركب الوفاء بفاس، جرى تداولها على نطاق واسع داخل فضاءات التواصل الاجتماعي، فأشعلت غضب عدد من المغاربة، فيما رمى فاعلون مدنيون وحقوقيون بالمسؤولية إلى الوزارة الوصيّة على القطاع والحكومة برمتها.
وأظهر مقطع فيديو، صوّره أحد نزلاء دار المستقبل التابعة لمركب الوفاء، افتقاد مطعم هذه المؤسسة إلى كراسٍ داخل مقصفها؛ إذ يحتوي فقط على حوالي ثلاث إلى أربع طاولات مهترئة، وقد وضعت فوقها وجبات رهن إشارة النزلاء، في ظروف تخالف شروط السلامة الصحية، فضلا عن اتسّاخ أرضية هذا المقصف بالشاي.
رئيس جمعية دار الوفاء للأطفال ونائبه سرعان ما خرجا ليؤكدا، في تصريحات إعلامية، أن الفيديو المتداول “يرجع إلى دار المستقبل لا الوفاء”، مفيدين بأن الأولى كان صدر محضر وقعت عليه اللجنة الإقليمية المعنية أواخر دجنبر بإخلائها؛ لكن مصادر محلية نبّهت، في تواصلها مع الجريدة، إلى أن “مركب الوفاء يضم الدارين، وكلاهما تسيّران من قبل ذات الجمعية”.
“دار الخيانة والغدر لا الوفاء”، “هذا راه حبس مشي دار الأطفال”، علّق متفاعلون مع الموضوع داخل الفضاءات الرقمية. وأفاد آخر: “كون شفتو خيرية لي بالبويبة رباط، جامعين سكايرية مع شماكرية مع سعايات… كلشي مالاقي ما يكل.. ياكلو خبزة وروز معجن”. وهذا ما ظهر من واقع قال فاعلون ومدنيون وحقوقيون إنه “ينسحب على عدد من دور رعاية الأطفال؛ ما يثير مسؤولية وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والحكومة بأكملها”.
نقيض التزامات ومسؤولية حكومية
إلهام بلفليحي، ناشطة مدنية الكاتبة العامة للشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، تأسفت “لأنه المغرب، الذي صادق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ومختلف الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وعلى دستور متقدّم يضمن الحريات لجميع المواطنات والمواطنين، مازال أطفاله يعانون وما زالت دور الرعاية في وضع مُزر”.
وقالت بلفليحي، في تصريح لهسبريس، إن “هذا الواقع تتحمل مسؤوليته بشكل كامل الحكومة والوزارة الوصيّة على قطاع التضامن”، مفيدة بأنه “يضرب مصداقية المغرب ومستقبل أطفالنا جيل المستقبل عرض الحائط”.
ولفتت الكاتبة العامة للشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب إلى أن “هناك دور رعاية كثيرة تعاني نفس واقع دار الرعاية سالفة الذكر؛ فما ظهر في فاس ليست حالة معزولة بالنسبة إلينا عن واقع معين، إذ إن أغلب هذه الدور تحتاج، العناية”. وزادت المتحدث ذاتها قائلة: “الفيديو كشف عن المستور”.
ولدى إثارتنا مسؤولية الجمعية المدبرة أيضا، قالت الفاعلة المدنية سالفة الذكر إن “الحكومة ليست فقط ملزمة بإعداد دفتر تحملات؛ بل بتتبع تنزيله كذلك. الوزارة مطالبة بالمراقبة، فإذا اتضّح أن الجمعية كانت في مستوى المسؤولية التي حمّلت إياها مرحبا بها، وإذا ثبت العكس يجب أن يتم إنهاء التعاقد معها”.
وشددت بلفليحي: “نحن أمام فئة حساسة في نهاية الأمر”.
“واجهة غير مراقبة”
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن “هذا الواقع المتردي لدار الاطفال المتخلى عنهم بفاس ينطبق على أغلب دور الأيتام بالمغرب، مع بعض الاستثناءات طبعا”.
وأضاف الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “أسباب هذه الوضعية تختلط بين ما هو مؤسساتي وتدبيري وسلوكي وثقافي وتربوي”، لافتا في هذا الصدد إلى “منح صلاحية تسيير مؤسسات رعاية الأطفال لجمعيات دون النظر في مدى توفرها على شروط تحمل هكذا مسؤولية، ومدى احترامها لمبادئ الحكامة والشفافية والمراقبة والفعالية في الأداء”.
وأشار رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان إلى “غياب بعض الجوانب الخاصة برعاية هؤلاء الأطفال؛ كالجانب التربوي والتوعوي والرقابي، والمواكبة النفسية، وشعورهم بالإهمال العاطفي والاجتماعي ينمي في نفوسهم النزعة العدوانية”، وكذلك “انعدام المراقبة المستمرة لهذه المؤسسات من لدن الجهات الحكومية المختصة، ونهب التموينات من لدن القائمين على هذه المؤسسات أمام أنظار هؤلاء الأطفال، وإهمال التهيئة الداخلية لهذه المؤسسات حتى تصبح مهترئة ومتسخة”.
وقال الخضري إن “كل هذه المظاهر البئيسة تعني شيئا واحدا، وهو أن مؤسسات الرعاية بالمغرب مجرد واجهة للاستهلاك الإعلامي وللقول بأن لدينا ملاجئ للأطفال المتخلى عنهم؛ بينما في الحقيقة هذه المؤسسات ليست بيئة مناسبة لنمو هؤلاء الأطفال في ظروف صحية جسديا ونفسيا، وإنما ملاجئ تنفر منها النفوس”، وزاد: “هذا ما يدفع بالعديد من هؤلاء الأطفال إلى الهروب المستمر منها نحو الشوارع”.
وحّذر الفاعل الحقوقي عينه من أن هذا الواقع “يجعل منهم جانحين ومشاريع مجرمين في المستقبل.. إلا بعض الحالات النادرة التي تستطيع ضبط نفوسها”.
وشدد المتحدث عينه على أن “على الحكومة الاعتراف بأنها فشلت في الشق الاجتماعي فشلا ذريعا ولا داع لأن تلوم الحكومات السابقة مادامت رفعت شعار الدولة الاجتماعية”.
وزاد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان: “في الحقيقة، هذه هي حكومة رجال الأعمال الذين لا يؤمنون بالمقاربة الاجتماعية بقدر ما يبحثون عن الصفقات والفرص التي تنمي استثماراتهم”.