الدراسة لم تقف عند حدود الأرقام، بل سلطت الضوء على تحولات في سلوك الموظفين ورضاهم، وأكدت أن من يستخدمون الذكاء الاصطناعي يوميًا أكثر إنتاجية بنسبة 64 بالمئة، وأكثر رضا عن وظائفهم بنسبة 81 بالمئة.
هذا التحول الجذري لم يأتِ من فراغ، بل يعكس واقعًا اقتصاديًا وتقنيًا جديدًا، يفرض على الشركات والحكومات إعادة تعريف مفاهيم العمل، والكفاءة، والتوظيف.
جيل الألفية يقود الثورة الذكية
وفق نفس الدراسة، تصدّر جيل الألفية مشهد التحول في استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يستخدم 68 بالمئة منهم هذه التقنية في أعمال استراتيجية تتراوح بين توليد المحتوى وتحليل البيانات وتقديم مقترحات. وهذا يعزز التوقعات بأن الذكاء الاصطناعي لن يكون مجرد أداة مساعدة، بل جزءًا لا يتجزأ من منظومة العمل الحديثة.
وتتوافق هذه المؤشرات مع تقديرات عالمية تشير إلى أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي سيرتفع بنسبة 60 بالمئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، في ظل تقديرات بأن الذكاء الاصطناعي سيضيف 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية بل ضرورة
في مداخلة خاصة مع برنامج "بزنس مع لبنى"، أكد النائب الأول لرئيس والمدير العام في Salesforce الشرق الأوسط محمد الخوتاني ، أن الذكاء الاصطناعي أصبح "احتياجًا" وليس ترفًا.
وأضاف: "لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا في بيئة العمل، بل أصبح من الضروريات لكل شركة تطمح للنمو والتميّز في تجربة العميل"، قال الخوتاني، مضيفًا أن 73 بالمئة من سكان دول مجلس التعاون الخليجي على استعداد لدفع مبالغ أكبر مقابل تجربة عميل أفضل، ما يضع ضغطًا على الشركات للاستثمار في الأدوات الذكية.
وأشار إلى أن نحو 41 بالمئة من المهام اليومية التي يؤديها الموظفون يمكن أتمتتها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يرفع من كفاءة الأداء ويقلل من المهام المتكررة منخفضة القيمة.
التحول الرقمي في القطاعين العام والخاص
التحول نحو الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على القطاع الخاص. فقد أوضح الخوتاني أن "كل لقاء يجمعنا برئيس تنفيذي أو مسؤول حكومي لا يخلو من نقاش حول الذكاء الاصطناعي، وتخصيص ميزانيات له، سواء لأغراض داخلية لتسريع العمليات أو خارجية لتحسين تجربة العملاء".
في هذا السياق، توقّع أن تصبح أغلب الخدمات المستقبلية رقمية بالكامل، تعتمد على "الموظف الرقمي" أو "المساعد الذكي"، بدلًا من الخدمات التقليدية، وهو ما يُعيد تعريف مفهوم الوظيفة ذاته.
الموظف الرقمي قادم.. لكن لا خوف من الاستبدال
في معرض حديثه، شدد الخوتاني على أن التحول الرقمي لا يعني بالضرورة الاستغناء عن البشر، بل إعادة تعريف وظائفهم لتكون إشرافية واستراتيجية.
"لن يتم استبدال الإنسان بالآلة، بل سيتم تطوير الموظفين ليشرفوا على الموظفين الرقميين"، بحسب تعبيره، كما نوه إلى أن معظم شركات البرمجيات ستدمج الذكاء الاصطناعي في حلولها المستقبلية.
وفي مثال تطبيقي، أشار الخوتاني إلى تجربة Salesforce التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي عبر منصتها الرقمية، حيث يتولى المساعد الذكي ما يزيد عن 30,000 محادثة أسبوعيًا، بناءً على تحليل 850,000 مقال ومرجع، ما أدى إلى خفض شكاوى العملاء بنسبة تزيد عن 50 بالمئة.
من استعلامات إلى قرارات... الذكاء الاصطناعي يسرّع التفاعل
واحدة من أبرز الفوائد التي استعرضها الخوتاني كانت السرعة. فبدلًا من أن يبحث الموظف يدويًا عن المعلومات عبر الأنظمة المختلفة، يتولى المساعد الرقمي هذه المهمة في لحظات، ما يقلل من أوقات الانتظار، ويرفع من جودة الخدمة.
هذا النوع من التحول لا يؤثر فقط على تجربة العميل، بل يعيد رسم ملامح مراكز خدمة العملاء، ويُسرّع من قرارات الأعمال، ويخلق بيئة أكثر مرونة وتجاوبًا.
التوظيف في عصر الذكاء الاصطناعي: المهارة أولًا
السؤال الذي يفرض نفسه: هل يصبح إتقان الذكاء الاصطناعي شرطًا أساسيًا للتوظيف مستقبلًا؟ الخوتاني يرى أن ذلك بات واقعًا بالفعل.
يؤكد الخوتاني قائلا:"نحو 43 بالمئة من التنفيذيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل يومي، ولذلك فهم يبحثون عن مرشحين يمتلكون خبرة في هذا المجال عند التوظيف"، مشيرًا إلى أن المهارات الرقمية والقدرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت من المعايير الأساسية في عمليات التوظيف الحديثة.
تجربة العملاء في عصر الذكاء الاصطناعي
في ضوء هذه التحولات، يتبيّن أن تجربة العميل لم تعد تُبنى فقط على "الخدمة"، بل على "الذكاء". الذكاء الاصطناعي أصبح يتيح فهمًا أعمق لسلوك العملاء، ويوفر حلولًا فورية، ويقلل من الأخطاء البشرية، ويُسرّع التفاعل، ما يجعل العلاقة بين المؤسسة والعميل أكثر ديناميكية وفعالية.
كما أن "المساعد الرقمي" لم يعد مجرد روبوت يجيب على الأسئلة، بل أصبح عنصرًا فاعلًا في بناء ولاء العملاء وتحقيق رضاهم.
الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا بل مسار إلزامي
تشير جميع المؤشرات، من دراسات الاستخدام، إلى شهادات المسؤولين التنفيذيين، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد تجاوز كونه أداة ثانوية، ليصبح ضرورة استراتيجية للشركات والأفراد على حد سواء.
فمن تحسين تجربة العملاء، إلى رفع كفاءة العمليات، إلى إعادة تعريف الوظائف، الذكاء الاصطناعي يفرض واقعًا جديدًا: من يتقنه سيتقدّم، ومن يتجاهله قد يتخلّف.
ولعل أبرز ما يؤكده المشهد اليوم هو أن بيئة العمل لن تعود كما كانت. الموظف الذكي لم يعد من يعتمد على ذكائه الفردي فقط، بل على ذكاء الآلة، وتعاونهما معًا هو ما سيحدد مستقبل الإنتاجية والنجاح.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"