أخبار عاجلة

السباح يعيد الاعتبار إلى "تاريخ ترغة‎"

السباح يعيد الاعتبار إلى "تاريخ ترغة‎"
السباح يعيد الاعتبار إلى "تاريخ ترغة‎"

صدر، حديثا، للباحث الدكتور يونس السباح تحقيقه لكتاب “تاريخ قرية ترغة”؛ وهو عمل علمي يُعيد إلى الواجهة مخطوطا نادرا من تأليف القاضي العلامة محمد بن المفضل الترغي، أحد أعلام منطقة غمارة في شمال المغرب.

ويشكل هذا الإصدار لحظة تاريخية مهمة، أعاد فيها المؤلف والمحقق معا الاعتبار لمكانة ترغة، البلدة الساحلية العريقة، المعروفة بجمال شاطئها اليوم، والمنسية في كتب التاريخ العامة، رغم ما تختزنه من عراقة ضاربة في عمق الزمان.

ويجمع الكتاب، وفق معطيات توصلت بها هسبريس، بين السيرة الذاتية والتأريخ المحلي والتّوثيق الاجتماعي والدّيني، ويحقّق ندرة في صنف الكتابة المغربية؛ إذ قلّ أن نجد مؤلفا من أبناء المنطقة يدوّن عن قريته بهذا التفصيل، بل قلّ أن نقرأ عملا يستنطق المكان من الداخل، ويصغي إلى ذاكرته، دون وسائط ولا ترجمات من خارج التربة التي نشأ فيها المؤلف. فقد كان القاضي محمد بن المفضل من أهل ترغة، ابن ترابها وبحرها وزواياها وأسواقها، فدوّن تاريخها لا كهاوٍ، بل كشاهد عيان، وكمؤرخ عرف ما يكتب، وأدرك ما ينبغي حفظه من الضياع.

وانطلق المحقق في قسم أول من الكتاب بتقديم واف عن المؤلف، فتتبّع اسمه ونسبه، وذكر تفاصيل ولادته ونشأته الأولى، ومراحل تعليمه في ترغة ثم بتطوان، وعرّف بشيوخه الذين نهل عنهم، ثم تطرّق إلى مناصبه ووظائفه في سلك القضاء، متتبعا أثره في الحياة العلمية والفقهية، قبل أن يعرض لمؤلفاته الأخرى، ثم وفاته ومكان دفنه.

بعد ذلك، عرض لقيمة الكتاب، فأثبت نسبته إلى مؤلفه، وبيّن مضامينه، متحدثا عن أهميته العلمية والتاريخية، ومصادره المتنوعة، وأرفق ذلك بوصف دقيق للنسخة الخطية المعتمدة في التحقيق.

أما القسم الثاني، فهو جوهرة الكتاب وروحه، وفيه ينساب النص الأصلي المحقق، حيث تسير ترغة من بين السطور، كأنها تتكلم بلسان أهلها، وتكشف عن مكنونات لا يعرفها إلا من عاشها. بدأ النص بوصف موقع ترغة الجغرافي، ثم تدرج في سرد تواريخها القديمة، مستعرضا محطاتها في العهد الإدريسي، وذكر مسجدها الجامع وزواياها، وأشرافها، وأسماء الأسر العريقة التي سكنت بها. ولم يغفل المؤلف الجانب البحري، بل خصّه بفصول تتناول ترغة كميناء صغير، ومراكبها الشراعية، وربابنتها وصناعة القوارب، ووسائل الدفاع البحرية، في مشهد يبرز التوازن بين البحر والجبل في هوية البلدة.

وامتد السرد إلى الحياة الدينية والاجتماعية، حيث ورد ذكر العلماء والصلحاء المدفونين بها، والخطباء الذين تعاقبوا على منبرها، والعدول والقضاة، وأخبار الأحباس، وتقليد ختمة القرآن، والنذور، والاحتفال بالمواسم الإسلامية. ثم تطرق إلى ملامح من الحياة اليومية من قبيل الأعراس، ولائم الطعام، زيّ النساء، تقاليد تجهيز الموتى، وحجّ بيت الله الحرام، مشيرا إلى ما عرفته ترغة من أيام السّيبة والتقاتل بين الأسر، ثم ما تعرضت له من حيف وظلم، ومن لجأ إليها من أبناء القبائل المجاورة هربًا من جور الولاة.

وتتجاوز أهمية هذا العمل التحقيق العلمي الرصين إلى وظيفته الثقافية والتاريخية، فهو كتاب تعريفي بمنطقة تكاد تختزل في حاضرها السياحي؛ في حين أنها تملك رصيدا حضاريا وروحيا غزيرا، يروي قصة مجتمع حيّ، متدين، مزارع، تاجر، صياد، عاش في توازن بين الأرض والبحر، بين العلم والصلاح، وبين الدولة والزاوية.

ويمثل صدور الكتاب في هذا التوقيت استعادة لذاكرة تُوشك أن تنسى، وإحياء لوعي تاريخي محلي، في زمن تتقلص فيه الهويات إلى ما تقوله الصور السريعة، وتغيب فيه التفاصيل الدقيقة التي تصنع الجوهر.

ومن خلال هذا الكتاب، أورد المحقق، تتكلم ترغة بلغتها الخاصة، دون وسيط، فتعيد رسم ملامحها القديمة، وتنهض من بين الوثائق، لتقول إنها ليست مجرد شاطئ جميل، وإنما ذاكرة حيّة تستحق أن تُصان، وتاريخ عميق يجب أن يُروى. فكل من قرأ هذا العمل لا يخرج منه إلا وقد تغيّرت نظرته إلى تلك الرقعة الساحلية الوادعة، وامتلأت ذاكرته بأسماء أهلها، وأصوات خطبائها، وهمسات نسائها، وصفوف طلبة الكتاتيب وهم يتلون كتاب الله بين زواياها العتيقة.

وشدد السباح على أن “تاريخ ترغة” أكثر من مجرد شهادة على الماضي، وإنما وثيقة للغد، وسفر في حبّ القرية، ودرسٌ في أن نكتب عن ترابنا، قبل أن يمحى.

حري بالذكر أن كتاب “تاريخ قرية ترغة” صدر عن دار النشر سليكي أخوين بطنجة، بدعم من وزارة الثقافة المغربية، ويقع في 138 من القطع المتوسط.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تفاصيل اجتماع المجلس التنفيذي لمحافظة أسيوط اليوم
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية