أخبار عاجلة
وكيل حامد حمدان: انتقاله للزمالك فرحة شعب ... -

بوكماز وتيگوگين..

بوكماز وتيگوگين..
بوكماز وتيگوگين..

في خضم الجدل المحتدم حول مسيرة بوكماز الاحتجاجية، احتلت صورة زعامة رئيس جماعة تبّانت خالد تيگوگين للمسيرة، بإقليم أزيلال، واجهة النقاش العمومي. فانطلقت الأصوات المناصرة تُصفّق لهذا الأخ “المجاهد” و”المناضل” كما تراه وتحسبه، وتُثني على شجاعته في الاصطفاف ميدانيًا إلى جانب الساكنة. وفي المقابل، تعالت أصوات المنتقدين والمشكّكين في نواياه، معتبرين أن تحرّكه لا يبتعد كثيرًا عن حسابات حزبه، حزب العدالة والتنمية، الذي اعتاد تحريك أوراقه الانتخابية باكرًا، ولعبها على طاولة صراع انتخابي لا تهدأ تردّداته؛ كما هي عادة مختلف الأحزاب التي تسعى إلى الاستثمار في معاناة ومقاساة الأصوات الانتخابية المهمّشة، المُقصاة والمنسية.

بوكماز… حين يهزم الأقدامُ أوهامَ المنع

من حق السيد خالد تيگوگين، رئيس جماعة تبّانت، أن يتزعم المسيرة ويقود سكان بوكماز مشيًا على الأقدام حتى مقر عمالة أزيلال ليقدّم لعامل الإقليم الملف المطلبي لساكنة بوكماز. وليس من حق قائد قيادة بوكماز أن يمنع المسيرة السلمية المتشحة بصور الملك والأعلام الوطنية، بل ليس من حق عامل إقليم أزيلال أن يعطي تعليماته للدرك الملكي بالإقليم لمنع تقدم المسيرة نحو مقر العمالة على متن السيارات والشاحنات، وليس من حقه أن يجبر المتظاهرين السلميين على النزول منها والاستمرار في الزحف مشيًا على الأقدام. لأن هؤلاء المتظاهرين السلميين البسطاء أكملوا زحفهم رغم المنع، ووصلوا إلى مقر عمالة أزيلال واعتصموا أمام بوابتها، فاضطر العامل إلى محاورتهم والاستماع إلى مطالبهم وتقديم وعود بتحقيقها عاجلًا وليس آجلًا. وهكذا اتضح في نهاية المطاف أن قرار المنع ومحاولات عرقلة نجاح المسيرة الاحتجاجية السلمية قد باءت بالفشل.

وهنا يفرض الواقع طرح الأسئلة التالية:

لماذا لم يبادر عامل إقليم أزيلال إلى الانتقال نحو سكان بوكماز، والاستماع إليهم وإلى مطالبهم في عين المكان، ويوفّر عليهم مشقة قطع المسافات سيرًا على الأقدام إلى أزيلال، ويتفادى في الوقت نفسه هذا الفعل النضالي التصعيدي من ساكنة كانت ستثمّن بادرته وتحفظ له حضوره بينهم وإنصاته لهم، وربما منحت وعوده ثقتها وانتظرت منه الوفاء بها؟

هل الأصل في مهام العمال أن يلزموا مكاتبهم المكيّفة، ويوجهوا تعليمات منع التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية إلى القواد والباشاوات ورجال الأمن، وينتظروا بمنتهى الثقة أن ترفع إليهم تقارير إخبارية تُنبئهم بإفشال تلك المسيرات؟

ما الذي كان سيخسره عامل الإقليم لو أنه اعتلى سيارته الفارهة بلا موكب رسمي، وولى وجهه ناحية بوكماز، وأنصت للناس وهمومهم وانشغالاتهم البسيطة التي لا تتعدى تعيين طبيب بالمستوصف الصحي لجماعة تبّانت، وتغطية الدواوير بشبكة الهاتف والإنترنت، وتوسيع الطريق الجهوية نحو أزيلال، وبناء ملعب كبير؟

لماذا حاول منع المسيرة السلمية بكل الأشكال والطرق؟ هل هي توجيهات أُعطيت له من وزارة الداخلية بمنع المسيرة، أم أن الأمر يتعلق باجتهاد شخصي وقرار انفرادي معزول عن توجهات الوزارة، في ظل ما بتنا نشهده من اجتهادات فردية وقرارات انفرادية باتت تطبع وتُميّز تدخل بعض رجال السلطة في الآونة الأخيرة؟

وحتى لا نُسقط حركة ساكنة بوكماز في خانة المقارنة السطحية مع حراك الريف وغيره من الحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، تجدر الإشارة إلى معطى أساسي: هذه المسيرة السلمية كانت مؤطرة برمزية صور الملك والأعلام الوطنية، وقادها رئيس المجلس الجماعي المنتمي لحزب العدالة والتنمية. بمعنى أنها لم تكن مجرد تحرك عفوي، بل شكلت تعبيرًا احتجاجيًا مؤطرًا ومسنودًا بمؤسسة دستورية منتخبة أوكلت لها مهمة تمثيل الساكنة، والترافع باسمها، والدفاع عن مطالبها في الإطار القانوني والمؤسساتي.

لذلك، على الذين حاولوا الاصطياد في المياه العكرة لهذه الحركة السلمية المؤطرة أن يستوعبوا الدرس جيدًا، وأن يدركوا خطورة الحركات غير المؤطرة أو الرافضة لأي تأطير حزبي أو جمعوي، وتلك التي تعلن صراحة فقدانها الثقة في الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.

عليهم أن يحمدوا الله ويشكروه على أن هناك حزبًا سياسيًا نجح في استيعاب هذه الحركة وتأطيرها، بغضّ النظر عن توظيف المسيرة سياسيًا والاستفادة منها انتخابيًا.

لأن الخطر الذي هدد المغرب، وقد يهدده مستقبلًا، هو خروج حركات احتجاجية لا تعترف بالمؤسسات الدستورية، وتشُكّك في كل شيء، بما في ذلك الإدارات الترابية، ومجالس الجماعات والأقاليم والجهات، والأحزاب، والنقابات، وهيئات المجتمع المدني، وذلك في ظل ارتفاع منسوب فقدان الثقة في هذه الكيانات التي وصفها ناصر الزفزافي بـ”الدكاكين السياسية”.

تيگوگين… الزعامة على الأقدام والحصيلة على الورق

في ظاهر الصورة، تبدو حركة خالد تيگوگين، رئيس جماعة تبّانت بوكماز، رومانسية إلى أبعد الحدود، وترسم له بورتريهًا لافتًا وساحرًا، يُظهره في صورة الرئيس الزعيم والمناضل الميداني الذي لا يكتفي بالجلوس في مكتبه ووضع مؤخرته على الكرسي، بل يخرج ليقترب من الناس، ويعبّر عن اصطفافه معهم، وعن استعداده للذهاب حتى البحر إن تطلّب الأمر ذلك، كما صرّح بذلك بنفسه ذات مرة، وكما عبّر عن حرقته وانشغاله بشباب بوكماز خلال إحدى مداخلاته في البرلمان إبّان الولاية التشريعية (2015-2021):

((أرجوكم، كفى تسييسًا للتنمية في العوالم القروية… لأننا بدأنا نُربّي جيلًا واحدًا خطيرًا، خطير على الوطن، يطرح الأسئلة الخاطئة في السياق الخاطئ. كيف سنردّ على شباب العالم القروي حين يسأل: “ما الذي سأستفيده من إفريقيا؟”، في حين أن إفريقيا هي المستقبل. وكيف سنُقنع شابًا قرويًا يقول اليوم في العالم القروي: “ما بقاش عندي الجهد من كثرة آلامي وأحزاني باش نتضامن مع القضايا ديال الأمة ومقدساتها؟”.))

لقد طرح خالد تيگوگين، النائب البرلماني عن فريق حزب العدالة والتنمية آنذاك، أسئلته الحارقة والملغومة معًا تحت قبة البرلمان، ثم مضى إلى حال سبيله دون أن يتوقف أحد من الأغلبية أو المعارضة عند جوهر وكنه ومرامي تلك الأسئلة التي نطق بها بملء فمه، موجّهًا أصابع نقده غير المباشر إلى “السياسة الملكية نحو إفريقيا”، وواضعًا “قضايا الأمة ومقدساتها” في ميزان المقارنة بينها وبين قضايا أخرى رأى تيگوگين أنها قادرة على مزاحمتها في سلّم الأولويات. وبعبارة أدق، لقد وضع تيگوگين “السياسة الملكية نحو أفريقيا” و”قضايا الأمة” على كفّ عفريت، ثم رحل عن البرلمان في انتخابات الثامن من شتنبر 2021، متأبطًا هزيمة حزبه وفشله، هو، في انتزاع إجابات حارقة وملغومة من الجهة الأخرى المستهدفة بسؤال التوجّه نحو إفريقيا وقضايا الأمة.

خالد تيگوگين، النائب البرلماني السابق عن بوكماز ورئيس جماعة تبّانت الحالي، والمنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الذي لم يتجرّع بعد مرارة الهزيمة المدوّية في انتخابات شتنبر 2021، وجد في السياق السياسي المغربي المطل على الاستحقاقات الانتخابية القادمة، هامشًا واسعًا للمناورة والاستثمار في خيبات الساكنة، وفي انكسار أملها في انتزاع مطالبها العادلة التي رفعتها إلى عامل الإقليم ولا تزال تنتظر تحققها على أحرّ من الجمر.

لكن هذا لا يمنعنا من طرح أسئلة مشروعة على السيد خالد تيگوگين، بصفته نائبًا برلمانيًا سابقًا ورئيسًا لمجلس جماعي حاليًا:

ما هي حصيلة عملك كنائب برلماني عن منطقة بوكماز؟

ألم تستفد من وجود وزراء من حزبك وحزب التقدم والاشتراكية خلال الولاية الحكومية السابقة؟

ما هي قائمة المشاريع والتمويلات التي جاد بها عليك وزراء حزبك؟

ألم تستفد من اتفاقية شراكة مع وزارة السكنى في عهد نبيل بنعبد الله، والتي يوثقها مقطع فيديو على يوتيوب تشكر فيه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على الدعم والتمويل؟

كيف تتحدث عن عشر سنوات من المعاناة وقد كنت النائب البرلماني الذي يُفترض فيه الترافع عن قضايا ساكنة بوكماز وانشغالاتها ومطالبها العادلة؟

أليس من العيب أن تفشل، كنائب برلماني، في تحقيق مطالب أساسية بسيطة مثل تعيين طبيب لمستوصف تبّانت، وتعميم شبكة الهاتف والإنترنت، وتوسعة الطريق الجهوية؟

ما الذي كنت تصنعه طيلة ولايتك البرلمانية؟

والسؤال الأهم والأكبر هو:

ألست أنت من تتحمّل مسؤولية إعداد برنامج عمل جماعة تبّانت بصفتك رئيسًا لها؟

وهل قمت بتضمين برنامج عمل الجماعة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية بالنسبة لساكنة بوكماز، بما يتيح للمجلس الإجابة على مطالبها الملحّة التي خرجت من أجلها ونظّمت المسيرة الاحتجاجية؟

أغلب الظن أن السيد خالد تيگوگين يجهل أو يتجاهل أن برنامج عمل الجماعة يُمثّل “الوثيقة المرجعية لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية التي تهدف إلى توفير خدمات القرب للمواطنات والمواطنين”.

ربما نسي أو تناسى أن إعداد هذا البرنامج اختصاص ذاتي للجماعة، “يتم إعداد إعداده خلال السنة الأولى لانتداب المجلس. وفيه يتم تقرير مشاريع التنمية المزمع إنجازها من قبل الجماعة خلال ست سنوات. كما يتم، تتبعه، تحيينه وتقييمه تحت إشراف رئيس المجلس (المواد 78 إلى 82، قانون 14-113)”.

ولعله لم ينتبه أو تغاضى عن أن برنامج العمل، “بحكم كونه أداة للتنمية، يحدد برنامج عمل الجماعة الحاجيات والأولويات التنموية، ويتضمن تقييما للموارد والنفقات. كما يتم إعداده في إطار مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع والبعد البيئي والتنمية المستدامة وهذا بالتوافق مع المرجعية القانونية. ويستند في ذلك على إطار تنظيمي وعلى مناهج ومبادئ عمل محددة بصفة جيدة”.

كيف لرئيس جماعة ترابية أن يتزعّم مسيرة احتجاجية ويتبنّى مطالب ساكنة منحته أصواتها في انتخابات 8 شتنبر 2021، ليمثلها وينوب عنها ويترافع باسمها محليًا وإقليميًا وجهويًا وحتى مركزيًا، بهدف تحقيق مطالبها، وفكّ العزلة عنها، وتحريرها من أشكال الإقصاء والتهميش التي تتعرض لها؟

وإذا أردنا قراءة هذه “مسيرة الاحتجاجية” ووضعها في سياقها الحقيقي، فلن يكون من المبالغة التأكيد على أنها تُعدّ اعترافًا من لدن رئيس الجماعة خالد تيكوكين بفشله في الوفاء ببرنامجه الانتخابي، وفشله في الالتزام بتحقيق مشاريع برنامج عمل الجماعة، وفشله، بالتالي، في تحريك عجلة التنمية، وتوفير أبسط شروط العيش الكريم لساكنته.

لأن اللجوء إلى تنظيم مسيرة احتجاجية بذلك الحجم إنما هو رسالة واضحة موجّهة في المقام الأول إلى رئيس المجلس والنائب البرلماني السابق خالد تيكوكين، قبل أن تكون المسيرة ذاتها إنذارًا لعامل إقليم أزيلال الذي أخفق بدوره في الاستجابة لمطالب الساكنة، ولم يجد بُدًّا من الاعتراف بمشروعيتها بعدما بلغ المحتجون أبواب العمالة، واضطر إلى التحاور معهم وإقناعهم بفض الاعتصام، مقابل وعود بتحقيق المطالب التي قطعوا من أجلها المسافات مشيًا على الأقدام.

تيگوگين… من زعامة الجوع والعطش إلى سؤال الجريمة والعقاب

قد يصدّق من ذهبوا إلى حدّ رسم صورة البطل المقدام لخالد تيگوگين، الذي تزعم مسيرة بوكماز، فوصفها أنصاره ومعجبوه ـ عن جهل أو مبالغة ـ بأنها مسيرة الجوع والعطش، وشبّهوها بحراك الريف “المبارك” وجرادة وغيرها من الحركات الاحتجاجية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة.

وقد يصدّق، أيضًا، من فسّروا تزعّمه لتلك المسيرة بأنها محاولة بئيسة للاستثمار في بؤس الناس وخيباتهم وانتكاساتهم، ونحن على أعتاب الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وقد يصدّق، كذلك، من بالغوا فذهبوا حدّ اتهامه بمحاولة استنساخ حراك الريف ببداياته ونهاياته، واللعب بمأساة ساكنة والمقامرة بمصير دولة، فقط ليجيب عن السؤال القديم المتجدّد: «من الأولى: غزة أم تازة؟»، وليُشفي حزب العدالة والتنمية غليله من خصومه الذين يعتقد أنهم كانوا وسيكونون عقبة في طريقه نحو البرلمان والجماعات الترابية في الاستحقاقات المقبلة.

غير أن الحقيقة الثابتة والمؤكدة، هي أن خالد تيگوگين لن يفلت، بهذه المناورة أو المراوغة السياسية، من المساءلة والمحاسبة، شأنه في ذلك شأن قائد بوكماز، وعامل إقليم أزيلال، ووالي جهة بني ملال – خنيفرة، وكل من أسهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تعميق جراح وآلام ساكنة بوكماز واضطرّهم إلى قطع المسافات سيرًا على الأقدام من أجل طبيب، وشبكة هاتف وإنترنت، وطريق جهوية تليق بكرامتهم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق برامج علاج طبيعي للأطفال ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل بالإسماعيلية
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية