ديون الأسر تربك البنوك الصينية.. صعوبات في تحفيز الإقراض الاستهلاكي رغم التوجيهات الحكومية

ديون الأسر تربك البنوك الصينية.. صعوبات في تحفيز الإقراض الاستهلاكي رغم التوجيهات الحكومية

تواجه البنوك الصينية ضغوطًا متزايدة لتنفيذ توجيهات بكين الهادفة إلى تعزيز الإقراض الاستهلاكي وتحريك الطلب المحلي، في وقت تتفاقم فيه معدلات التعثر وصعوبة العثور على أسر تتمتع بملاءة مالية كافية.

وبدأت الجهات التنظيمية منذ مارس الماضي إصدار تعليمات للبنوك لزيادة حجم القروض الشخصية بأسعار فائدة منخفضة، في مسعى للتخفيف من آثار الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة وتحفيز الاقتصاد الداخلي.

أسعار فائدة منخفضة لكن الإقبال ضعيف

دفع الضغط الحكومي البنوك لطرح قروض استهلاكية بفوائد قياسية وصلت أحيانًا إلى أقل من 3%، إلا أن ضعف الإقبال وارتفاع الديون المتعثرة دفع العديد من البنوك لإعادة رفع الفائدة جزئيًا حفاظًا على هوامش أرباحها.

وأشارت وكالة «رويترز» إلى أن مديري القروض يواجهون صعوبة في استقطاب مقترضين جدد، وسط استمرار المخاوف بشأن استقرار دخول الأسر، لاسيما بعد تخفيضات الأجور التي طالت قطاعات واسعة من الصناعة والخدمات وحتى القطاع الحكومي.

البنوك بين مطرقة الأهداف وسندان التعثر

كشف عدد من مسؤولي البنوك الحكومية أن الموظفين يواجهون ضغوطًا شديدة لتحقيق حصص الإقراض، في ظل ارتفاع معدلات التخلف عن السداد. ويضطر بعضهم –وفقًا لروايات نقلتها «رويترز»– إلى الاقتراض من بنوك أخرى لاستيفاء الأهداف المحددة لهم.

بيانات رسمية تكشف التباطؤ

تشير أرقام البنك المركزي إلى أن نمو الإقراض الاستهلاكي تباطأ إلى 6.1% خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بـ8.7% في نفس الفترة من العام السابق و11% قبل عامين، ما يعكس صعوبة توسع البنوك في التمويل الشخصي.

ورغم بقاء نسبة القروض المتعثرة مستقرة نسبيًا عند 1.51% للبنوك التجارية بنهاية مارس الماضي، فإن القلق يتركز على القروض الشخصية التي سجلت زيادات كبيرة في معدلات التعثر. وتُظهر البيانات الرسمية أن البنوك التجارية الريفية الصغيرة هي الأكثر تضررًا بنسبة ديون متعثرة بلغت 2.86% مقابل 1.22% فقط لدى البنوك الكبرى المملوكة للدولة.

طفرة في بيع القروض المتعثرة

في إشارة واضحة إلى تعمق الأزمة، بلغ إجمالي القروض المتعثرة التي عرضتها البنوك الصينية للبيع في الربع الأول نحو 74.27 مليار يوان (10.34 مليارات دولار)، بزيادة ضخمة وصلت إلى 190% مقارنة بالعام السابق، وكان نحو 70% منها قروضًا شخصية.

الاقتصاديون: التحفيز عبر الدخل أكثر استدامة

يرى خبراء اقتصاد أن الاعتماد على التوسع في الإقراض الاستهلاكي ليس حلاً طويل الأجل. وقال لين سونغ، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في «ING»، إن «الاستهلاك المدفوع بنمو الدخل هو الخيار الأفضل لتعافٍ اقتصادي مستدام»، مشيرًا إلى أن رفع دخول الأسر يتطلب إجراءات إنفاق أكبر من الحكومات المحلية المثقلة بالديون أصلًا.

وتُظهر استطلاعات البنك المركزي الصيني أن 61.4% من الأسر الصينية تخطط لزيادة مدّخراتها بدلاً من التوسع في الاقتراض، وهو ما يعكس تراجع ثقة المستهلكين رغم توفر قروض منخفضة الفائدة.

مخاوف من وتيرة ارتفاع القروض المتعثرة

رغم أن مستويات ديون الأسر الصينية تقل نسبيًا مقارنة بالاقتصادات الكبرى، إذ تبلغ نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 70% في الولايات المتحدة وأكثر من 90% في كوريا الجنوبية، إلا أن وتيرة نمو القروض المتعثرة تمثل مصدر القلق الرئيسي للبنوك وصانعي السياسات معًا.

البنوك الإقليمية الأكثر تضررًا

أبرزت البيانات أن البنوك الصغيرة والإقليمية هي الأكثر تعرضًا لهذه المخاطر؛ إذ قفزت نسبة القروض المتعثرة لدى «بنك بوهـاي» من 4.44% إلى 12.37% خلال عام واحد فقط، بينما ارتفعت لدى «بنك هاربين» من 3.94% إلى 5.51%. وفي المقابل، ارتفعت النسبة لدى «بنك الصناعة والتجارة الصيني» –أكبر بنك تجاري عالميًا– إلى 2.39% بنهاية 2024 مقارنة بـ1.34% قبل عام.

اتجاه المستهلكين للادخار يزيد التحديات

يرى خبراء مثل كريستوفر بيدور من «Gavekal Dragonomics» أن التحدي الأساسي يكمن في تباطؤ نمو الدخل وما يرافقه من حذر المستهلكين، مما يقلل شهية الاقتراض رغم وفرة العروض.