تواضروس ,’ في كلمة مؤثرة ومليئة بالدلالات التاريخية والروحية، تحدث قداسة البابا ن عمق الشهادة في المسيحية ودورها المحوري في ترسيخ الإيمان واستمرار الكنيسة عبر العصور. وأكد أن الإيمان المسيحي صمد في وجه كل التحديات عبر تاريخ طويل من الاضطهادات، مشيرًا إلى أن دماء الشهداء وتعاليم التلمذة هي ما حفظا هذا الإيمان حيًا وراسخًا.

البابا تواضروس الشهادة في المسيحية: عظة حية وجذور خالدة
قال البابا إن الشهادة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي عظة حية تعكس قوة الإيمان واستعداده للتضحية. فالمسيحية لم تنتشر بالراحة أو القوة، بل سُقيت بدماء الشهداء وعرق المجاهدين في الروح، وهو ما أعطاها صلابة روحية وقدرة على البقاء والصمود في وجه كل أنواع الاضطهادات. وأشار قداسته إلى أن بداية قصة الشهادة تعود إلى عام 301 ميلادي، مع تولي البابا بطرس الأول المعروف بلقب “خاتم الشهداء” الكرسي المرقسي، إذ شهد عهده نهاية موجات الاستشهاد الأولى.
كما لفت إلى ظهور بذور الرهبنة في مصر خلال هذه المرحلة، حيث بدأت حياة الصلاة والنسك تتشكل في البراري والصحاري، فيما يُعرف بالاستشهاد الأبيض، وهو نوع آخر من الشهادة عبر الزهد والتفرغ الكامل لله، كما أشار إليه قانون الإيمان بعبارة “تهليل الصديقين”.

منشور ميلان وبدعة آريوس: مفترقات تاريخية
انتقل قداسته للحديث عن نقطة التحول الكبرى التي حصلت عام 313 ميلادي، حين أصدر الإمبراطور قسطنطين “منشور ميلان” الذي أتاح حرية العبادة، واعترف بالمسيحية كديانة شرعية إلى جانب الأديان الوثنية. أدى ذلك إلى فترة من السلام استمرت نحو 12 عامًا، لكنها لم تخلُ من التحديات العقائدية.
في تلك الفترة ظهرت بدعة آريوس، الذي أنكر ألوهية السيد المسيح واستغل الأناشيد والأغاني في نشر أفكاره. وواجه البابا ألكسندروس هذه البدعة في مجمع محلي بالإسكندرية حضره مئة أسقف، حيث تم حرمان آريوس. لكن الأزمة تطورت، ما اضطر الإمبراطور قسطنطين إلى الدعوة لعقد مجمع نيقية المسكوني عام 325 ميلادي، بمشاركة 318 أسقفًا، منهم البابا ألكسندروس وتلميذه الشماس أثناسيوس، الذي أصبح لاحقًا البابا أثناسيوس الرسولي، المدافع عن العقيدة الأرثوذكسية.

البابا تواضروس التلمذة الروحية سر الاستمرارية وثبات التعليم
اختتم قداسته حديثه بالتأكيد على أن صمود الإيمان المسيحي لا يقتصر على مقاومة الاضطهاد فقط، بل يشمل أيضًا التلمذة الروحية والتعليم الصحيح. فقد كان البابا أثناسيوس تلميذًا للبابا ألكسندروس، الذي بدوره تتلمذ على يد البابا بطرس الأول، وهو ما يدل على الامتداد العقائدي والتسليم الرسولي من جيل إلى جيل.
وأوضح قداسته أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لا تزال تحفظ هذا التسلسل في التعليم والتلمذة، ما يمنحها الثبات في مواجهة أي انحراف أو تحدٍ روحي. فالإيمان الذي بدأ بالشهادة، استمر بالتلمذة والتعليم، وظل قويًا بفضل الصلوات والرهبنة والاستعداد الدائم للشهادة من أجل المسيح.