شهد سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري تغيرًا نوعيًا منذ مطلع عام 2025، إذ انكسر الاتجاه التصاعدي الذي استمر لسنوات، لتبدأ العملة المحلية في استعادة جزء من قوتها، في تحرك مفاجئ حمل في طياته دلالات اقتصادية عميقة.
هذا التحول لم يكن مجرد تراجع عابر في سعر الصرف، بل عكس تغيرا هيكليا مدفوعا بحزمة من الإجراءات الإصلاحية، التي بدأت تنعكس تدريجيا على أداء الجنيه في مواجهة العملات الأجنبية، وسادت تساؤلات حول مدى استدامة هذا الاتجاه، فهل نشهد بداية مرحلة جديدة من الاستقرار والصعود، أم أن ما يحدث مجرد هدنة مؤقتة في مسار طويل من التقلبات؟
هل يواصل الجنيه المصري الصعود أمام الدولار؟

وفي هذا السياق، توقع هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، أن يشهد الجنيه المصري موجة صعود متواصلة أمام الدولار خلال الفترة المتبقية من عام 2025، بدعم من متغيرات دولية وإقليمية متزامنة تخلق مناخًا مواتيًا لتحسن أداء العملة المحلية.
وأوضح “جنينة”، في تصريحات تليفزيونية، أن الاتجاه العام للجنيه المصري خلال هذا العام يسير في مسار تصاعدي مقابل الدولار، وهو ما يتقاطع مع تراجع قيمة العملة الأمريكية على الصعيد العالمي، حيث وصف وضع الدولار بأنه يمر بـ"حالة من شبه الانهيار" أمام عدد من العملات الرئيسية، على رأسها اليورو.
وأشار إلى أن هذا التراجع الحاد في قيمة الدولار أمام اليورو يحمل انعكاسات إيجابية مباشرة على الاقتصاد المصري، موضحًا أن مصر ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع الاتحاد الأوروبي، الذي يمثل نحو ثلث حجم التبادل السلعي من صادرات وواردات، فضلًا عن أن الشريحة الأكبر من السياحة الأجنبية الوافدة إلى البلاد تأتي من دول الاتحاد.
انخفاض قيمة الجنيه أمام اليورو تدعم الصادرات لأوروبا
وأكد أن الجنيه المصري لا يزال منخفضا أمام اليورو بنسبة تقارب 11%، ما يُكسب المنتجات المصرية ميزة سعرية على مستوى الصادرات، ويعزز من تنافسية مصر في الأسواق الأوروبية، كما يشجع على تدفقات سياحية واستثمارية أكبر، ما ينعكس بدوره في صورة دعم مباشر للاحتياطي النقدي ويمنح الجنيه دفعة جديدة نحو الاستقرار والتحسن.
ولفت جنينة إلى أن هذا المسار الإيجابي يخلق فرصًا حقيقية لتدفقات نقدية إضافية إلى السوق المصرية، سواء عبر قطاع السياحة أو الاستثمارات أو تحويلات العاملين بالخارج، ما يؤدي إلى دعم الهيكل النقدي وتعزيز الطلب على الجنيه، على حساب الدولار.
واختتم جنينة تصريحاته بالإشارة إلى أن تحسن الجنيه أمام الدولار قد يستمر بوتيرة تدريجية خلال الأشهر المقبلة، مرجحًا أن يتراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه ليصل إلى 47 أو 48 جنيهًا كحد أقصى بنهاية عام 2025، إذا استمر هذا الزخم الإيجابي على المستويين المحلي والعالمي.

أسباب تحسن قيمة الجنيه في مصر 2025
موجة التعافي التي شهدها الجنيه المصري مؤخرًا أمام الدولار، انعكست بشكل مباشر على السوق المصرفية ومعدلات التضخم، فهذا التحسن لم يأتِ من فراغ، بل جاء مدفوعًا بجملة من المتغيرات الاقتصادية النوعية، أبرزها تنامي تدفقات العملة الصعبة، وتحديدًا من المصريين العاملين بالخارج، فضلًا عن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمستويات غير مسبوقة، ما عزز قدرة الدولة على تلبية احتياجاتها التمويلية وخفّض الضغوط على سوق الصرف.
كما لعب استقرار مناخ الاستثمار والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية دورًا جوهريًا في ترسيخ الثقة بالجنيه، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، ومن الأسباب التي لعبت دورا كبيرا في تحسين قيمة الجنية أمام الدولار في عام 2025 الآتي:
طفرة غير مسبوقة في تحويلات المصريين بالخارج
في تحول يعد من أبرز مؤشرات استعادة الثقة، سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزة استثنائية خلال العشرة أشهر الأولى من العام المالي 2024/2025 (من يوليو حتى نهاية إبريل)، بعدما ارتفعت بنسبة 77.1%، لتصل إلى نحو 29.4 مليار دولار، مقارنة بـ16.6 مليار فقط خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.
هذه القفزة الكبيرة تعكس عاملين رئيسيين، الأول هو استعادة الثقة في الجهاز المصرفي المصري كقناة آمنة ومستقرة لتحويل الأموال، والثاني هو إيمان المصريين بالخارج بصلابة الاقتصاد المحلي وقدرته على التعافي والنمو.
المثير في الأمر أن هذا الارتفاع لم يكن منتظمًا على مدار الشهور، بل ظهر بشكل مفاجئ خلال فبراير الماضي تحديدًا، حيث اقتربت التحويلات خلاله من 3 مليارات دولار، مقابل 1.3 مليار في نفس الشهر من العام السابق، في دلالة واضحة على فعالية الرسائل الإيجابية التي صدّرتها الدولة للمستثمرين والمغتربين، وعلى رأسها استقرار السياسات النقدية والمالية، والتحرك الجاد نحو جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
احتياطي النقد الأجنبي يسجل أعلى مستوياته منذ سنوات
في مؤشر آخر على التعافي، ارتفع الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري ليصل إلى 48.5 مليار دولار بنهاية مايو 2025، محققا زيادة تتجاوز مليار دولار منذ بداية العام.
هذا الارتفاع لم يكن مجرد تحسّن رقمي، بل يعكس تحسنًا فعليًا في مصادر تدفق العملة الأجنبية، والتي تنوعت بين عائدات السياحة، وقناة السويس، والصادرات، والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأسهم هذا النمو في الاحتياطي في تهدئة السوق، وخفّف من وتيرة المضاربة على الدولار، كما ساعد في ترسيخ قناعة عامة لدى المواطنين والمستثمرين بأن الأزمة المالية تقترب من نهايتها، وأن الدولة باتت تملك أدوات مرنة لضبط سوق الصرف وتحقيق استقرار اقتصادي دائم.

هل يستمر الجنيه في طريق الصعود؟
رغم التراجع الكبير في سعر صرف الدولار أمام الجنيه، إلا أن المسار المستقبلي للعملة المحلية لا يزال مرهونًا بعدة عوامل.
ويرى محللون أن استمرار ارتفاع الجنيه مرهون باستدامة تدفق الموارد الدولارية، وزيادة الإنتاج المحلي، واتباع سياسات نقدية صارمة، وهو ما من شأنه أن يحول هذا التحسن إلى حالة دائمة وليست مؤقتة.
في المقابل، لا يستبعد آخرون احتمالات عودة الدولار إلى الانتعاش، ولو بشكل جزئي، نتيجة تقلبات الأسواق العالمية، أو تصاعد التوترات الجيوسياسية، أو التغيرات المفاجئة في أسعار الفائدة عالميًا.
لكنّ الاتجاه العام يشير إلى أن ما يحدث الآن هو نتاج مسار إصلاحي طويل بدأته الدولة المصرية منذ سنوات، وبدأ يؤتي ثماره فعليًا هذا العام، ما يعزز من فرص استمرار صعود الجنيه في الأمد المتوسط، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار النقدي.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.