علمت هسبريس من مصادر جيدة الاطلاع بإطلاق مصلحة تدبير المخاطر المركزية لدى مجموعة بنكية كبرى في الدار البيضاء عملية تدقيق موسعة على مستوى وكالات تجارية مهمة، تابعة لها في العاصمة الاقتصادية، تحديدا في منطقتي عين السبع وسيدي البرنوصي، بعد رصد شبهات تلاعبات خطيرة تتعلق بمنح “تسهيلات الصندوق” (facilité de caisse) لفائدة مقاولات، موضحة أن المعطيات الأولية أشارت إلى شبهات تواطؤ بين موظفين بنكيين ومحاسبين خارجيين ومقاولين مستفيدين، بحيث تم تضليل مصالح معالجة ملفات القروض عبر تقديم بيانات مالية مزورة توحي بسلامة الوضعية المالية للشركات طالبة التسهيلات، قبل أن تحصل على الفئة المذكورة من القروض وتختفي عن رادار مصالح التحصيل بالبنك.
وأفادت المصادر ذاتها ببلوغ قيمة بعض التسهيلات التي جرى السطو عليها بطريقة محكمة، عبر القفز على معايير منح الائتمان والتدابير الاحترازية على مستوى إحدى الوكالات التجارية التابعة، أزيد من 400 ألف درهم، أي 40 مليون سنتيم، موردة أن عمليات التدقيق الجارية من قبل مسؤولي مصلحة تدبير المخاطر المركزية يرتقب أن تفضي إلى ترتيب جزاءات إدارية وتأديبية في حق المتورطين، وإحالة ملفات على الجهات القضائية المختصة، بعد التثبت من شبهات صنع واستعمال وثائق مزورة، والنصب والاحتيال وخيانة الأمانة، وذلك بالتنسيق مع قسم المنازعات والشؤون القانونية بالمجموعة البنكية، التي باشرت التدقيق منذ البداية، بناء على مؤشرات اشتباه واردة ضمن تقارير عمليات افتحاص داخلية Audit interne، شملت وكالات المجموعة، خصوصا الناشطة في تدبير حسابات الشركات.
وأكدت مصادر الجريدة ارتباط عمليات التدقيق الجارية في ملفات مشبوهة بمؤشرات اشتباه واردة عن مصلحة المنازعات Services de contentieux بالمجموعة البنكية الكبرى، بشأن تنامي مستوى القروض معلقة الأداء بذمة زبائن، من الشركات تحديدا، اختفوا وجمدوا إيداعاتهم وسحوباتهم في حساباتهم بشكل مفاجئ، ولم يسددوا أي مبلغ من قيمة التسهيلات التي حصلوا عليها، رغم وجود تقارير “إيجابية” بشأن ملاءتهم المالية عند طلبهم الاستفادة من “تسهيلات الصندوق” في المرة الأولى، مردفة بأن مسيري هذه الشركات حولوا مسار شيكات وكمبيالات إلى مؤسسات بنكية أخرى، وانقطع التواصل معهم بشأن تسوية وضعيتهم الائتمانية، فيما تأكد المدققون من صورية نشاط بعض الشركات المستفيدة من مبالغ قرض مهمة، لم تسدد منها سوى قسطين أو ثلاثة، قبل أن تغير مقر توطينها الضريبي، وتغلق قنوات الاتصال مع الجهة المقرضة.
يشار إلى أن “تسهيلات الصندوق” تعد شكلا من أشكال القروض قصيرة الأجل التي تمنحها البنوك للمقاولات لمساعدتها على تجاوز أزمات السيولة المؤقتة. وتتيح هذه الخدمة سحب مبالغ تتجاوز الرصيد المتوفر داخل حدود معينة يتفق عليها مسبقا؛ ورغم أنها مؤطرة بقواعد القانون المدني وتوجيهات بنك المغرب إلا أن بعض المقاولات تستغلها بشكل غير قانوني، من خلال تقديم بيانات مالية مزورة بتواطؤ مع أطراف أخرى. وقد كشفت تقارير صادرة البنك المركزي والمجلس الأعلى للحسابات عن حالات تحويل هذه التسهيلات إلى قروض مقنعة، علما أن هذه الخدمة تمنح بناء على دراسة الوضع المالي للمقاولة، وغالبا ما تفرض عليها فوائد مرتفعة. ويفترض أن تبقى هذه التسهيلات ظرفية ومحدودة المدة، مع خضوعها لرقابة داخلية صارمة لتفادي سوء الاستخدام.
وكشفت مصادر هسبريس عن قيام عناصر الرقابة الداخلية لدى المجموعة البنكية بالتدقيق بشأن مدى احترام مسؤولين بنكيين الإجراءات الاحترازية وضوابط تدبير المخاطر عند معالجة طلبات قروض واردة عن أشخاص ذاتيين وشركات، مبرزة أن التدقيق شمل مراجعة مدى امتثال المسؤولين المذكورين للسياسات الداخلية وضوابط منح القروض، مع التحقق من سلامة التقييمات الائتمانية وضمانات القروض المعتمدة، ومشددة على أن مهام الافتحاص امتدت إلى التثبت من التزام المسؤولين المعنيين بإجراءات التحقق من الملاءة المالية للزبائن وتقييم مخاطر التعثر.
