بالبلدي: المتحف القومي للحضارة المصرية.. مبادرة من أجل الثقافة والتاريخ

بقلم ✍️ د.خلود خيري
(دكتوراه فى ترميم الآثار،ورئيس معمل ترميم اللوحات الجدارية بالمتحف القومى للحضارة)

يعتبر المتحف القومي للحضارة المصرية أحد أكبر المتاحف في العالم وكذلك المتحف الوحيد من نوعه في مصر والعالم العربي والشرق الأوسط. لانه يضم كل مظاهر الثراء والتنوع التي تمتعت به الحضارة المصرية خلال مختلف العصور بدأ من عصور ما قبل التاريخ وحتى وقتنا الحاضر، ويضم أثاراً نادرة جداً تم تجميعها من المتاحف والمخازن المنتشرة في مصر من خلال أسلوب منهجي، ليبرز جوانب التراث المصري المادي والمعنوي وتأثير الحضارة المصرية علي الحضارات الأخرى التي نشأت وازدهرت علي بنية أساسية من العلوم والمعرفة يرجع الفضل فيها إلي الحضارة المصرية. والمتحف يتيح للزوار أن يتعرفوا أكثر علي الثقافة المصرية وما احتوته من معان عبر العصور. فالمتحف بما يحتويه من مجموعات أثرية وتراثيه يأخذ زائريه في رحلة فريدة خلال حقب التاريخ المصري ويتيح لزائريه أن يتعرفوا علي التاريخ لأقدم حضارات العالم وبمعني أدق دولة في العالم.

بدأ العمل فى بناء المتحف القومى للحضارة فى مدينة الفسطاط عام2004، واستمر وأفتتح للجمهور عام2021. وتبلغ مساحته 89245م2 علما بأن مساحة متحف اللوفر الشهير تقدر ب160106 أمتار مربعة، وجدير بالذكر أن المهندس المعماري المسئول عن المشروع هو “د. الغزالي كسيبة”. والتصميم المعماري للمتحف متوائما مع البيئة المحيطة به، ويرمز للحقب التاريخية التي مرت بها مصر. وله ارتباط وثيق بالمجموعات الاثرية بالمتحف لذلك فإن المظهر الخارجي للمتحف يتسم بالبساطة التي تتناسب كونه مبني يتخطي حدود الزمن، فنرى المتحف علي شكل مربع كبير يذكر من يراه بقاعدة الهرم ومعرض يشبه منحدراَ هرمياَ وقمة المبني تأخذ شكلاَ يؤكد علي هرمية شكل المبني ككل. والمسئول عن تصميم العرض المتحفي هو “أراتاأيزوزاكي” الياباني الجنسية والذي صمم متحف جما الحكومي للفن الحديث ب”تاكاسكي” باليابان وكذلك متحف الفن المعاصر بولاية لوس أنجلوس الأمريكية.

ويضم للمتحف القومى للحضارة، قاعة الممياوات الملكية التي تشتمل على 22 موممياء ملكية وتصميم القاعة مثل المقبرة بجدرانها المظلمة وثنايات جدرانها للانتقال من غرفة للاخرى فقد قيل ان الموميمات قد عادت للحياة بقاعة الموممياوات بالمتحف القومى للحضارة .

والقاعة المركزية: وتشمل علي المعرض الرئيسي للمتحف ” قلب المتحف”، وتعكس فكرة متكاملة عن الحضارة المصرية وأهم ملاحها الأساسية خلال العصور التالية: عصر ما قبل التاريخ، العصر العتيق، العصر اليوناني الروماني، العصر القبطي، العصر الإسلامي، العصر الحديث، العصر المعاصر.

وقاعة النسيج : تهتم بعرض المنسوجات على مر العصور مع وجود ممشى لعارضات أزياء للزى المصرى النوبى والسيناوى والسيوى، وبها العديد من المعروضات الهامة كمنسوج القباطى والذى لا يزال يرتديه القساوسة بالكنائس المصرية حتى الآن.

كما يضم المتحف القومى للحضارة معامل وورش للترميم وتعتبر من أحدث معامل وورش الترميم في العالم والتي تم تصميمها بمشاركة خبراء اليونسكو وتضم أحدث الأجهزة والتقنيات الحديثة في مجال الصيانة والترميم لتقوم بالأغراض التي من أجلها أقيم المتحف وبخاصة في مجال الصيانة والترميم، وهى كالتالى:
1- ورشة ترميم المواد العضوية: وتحتوي علي مجموعة متكاملة من ورش الترميم ولكن بمسطحات مفتوحة ومتصلة ببعضها البعض لإعطاء مرونة أكثر في عمليات الترميم وتحتوي علي مجموعة من الورش المتخصصة ولكن بمسطحات مختلفة: ورش ترميم الأخشاب، ورشة ترميم(الأوراق- الكتب- الصور الفوتوغرافية- المخطوطات- البردي- الجلود)، ورشة ترميم النسيج والسجاد، ورشة ترميم اللوحات الزيتية. وقد زودت ورش ترميم المواد العضوية بالعديد من الورش المساعدة منها علي سبيل المثال: ورش للتنظيف الميكانيكي، ورشة غسيل السجاد والنسيج، معمل كيمائي للمواد العضوية.

2- ورشة ترميم المواد الغير العضوية: وتحتوي علي مجموعة متكاملة من ورش الترميم ولكن بمسطحات مفتوحة ومتصلة ببعضها البعض وتحتوى علي مجموعة من الورش:- وحدة الترميم والعلاج والليزر، ورشة ترميم الأحجار، ورشة ترميم الفخار و الزجاج والخزف. بالإضافة إلي مجموعة من الورش التكنولوجية المساعدة: ورشة ميكانيكية للحام المعادن وقطع الأحجار، ورشة لتنظيف الآثار غير العضوية ميكانيكياً، معمل كيميائي.
3- ورشة ترميم متعددة الأغراض: وهي تحقق التكامل بين المتحف ومواقع التراث المصري بكافة أنواعه حيث يمكن لها أن تستضيف وتقوم بمساعدة المتاحف والمواقع الأثرية دونما إحداث أي خلل سياسي ورش الترميم الرئيسية بالمتحف.

4- معامل وورش الترميم بالمتحف: بمتحف الحضارة مجموعة هامة من المعامل التي تخدم عمليات البحث العلمي والصيانة والترميم بالمتحف وهي تتكون من عدد 14 معمل متخصص داخل المتحف (معمل التاريخ: بالكربون 14 يعتمد علي التاريخ للآثار العضوية باستخدام طريقة الكربون، كما يضم جهاز الوميض الحراري لدراسة و تحديد عمر الآثار الغير العضوية، ومعمل دراسة خصائص المواد الأثرية، ومعمل تحليل الآثار باستخدام البلازما، ومعمل الأشعة الفوق بنفسجية، ومعمل الكيمياء، ومعمل التحليل البيولوجي، و وحدة الميكروسكوبات، ومعمل حيود الأشعة السينية، ومعمل تفلور الأشعة السينية، ووحدة الميكروسكوب الإلكتروني، و وحدة تصوير الآثار بالأشعة السينية، و وحدة تصوير المومياوات بالأشعة السينية، وحدة المعالجة بالنيتروجين.
5- ورشة ترميم المومياوات: وهي أول ورشة ترميم من نوعها في مصر والشرق الأوسط و متخصصة فقط في عمليات ترميم المومياوات سواء كانت المومياوات ذاتها أو ما هو ملحق بها من النسيج والأخشاب أو إكسسوارات أو غيرها.

٦- منطقة استقبال القطع الأثرية: يعتبر المتحف القومي للحضارة المصرية صاحب السبق الأول في التخطيط والتنفيذ لمنطقة استقبال الآثار في أي متحف في مصر ولأهمية هذه المنطقة بالمتحف حذت بعض المتاحف بحذوه وخططت ليكون لها منطقة استقبال أثار، تلك المنطقة التي تحكم دخول وخروج القطع وقت استقبالها.

ختاما استطاع بالمتحف القومى للحضارة ايجاد حلولاَ جذرية لمشكلة تكدس الآثار وتخزينها بصورة غير علمية، حيث تم التخطيط لاستغلال أكبر المساحات المتاحة في مناطق الخدمات أسفل المتحف وتشكل مخازن الآثار بالمتحف القومي للحضارة المصرية مساحة وقدرها 11ألف متر مسطح لتكون مخازن للآثار مجهزة بالأسلوب العلمي السليم طبقاً لأحدث التوصيات العلمية في مجال تجهيز المخازن حتى تصبح في أحيان كثيرة متاحة للجمهور من شدة تنظيمها وإتباعها للأساليب العلمية واستخدام المواد المتعارف عليها لتجهيزها كذلك تزويدها بنظم التحكم في المناخ طبقاً لجداول التحكم الدولية المتعارف عليها.