أخبار عاجلة
زراعة الأقصر تعلن حصاد شهر يونيو -

مركز التراث المغربي البرتغالي في الجديدة .. طموح التأسيس وواقع الجمود

مركز التراث المغربي البرتغالي في الجديدة .. طموح التأسيس وواقع الجمود
مركز التراث المغربي البرتغالي في الجديدة .. طموح التأسيس وواقع الجمود

يعمل الباحثان الجيلالي ضريف والمصطفى اجْماهْري، منذ ثلاثين سنة، في إطار تطوعي مستقل، على إحداث تراكم معرفي وتوثيقي في حقل التاريخ المحلي. وينصب اهتمامهما بشكل خاص على مدينة الجديدة ومنطقة دكالة عموما.

وبالنسبة لتاريخ الوجود البرتغالي بدكالة والتراث المشترك المغربي البرتغالي، نشر الباحثان عشرات الدراسات وساهما في عدة لقاءات حول الموضوع. ويمكن الإشارة بالنسبة لمنجزات الجيلالي ضريف إلى: “الاستراتيجية المائية للبرتغاليين بمازغان”، “مازيغن المدينة المرسى التي كانت حاضرة البحر”، “كتابات وشعارات برتغالية منقوشة على الحجر بقلعة مازغان”، “القانون التنظيمي للساحة العسكرية مازغان في نهاية القرن 17″، و”أماكن الذاكرة بالجديدة ومتلازمة المشاعر التراثية”.

ونشر المصطفى اجْماهْري في الموضوع ذاته مجموعة دراسات، منها: “لغز المقبرة البرتغالية بمازغان”، “بناية الصابة المختفية بقلعة مازغان”، “كيف استحوذت زوجة القنصل البلجيكي على المسقاة البرتغالية”؟ كما لهذا الباحث كتاب مشترك بالفرنسية مع الدكتور كرستيان فوشير صدر سنة 2012 تحت عنوان “مازغان تراث عالمي للإنسانية”.

من منطلق هذا الاهتمام يقدم الباحثان، ضمن مقال توصلت به هسبريس، وجهة نظرهما في مؤسسة رسمية تعنى بالتراث المشترك والمعروفة تحت اسم “مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي” الموجود مقره بالجديدة.

نص المقال:

تطرق النموذج التنموي الجديد للمغرب، في شق منه، إلى ضرورة إيلاء الاهتمام بالجانب الإداري والمؤسساتي حتى لا يظل عالة على السير الطبيعي والتدبير اليومي. وكمثال على ذلك، من ضمن أمثلة أخرى، نود الحديث بعجالة عن مركز بحثي يسمى “مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي” الموجود مقره بالجديدة. فقد أنشئ هذا المركز في 30 يناير 1995، بموجب القرار عدد 277.95 من وزير الشؤون الثقافية، كمؤسسة ثقافية وتقنية، وأنيطت به مهمة كبيرة هي “إحياء التراث المغربي من أصل برتغالي وإبراز جميع جوانبه التاريخية والمعمارية والفنية”. فهل بعد 30 سنة حقّق هذا المركز مطامح السلطة الحكومية التي أنشأته؟

يوجد مقر المركز في مكتب بالمديرية الإقليمية للثقافة بمدينة الجديدة، ومن الناحية الإدارية، حسب البند الأول من القرار الوزاري عدد 277.95، ارتبط المركز، عند إنشائه، بالإدارة المركزية ورُتب في مستوى قسم. division لكن بتاريخ 5 يونيو 2006 أصدر محمد الأشعري، وزير الثقافة آنذاك، قرارا تعديليا للبند الأول من القرار عدد 277,95 جعل المركز في حكم مصلحةservice بالإدارة المركزية. وفي 27 شتنبر 2017 صدر قرار لوزير الثقافة والاتصال عدد 2479.17 نشر في الجريدة الرسمية عدد 6621 ينص فقط على تغيير البند الأول من القرار الوزاري عدد 277.95 وذلك بإلحاق المركز مباشرة بمديرية التراث الثقافي. ولم يُشر القرار إلى الحيثيات التي دفعت وزارة الثقافة إلى ذلك.

وبالرجوع إلى قرار وزير الشؤون الثقافية عدد 277,95، كما تم تغيير البند الأول منه في قراري 2006 و2017، فقد عُهد للمركز بعدة مهام نعتقد صادقين أن الجامعة المغربية (بإمكانياتها المادية والعلمية) وحدها من تستطيع إنجازها وليس مركزا صغيرا في مدينة بعيدة عن العاصمة الرباط. هذه المهام المتعددة والكبيرة لو استعرضناها لتطلبت توفير ميزانية مناسبة وفريقا من العاملين، وهي: وضع جرد للمآثر والمواقع الأثرية التي يرجع تاريخها إلى العصر البرتغالي بالمغرب، وكذا المواقع الإسلامية بالبرتغال ومختلف نماذج الهندسة المعمارية الموجودة بالساحل البرتغالي وما وراءه بالمغرب، بالإضافة إلى أنواع الهندسة المعمارية الإسلامية في البرتغال، والمساهمة في إعداد مشاريع ترميم هذا التراث والمحافظة عليه وإبرازه، وتجميع الفنون والتقاليد الشعبية المغربية والبرتغالية التي خضعت للتأثير البرتغالي والإسلامي مثل اللهجات والفنون النسائية وتقنيات الصيد، وجمع كل دراسة أو وثيقة مكتوبة وسمعية بصرية لها علاقة باختصاص المركز وتوفيقها مع الوضع الحالي ونشرها، وتشجيع البحث في التراث المشترك بين المغرب والبرتغال واستكشافه، وتنظيم مناظرات وأطوار دراسية تتناول مواضيع مشتركة تهم التراث المعماري والفني والأثري المغربي- البرتغالي، والسهر على نشر أعمالها.

وحسب القرار نفسه، يعمل المركز على تسيير المبادلات واللقاءات العلمية والثقافية الهادفة إلى التعريف بخصائص التراث المغربي البرتغالي.

ولو تمحصنا في هذه المهام لأمكن تقسيمها إلى نوعين: الأول يحتاج إلى ميزانية وفريق عمل، والثاني لا يستدعي مجهودات مادية استثنائية، بل يتطلب فقط كفاءة وإرادة واستعدادا في مجال النشر والبحث والتنظيم.

ويُلاحظ من قراءة القرار الوزاري المذكور بأننا، نظريا، أمام مؤسسة بحثية كبيرة، لكنها قزمية أو مقزمة في الواقع. فما أسباب ذلك يا ترى؟

حسب رأينا المتواضع، ومن منطلق اشتغالنا كباحثيْن في مجال التاريخ المحلي والتراث، وكمواكبيْن للمشهد الثقافي المحلي، نرى أن هناك تعددية في الأسباب، منها ما يتعلق بدور وزارة الثقافة نفسها وكيف تصورت مهمة هذا المركز عند إحداثه، ومنها أسباب مادية من حيث الإمكانيات المرصودة للتسيير، ومنها داخلية مرتبطة بأداء الموارد البشرية للمركز. ولربما يكون هذا العامل الأخير هو الأكثر ترجيحا.

فبعد ثلاثة عقود على إنشائه يحق للمتتبع أن يسأل: هل استكمل المركز جرد المواقع الأثرية؟ هل له رصيد وثائقي كاف عن المواقع الأثرية المغربية؟ هل جمع الوثائق المكتوبة والسمعية البصرية التي طُلبت منه؟ هل يتوفر على خزانة متخصصة أو على نواة خزانة؟ هل جمع التقاليد الشعبية المغربية والبرتغالية المشار إليها؟ ما هي البحوث المشتركة التي شجع المركز على إنجازها؟ هل نظم أطوارا دراسية في مواضيع المعمار الفني والأثري المغربي – البرتغالي؟ ما هي علاقاته التنسيقية مع المديريات الجهوية للثقافة؟ هل هناك مواكبة وتنفيذ للتوصيات الواردة في معاهدة تسجيل مدينة مازغان البرتغالية كتراث عالمي ثقافي من أجل حماية معالمها وتثمينها؟.. هي فعلا أسئلة كثيرة مطروحة على المركز وعلى المديرية الوصية.

لقد حقّق المركز في مرحلته الأولى- إبان إدارة السيدة نعمة الله الخطيب ثم السيد عز الدين كارا- إنجازا لا يُنكر بالنسبة لمدينة الجديدة، وذلك حينما بادرا بالإجراءات الضرورية، التي أدت، بالتعاون مع مختلف الجهات، إلى تسجيل مدينة مازغان البرتغالية في لائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 2004. لكن مثل هذا الجهد لم يتواصل بالنسبة للمآثر المماثلة في مدن أخرى.

وحسب بعض الملاحظين، فقد كانت هناك آمال معلقة على تطوير المركز وتطوره، كما كانت هناك مبررات مُقنعة لاختيار مدينة الجديدة مقرا دائما له. لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر وظهر، بالملموس والممارسة، أنه انكمش إداريا في حدود مدينة الجديدة والقلعة البرتغالية دونما توسيع تحركه نحو مواقع التراث الأخرى المماثلة. فلا نعرف شيئا عن المجهود البحثي والدراسي للمركز فيما يخص التراث المغربي البرتغالي بمدن أكادير وطنجة وأصيلا وآسفي والقصر الصغير والصويرة وغيرها من المواقع الأثرية الكثيرة.

ثم ما دامت الوزارة قد عيّنت محافظين مسؤولين عن التراث الثقافي في عدد من جهات المغرب، يمكن التساؤل عن نوع التنسيق الحاصل بين المركز وهؤلاء المحافظين بخصوص التراث المغربي البرتغالي، خاصة أن من مهام هذه الأطر العمل على حماية وتعزيز التراث الثقافي في مناطقها، بما في ذلك توثيق المواقع والمعالم التاريخية، وتنفيذ مشاريع الصيانة والترميم بهدف جعل التراث رافعة للتنمية المستدامة ووسيلة لتعزيز الهوية الثقافية.

ومما زاد في حجم المسؤولية أن قرار وزير الثقافة بتاريخ 19 نونبر 2001 أحدث فروعا جهوية للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث (مقره بالرباط) لمزاولة مهام البحث النظري والميداني والنشر، وأوصى، بالنسبة للجديدة، بأن تتم مزاولة المهام المذكورة بمركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي. فماذا كانت الحصيلة بعد ربع قرن؟

لقد حدّد النص المؤسس عمل المركز في إنجاز الدراسات والأبحاث عن التراث المغربي البرتغالي، لكن لا ندري حجم ونوعية الدراسات والأبحاث التي أنجزها المركز باسمه وتحت إشرافه وأين نُشرت وفي أي مكتبة يمكن الاطلاع عليها. مع الأخذ بعين الاعتبار أوجه الاختلاف بين “الدراسات” و”الأبحاث”. فالأولى هي عملية تحليل معلومات موجودة حول موضوع معين، بينما الثانية هي عملية ممنهجة لاستكشاف موضوع جديد. والحال أن الباحث الأركيولوجي الأستاذ عبد الله فيلي (من كلية الآداب بالجديدة) سبق له أن قال إن حوالي 70 بالمائة من المواقع التاريخية والأثرية بمنطقة دكالة (ومنها الآثار البرتغالية) ما زالت غير معروفة أو غير مدروسة. وهي ملاحظة وإن كانت تخص منطقة دكالة، إلا أنه يجوز تعميمها على مناطق أخرى، وهو ما يدعونا جميعا إلى بذل مزيد من الجهود للكشف عنها وعن خباياها.

لقد أشار القرار الوزاري المتعلق بإنشاء المركز إلى وجود لجنة استشارية يترأسها وزير الثقافة تدرس برنامج عمله السنوي. وقد سألنا بعض الباحثين إن كانوا سمعوا باجتماع هذه اللجنة، فتبيّن لنا وجود غموض في هذا الباب، حيث لا يُعرف ما إذا كانت هذه اللجنة قد اجتمعت أم لا. كما أن الوزارة لم يسبق لها أن أصدرت بلاغات بشأنها.

كما نص المجلس العالمي للمعالم والمواقع (ICOMOS) ، التابع لمنظمة “اليونيسكو”، في معاهدة تصنيف مدينة مازغان البرتغالية في لائحة التراث العالمي الثقافي، على ضرورة إحداث لجنة لتسيير وتدبير هذا التراث العالمي يترأسه مركز الدراسات والأبحاث في التراث المغربي البرتغالي، لكن لحد اليوم، وبعد مرور عقدين على تسجيل مازغان تراثا عالميا، نتساءل لماذا لم يتم إحداث هذه اللجنة بعد؟

فهل حان الوقت لإعادة النظر في هذا المركز والتفكير في وضع استراتيجية عمله حتى لا يظل اسما بلا مسمى؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بالبلدي : “عاشوراء الغضب” بسلا تصل إلى البرلمان.. أوزين: شباب مقهور يبحث عن لحظة انفجار
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية