أخبار عاجلة
مسلم يطرح أحدث أغانيه "لقيتك شر" -
أساتذة يحتجون في مراكش -
بلاغ يعلق على وفاة أستاذ في البيضاء -

بالبلدي: الدين والتدين: نظرة شاملة بين الجوهر والتحريف

بقلم ✍️ يوسف عزت الشافعي ( إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية- باحث ماجستير)

“الدين نزل من السماء كاملًا، والتدين صعودٌ بشري نحو الكمال، وما بين النزول والصعود قد تقع الفجوة، وقد يتم العبث بالمقصد.”

مدخل تمهيدي: لماذا نعيد الحديث عن الدين والتدين اليوم؟

يُعدّ الحديث عن “الدين والتدين” من أكثر القضايا حساسية وجدلية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ذلك لأن الدين ليس مجرد مكون ثقافي أو تراثي، بل هو المرجعية العظمى التي تُشكل ضمير الإنسان، وتُوجّه سلوكه، وتبني أخلاقياته، وتحدد له تصوره عن الحياة والموت والخلود.

لكننا – مع الأسف – نشهد اليوم مفارقة خطيرة:

اتساع ظاهرة التدين الشكلي والمظهري.

انتشار الخطاب الديني المنغلق أو المؤدلج.

وتراجع أثر الدين في بناء الإنسان والمجتمع، رغم ازدياد المظاهر الدينية في الشوارع والمؤسسات والإعلام.

فما الفرق بين “الدين” كرسالة سماوية، وبين “التدين” كممارسة بشرية؟ ولماذا ينقلب التديُّن أحيانًا من وسيلة للهداية إلى أداة للفرقة أو التشدد أو حتى الفساد؟ هذا ما نسعى لتفكيكه في هذا المقال.

أولاً: الدين.. جوهر الوحي الإلهي ومنظومة الإصلاح الشامل

الدين – في تعريفه الأصيل – هو المنهج الذي أوحى الله به إلى أنبيائه لهداية البشرية، ليُحقق بها التوحيد، ويُقوّم السلوك، ويُشيّد العمران الأخلاقي والاجتماعي.

قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَٱلَّذِيٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ [الشورى: 13].

الدين بهذا المعنى ليس مجرد شعائر ولا نصوص جامدة، بل رسالة ربانية لإخراج الإنسان من ظلمات الجهل والظلم، إلى نور المعرفة والعدل والكرامة.

هو ليس موروثًا قبليًا، ولا طقسًا جماعيًا فقط، بل دعوة واعية للعقل والروح والضمير.

خصائص الدين:

1. رباني المصدر: فلا يجوز تعديله أو تحريفه.

2. شموليّ المدى: ينظم العلاقة بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والآخر.

3. أخلاقي النزعة: فكل عبادة بدون خلق باطلة المقصد.

> قال ﷺ: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.”

ثانيًا: التدين.. الترجمة البشرية للدين

بينما الدين إلهي المصدر، فإن التدين هو انعكاس الإنسان لفهمه للدين، وترجمته له في حياته.

ولأن البشر متفاوتون في العلم، والتجربة، والثقافة، والتربية، فقد يختلف التديُّن من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، ومن عصر لعصر.

التدين إذن ليس هو الدين ،فقد يكون الشخص متدينا لكنه لا يُجسد جوهر الدين..وقد يكون بسيطًا في المظاهر لكنه يعيش روح الدين بتسامح ورحمة وعدل.

أشكال التدين:

1. تديُّن راشد: يجمع بين الإيمان والعمل الصالح، ويُجسد أخلاق الإسلام في الواقع.

2. تديُّن تقليدي جامد: يعتمد على العادات دون وعي أو فهم.

3. تديُّن شكلي مظهري: يكتفي بالشكل دون الجوهر.

4. تديُّن مؤدلج: يربط الدين بحزب أو طائفة أو مشروع سياسي، ويجعل منه أداة صراع لا هداية.

ثالثًا: مظاهر التدين الشكلي.. حين ينفصل الدين عن الأخلاق

إن أخطر ما يُهدد صورة الإسلام في عيون الناس، ليس أعداء الدين، بل أولئك الذين يرفعون شعار الدين، ثم يُمارسون باسمه الظلم والرياء والتعصب.

من مظاهر التدين المظهري:

ـ الاهتمام المفرط بالمظهر الديني (الزي، اللغة، الشعائر) على حساب الجوهر.

ـ استخدام الدين لتبرير المصالح الشخصية أو الانحرافات.

ـ قسوة القلب، والتنمر على الناس باسم “الأمر بالمعروف”.

ـ الرياء في العبادات، والمفاخرة بالزهد أو التديُّن.

قال ﷺ: “إن أخوف ما أخاف عليكم: الرياء، والشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيطيل صلاته لما يرى من نظر الناس إليه.”

رابعًا: التديُّن الصحيح.. طريق للإصلاح لا العزل

التدين الحقيقي لا يفصل الدين عن الحياة، ولا يجعل الإيمان سببًا في الانغلاق، ولا يُقصي الآخرين.

بل يَظهر التديُّن في الصدق في المعاملات، وفي الرحمة مع الضعفاء، وفي حب الخير للناس.

قال تعالى:﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].

كيف نعرف المتدين الصادق؟

ـ يعامل الناس بلطف وتواضع.

ـ لا يزكي نفسه على أحد.

ـ يتقبل الاختلاف دون تعالٍ.

ـ يجتهد في خدمة مجتمعه.

ـ يزن الأمور بالحكمة، لا بالانفعال.

خامسا: بين الدين والتدين.. كيف نشأ الخلط

من أسباب الخلط بين الدين والتدين:

قلة الوعي الديني العميق: حيث يتعلم الناس “كيف يصلّون” دون أن يفهموا “لماذا يصلّون”.

التدين الموروث لا المكتسب: حيث يُمارس الناس الدين كعادة اجتماعية.

تديُّن الجماعة لا تديُّن الفرد: فالدين يصبح أحيانًا وسيلة للانتماء وليس للتهذيب.

سطوة الخطاب الديني المتشدد أو الترفيهي: الخطابان معا يساهمان في تشويه الفهم المتوازن للدين.

سادسًا: تجديد الخطاب الديني.. ضرورة لا ترف

تجديد الخطاب الديني لا يعني تبديل النصوص، بل إعادة قراءة النصوص في ضوء المقاصد الكبرى للإسلام.

نحتاج إلى خطاب ديني:

يربط العبادة بالأخلاق.

يحترم العقل ويُخاطب الوجدان.

يُفرّق بين الثابت والمتغير.

يُقاوم الجهل والتشدد والغلو.

 

يُعلّم الناس أن الدين لا يُقاس بكثرة العبادات فقط، بل بحسن التعامل.

 

سابعًا: الدين والتدين في عصر العولمة

 

في ظل العولمة، والانفتاح على العالم، والفضاء الرقمي، أصبح الشباب معرضين لتشويش كبير في فهم الدين:

خلط بين الدين والثقافة.

بين الفقيه والداعية المؤثر.

بين الإيمان التقليدي والشكوك الحديثة.

وهنا يأتي دور المؤسسات الدينية، والمربين، والمفكرين، في تقديم نموذج راقٍ ومتوازن لتدين عقلاني، يُجسد الجمال، لا التخويف.

العودة إلى جوهر الدين لا مظاهره

الدين هو النور الذي يُضيء حياة الإنسان، والتدين هو انعكاس ذلك النور في سلوكه.

فإن فسد السلوك، فليس الدين هو السبب، بل انحراف التديُّن.

وإن ضاعت الأخلاق، فلن تُعيدها اللحى الطويلة، ولا العبارات المنمقة، بل يحتاج المجتمع إلى قلوب صادقة، تتقي الله وتُحب الناس.

فلنُربِّ أبناءنا على روح الإسلام لا مظاهره فقط، وعلى مقاصده لا قشوره، وعلى الصدق لا الرياء، وعلى العمل لا الكلام.

> “اللهم اجعلنا من الذين إذا رؤوا ذُكر الله، وإذا خالطناهم أحببنا الدين، وإذا غابوا عنّا افتقدنا نورهم، لا مظاهرهم.”

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بالبلدي : السكة الحديد تنفي وجود حريق باحد القطارات الروسية الدرجة الثالثة ذات التهوية الديناميكية  
التالى بلاغ يعلق على وفاة أستاذ في البيضاء