في خضم النقاش المتواصل حول إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب، يبرز موضوع تعميم التعليم الأولي كأحد المحاور الأساسية التي تحظى باهتمام بالغ، لا سيما في ظل التوجهات الجديدة التي أرستها الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين؛ فقد أصبح التعليم الأولي، الذي يبدأ من سن الرابعة، جزءا لا يتجزأ من التعليم الإلزامي، وهو ما يفرض على الدولة، كما على الأسر، التزامات قانونية واضحة لضمان ولوج جميع الأطفال إلى هذا المستوى التعليمي.
وفي هذا السياق، تتجه الأنظار نحو مشروع قانون التعليم المدرسي، الذي صودق عليه في مجلس الحكومة ويُنتظر عرضه قريبا على غرفتي البرلمان. وبينما تتوقع الوزارة الوصية بلوغ تعميم التعليم الأولي في أفق سنة 2028، فإن دخول هذا القانون حيز التنفيذ قد يفرض على الدولة التزامات فورية؛ ما يطرح تساؤلات قانونية وتنظيمية بشأن مدى استعدادها لتوفير المقاعد التعليمية لجميع الأطفال ابتداء من الموسم الدراسي المقبل.
وفي هذا الإطار، قال عبد الناصر ناجي، رئيس مؤسسة أماكن لجودة التعليم، إن التعليم الإلزامي كان في السابق يشمل الفئة العمرية من 6 سنوات إلى 16 سنة؛ غير أن القانون الإطار والرؤية الاستراتيجية الجديدة جعلا من التعليم الأولي (ابتداء من سن 4 سنوات) تعليما إلزاميا، ليس فقط بالنسبة للدولة، بل أيضا بالنسبة للأسر. ومع ذلك، لا يزال تعميم التعليم الأولي غير مكتمل، حيث لا تتجاوز نسبة التغطية حاليا 80 في المائة”.
وتابع ناجي، ضمن تصريح لهسبريس: “بما أن مشروع قانون التعليم المدرسي ينص صراحة على إلزامية التعليم الأولي ابتداء من سن الرابعة، فإن ذلك يُلزم الدولة بتوفير المقاعد الضرورية للأطفال فور دخوله حيز التنفيذ؛ علما أن هذا المشروع لم يُصدر بعد رسميا، رغم أنه صودق عليه في مجلس الحكومة، وينتظر عرضه على غرفتي البرلمان للمناقشة والمصادقة”.
وأوضح رئيس مؤسسة أماكن لجودة التعليم أنه “من المنتظر أن تنطلق الدورة التشريعية المقبلة يوم الجمعة، وقد يُعرض خلالها القانون على البرلمان؛ مما قد يسمح بالمصادقة عليه في وقت قريب. وإذا تم ذلك، فمن المفترض أن يدخل القانون حيز التنفيذ خلال الموسم الدراسي المقبل؛ ما سيجعل الدولة ملزمة بتعميم التعليم الأولي ابتداء من ذلك الحين”.
وأردف المتحدث: “غير أن هذا الأمر قد يطرح إشكالا قانونيا، نظرا إلى أن وزارة التربية الوطنية تتوقع بلوغ التعميم الكامل للتعليم الأولي بحلول سنة 2028؛ في حين أن القانون، في حال دخوله حيز التطبيق السنة المقبلة، سيُلزم الدولة بتوفيره فورا، مما قد يدفع بعض أولياء الأمور إلى اللجوء إلى القضاء بدعوى عدم احترام الدولة لواجبها في ضمان الحق في التعليم الأولي لأبنائهم”.
وأكد الفاعل التربوي سالف الذكر أنه “كان من المنتظر أن يتضمن مشروع قانون التعليم المدرسي فقرة ضمن الأحكام الانتقالية أو الختامية تنص على تطبيق تدريجي لمبدأ الإلزامية، أو تحديد فترة زمنية لاستيفاء الشروط الضرورية؛ غير أن هذه الفقرة، حسب المعطيات المتوفرة، لم تُدرج في النسخة الحالية من مشروع القانون”.
تجدر الإشارة إلى أن مشاريع القوانين المعروضة على مجلس الحكومة قد تخضع لتعديلات قبل عرضها على البرلمان، كما يمكن تعديلها خلال المناقشة داخل البرلمان؛ ما يعني أن النص النهائي قد يعرف تغييرات قبل المصادقة عليه بشكل نهائي.
من جانبه، أكد نور الدين عكوري، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، أن “مشروع قانون التعليم المدرسي يُشكل خطوة مهمة نحو ترسيخ مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، من خلال إدراج التعليم الأولي ضمن التعليم الإلزامي، ابتداء من سن الرابعة؛ وهو ما سيسهم بشكل مباشر في تقليص الفجوة التعليمية منذ السنوات الأولى من التمدرس”.
وأشار عكوري، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن هذا التوجه يُعد مكسبا كبيرا للمنظومة التربوية، شريطة أن تُواكبه الدولة بتوفير الإمكانات الضرورية من حيث البنيات التحتية والتأطير التربوي وضمان مجانية ولوج جميع الأطفال إلى التعليم الأولي، سواء في المؤسسات العمومية أو تلك التي تُشرف عليها جمعيات المجتمع المدني.
وأضاف المتحدث ذاته أن “التمييز الحاصل اليوم بين الأقسام المدمجة داخل المدارس الابتدائية وبين تلك التي توجد خارجها وتُفرض فيها رسوم يُكرس نوعا من اللامساواة؛ وهو ما يجب تجاوزه في إطار تعميم فعلي وشامل للتعليم الأولي”.
وشدد الفاعل المدني سالف الذكر على أن ّتعميم التعليم الأولي وإدماجه في التعليم الابتدائي سيساهمان في الحد من الهدر المدرسي، وخاصة في صفوف الفتيات بالمجالات الهشة”، داعيا إلى “الإسراع في المصادقة على مشروع القانون وتفعيله على أرض الواقع لضمان التمدرس الفعلي والعادل لجميع الأطفال المغاربة”.