على إثر واقعة تدخل إدارة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر بأكادير، منذ أيام، من أجل محاولة منع طلبة انفصاليين مؤيدين لجبهة “البوليساريو” الإرهابية من تنظيم نشاط يروّج لأجندة هذا التنظيم الانفصالي داخل الحرم الجامعي، وفق ما وثقته مقاطع منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ تستغل جهات وتنظيمات معادية للمغرب هذه الواقعة بشكل ممنهج وضمن استراتيجية ممنهجة للمس بصورة المملكة على الصعيد الدولي، وإعادة إنتاج روايات الانفصال في قالب حقوقي.
وخرجت عدد من الهيئات التي تسمي نفسها بـ”الحقوقية” والتنظيمات الطلابية في كل من الجزائر ومخيمات تندوف ببيانات عبرت من خلالها عن تضامنها مع “الطلبة الصحراويين” المعنيين على إثر استدعائهم للمثول أمام المجلس التأديبي، منددة بما وصفته بـ”التضييق والحصار ومصادرة الحريات، الممارس ضد الشعب الصحراوي في مختلف تواجداته”، ومجددة دعمها لـ”قضية الشعب الصحراوي”، حسب بيان لمنظمات طلابية جزائرية.
وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من طلبة “الفصيل الصحراوي” وهم يدخلون في مناوشات مع عميد الكلية سالفة الذكر داخل الحرم الجامعي، مطلقين عبارات تحيل على الانفصال والتنكر للانتماء إلى الدولة المغربية؛ وهو ما يعيد إلى الواجهة تنامي الخطاب الانفصالي داخل الجامعات المغربية واستغلاله من لدن جهات معروفة لتنفيذ أجندات تخريبية في المنطقة، في وقت يؤكد فيه مهتمون على ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة لمعالجة هذا الإشكال ما يحفظ وحدة الجامعة ووحدة الوطن.
استقطاب ومسؤولية
قال أبوبكر أنغير، منسق العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، إن “الحضور المتزايد للخطابات الانفصالية داخل بعض الفضاءات الجامعية مرده أساسا اتساع مساحة الحقوق والحريات في الحرم الجامعي”، مبرزا أن “جبهة “البوليساريو” تحاول استثمار هذه المساحة لاستقطاب عدد من الشباب الجامعي الباحث عن تنفيس احتقانه وإبراز ذاته، أمام تراجع الفصائل الطلابية الأخرى، وأمام ضعف تأطير الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني للشباب الجامعي”.
وتابع أنغير بأن “الجامعات المغربية كانت وستظل مستهدفة من لدن الأجندات الانفصالية؛ لأنها فضاء يحتوي على الآلاف من الطلاب في أعمار صغيرة، وتستطيع هذه الأجندات استمالتهم بسهولة أمام الخطاب العاطفي المستعمل، وأمام ضعف تأطير الشباب، وخاصة أمام تهميش الجامعة المغربية نفسها للأنشطة الموازية وقلة انخراط الأساتذة الجامعيين في تأطير الطلبة خارج المناهج والمحاضرات الرسمية المعتمدة. ولذلك، تلجأ الأجندات الانفصالية إلى استغلال الجامعة المغربية لنشر أفكار الانفصال والفتن والعنف، أمام مرأى ومسمع الجميع”.
وأكد المتحدث لهسبريس أنه “على الدولة المغربية التفكير مليا في دعم مبادرات قارة ومستمرة لتأطير الشباب الجامعي، وإعطاء الفرصة للتعبير عن ذاته وآماله وطموحاته خارج المنطق الانفصالي الراديكالي، الذي يعوّض الفراغ القاتل في الجامعة المغربية”، مسجلا أن “إدارة الجامعات نفسها أمام مسؤولية كبيرة ومضاعفة، إذ عليها الحرص على التوفيق بين الحريات النقابية والسياسية وبين الحفاظ على ثوابت الأمة ومقومات الخطاب الوطني الموحَّد والجامع”.
واعترف المتحدث ذاته بأن “وضع الجامعة المغربية، اليوم، مع الاكتظاظ، وتعثر الإصلاحات الجامعية، وثقل الانتظارات من الجامعة أمام تراكم آلاف العاطلين من الخريجين، وأمام ضغط الامتحانات والمشاكل التدبيرية اليومية، وتراجع قيم التطوع والالتزام لدى بعض الأساتذة الجامعيين الذين يغلب عليهم الطابع المدرسي الصرف؛ كل هذه العوامل جعلت إدارة بعض الجامعات عاجزة عن التصدي للخطاب الانفصالي، بل تكون مضطرة في بعض الأحيان إلى التسامح معه من أجل أن يمر الموسم الجامعي بسلاسة وسهولة، بمعايير اجتياز الامتحانات وخروج النتائج في أحسن الأحوال”.
وتفاعلا مع سؤال حول الحلول المقترحة للتصدي للخطاب الانفصالي داخل الجامعات المغربية، اعتبر الناشط الحقوقي ذاته أن “الحل يكمن في تشجيع العمل الطلابي الوطني عبر إحياء الحياة الجامعية من لدن الأحزاب والتنظيمات الشبابية والمجتمع المدني، وإفساح المجال للجمعيات والهيئات النقابية للاشتغال داخل الجامعة، ثم مراجعة المناهج الجامعية، وإعطاء دور أكبر للأساتذة في التأطير والتوجيه”.
وشدد أيضا على “ضرورة تحسين صورة الجامعة لدى العموم عن طريق الإعلام، والتعريف بأهمية الجامعة المغربية في ربح رهان المستقبل؛ لأن الخطابات التنقيصية في حق الجامعات المغربية ذات الاستقطاب المفتوح واعتبارها محطة انتظار في انتظار الأفضل تجعل خطاب التيئيس والتبخيس مسيطرا، ويسهّل على الفصائل الانفصالية استغلاله لتكوين قاعدة لها داخل الجامعات”.
أجندات ومقاربات
اعتبر مصطفى العياش، رئيس المنظمة المغربية للمواطنة والدفاع عن الوحدة الترابية، أن “حضور الخطاب الانفصالي داخل الجامعات المغربية هو مسألة خطيرة جدا وتشكل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار المجتمعي”.
وأضاف العياش، في حديث مع هسبريس، أن “الجهات المعادية للمغرب، والتي ترغب في تقسيمه، تستغل الفضاء الجامعي من أجل تفريخ مشاريع انفصاليين واستقطاب الطلبة من أبناء الأقاليم الجنوبية لخدمة أجندات إقليمية هم بعيدون عنها كل البعد”.
وأوضح الفاعل الجمعوي ذاته أن “الجهر بالانفصال داخل أروقة عدد من الكليات المغربية ينطوي على جريمة التحريض على المساس بأمن الدولة والتحريض ضد وحدتها الترابية ومؤسساتها الدستورية؛ وهو ما يستوجب تدخل السلطات المختصة بحزم ووفق ما يتيحه القانون، من أجل حماية الحرم الجامعي من التحول إلى منصة للترويج لخطابات تهدد وحدة الوطن التي تُعدّ ثابتا من ثوابت المملكة”.
وأبرز المتحدث عينه أن “التراخي مع مثل هذه الخطابات التي تخدم أجندات خارجية لم يعد مقبولا، ولا شك في أن من يسمون أنفسهم بالطلبة الصحراويين الذين يُجاهرون بتأييد الانفصال تحركهم أيادٍ خفية في الخارج؛ وبالتالي يجب التنبه إلى هذا الأمر، واعتماد مقاربات متعددة الأبعاد لمحاصرة الخطاب الانفصالي داخل الجامعات؛ بدمج المقاربة الأمنية مع المقاربات الأكاديمية والتربوية والثقافية، لاستعادة دور الجامعة المغربية كفضاء لتفريخ نخب وطنية واعية”.
ضرورة الحزم
لمعرفة رأي إدارة الكليات حول هذا الموضوع، حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية التواصل مع عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر بأكادير؛ غير أن هاتفه ظل يرن لمرات عديدة دون مجيب، رغم ترك رسالة عبر تطبيق المحادثة الفورية “واتساب” توضح طبيعة المتصل وسبب الاتصال.
إلى ذلك، أكد مصدر من داخل إدارة الكلية عينها، فضّل عدم الكشف عن اسمه وصفته، أن “الشغب الذي تثيره بعض الفصائل الطلابية داخل العديد من الكليات يسيء في الحقيقة إلى صورة الجامعة المغربية، ويحولها من فضاء للتحصيل الأكاديمي والتثقيف والنقاش العلمي الرصين إلى فضاء للاقتتال والتناحر وبث خطاب الكراهية”.
وشدد المصدر ذاته على أن “بعض الفصائل الطلابية، وعلى رأسها ما يسمى بـ”الفصيل الصحراوي” المعروف بالخطاب والتوجهات، يلجأ إلى ممارسة أساليب ضغط على إدارة الكلية؛ كالتهديد لمنع الطلبة من اجتياز الامتحانات بالقوة، أو بتنظيم وقفات احتجاجية أمام الإدارة، وغيرها من الأساليب التي تتجاوز أحيانا الطابع النقابي لتتخذ أبعادا أخرى”.
وأشار إلى أن “بعض أعضاء هذا الفصيل يلجؤون إلى إدارة الكلية مع بداية كل موسم جامعي محاولين الضغط عليها من أجل تسجيل أصدقائهم ومعارفهم في تخصص ما في سلك الإجازة أو الماستر، بالرغم من عدم استيفائهم للشروط المطلوبة لذلك، ويعتبرون أن ذلك من حقهم على أساس أنهم مناضلون أو شيء من هذا القبيل”، مشددا على أن “إدارة الكلية يجب أن تبدي حزما أكبر في التعامل مع هذا الإشكال، وتغلق المجال أمام هذه الاستفزازات؛ ذلك أن الخنوع بهذا المبرر أو ذاك يدفع هذه الفصائل إلى التمادي في تجاوز القانون وعدم احترامه”.
وسجل أن “هناك أشخاصا ينتمون إلى فصائل طلابية يلجون الكلية بكل حرية وهم ليسوا طلابا؛ وهم معروفون”، مشددا على ضرورة “تنظيم عملية الدخول إلى الكليات وفق القوانين الجاري بها العمل، مع تعزيز الموارد البشرية فيما يتعلق بالأمن الخاص الذي يشتغل في الكلية، وتحسين وضعهم المادي؛ إذ لا يُعقل أن يُطلب من حارس أمن خاص يتلقى أجرا غير محترم أن يتدخل لمنع تجمع هذا الفصيل أو ذاك، إذ لا يمكن لأحد أن يعرض نفسه للخطر مقابل أجر هزيل”.