كان هدف الخوارزميات في البداية نبيلاً لمعرفة سلوك المستخدم وتفضيلاته ورغباته، واستخدامها لأغراض تسويقية، وأخرى ذات علاقة بالقياس والأثر للحملات الإعلامية، ولكن مع مرور الوقت اتضح أن الهدف أكبر من ذلك بكثير؛ فهي باختصار محاولة لبسط النفوذ والسيطرة على المستخدم، من خلال تحكم تلك الخوارزميات بكم ونوع المحتوى (البحث، الإنتاج، النشر)، إلى جانب التحكم في الجمهور الذي يتلقى ذلك المحتوى، والأخطر حينما يصل ذلك التحكم إلى عزل الجمهور عن الواقع، وذلك فيما يُعرف بـ«غرف الصدى» التي يصبح فيها المستخدم معزولاً عن أي محتويات أو آراء مغايرة لرأيه أو تفضيلاته.
اليوم الخوارزميات هي المطلوب رقم واحد في سرعة نشر الأخبار الكاذبة، وعدم القدرة على تصحيحها، مما يؤدي إلى تحيّز علني لوجهة نظر وحيدة وغير دقيقة، إلى جانب التحدي الآخر وهو مسؤولية الخوارزميات في توزيع واستهلاك الأخبار بسبب تحكمها فيما يصل وما لا يصل، وبالتالي سلبت تلك الخوارزميات من المؤسسات الإعلامية سلطتهم ومنحتها لمجموعة صغيرة من المبرمجين في مواقع وحسابات التواصل الاجتماعي، مما جعل الأمر يزداد تعقيداً مع تحول الجمهور إلى تلك الحسابات التي تقع تحت «سلطة الخوارزميات»، وتُحدد للمستخدم ما تعتبره مناسباً له.
الواقع يشير إلى أن «أيديولوجيا الخوارزميات» أشد خطراً على وعي وسلوك المستخدم، من خلال «غرفة الصدى» التي يتواجد فيها، وتحجب عنه الحقائق، والأولويات والاهتمامات، وتجعل ما يراه واقعاً يجب تصديقه، والإيمان به، بل والمشاركة فيه، وهذا يقودنا إلى معرفة المؤشرات التي من خلالها نتعرّف عن مدى تواجد المستخدم في غرفة الصدى التي وضعتنا فيها تلك الخوارزميات، وأولها التأكد هل ما يتم عرضه من محتويات يُعبّر عن وجهة نظر واحدة؟، وهل وجهة النظر هذه مدعومة بشائعات وأخبار غير دقيقة؟، وهل يتم تجاهل الحقائق التي تتنافى مع وجهة النظر تلك؟، وأي إجابة للمستخدم بنعم عن تلك المؤشرات؛ فهذا يعني وجوده في غرفة الصدى التي تحاول أن تُمارس عليه محتوى الاستقطاب وربما الاستلاب الفكري، وهو ما يتطلب وعياً غير مسبوق للخروج من «غرفة الصدى المظلمة»، والبحث عن الحقائق والمعلومات من مصادرها، والانسجام مع المواقف الرسمية في التعاطي مع تلك المحتويات للحد من تأثيراتها السلبية فكراً وسلوكاً.
أخبار ذات صلة
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" جريدة عكاظ "