# من أول السطر
بين عشية وضحاها وبعد 12 يوما من الرشقات والضربات المتبادلة وضعت الحرب أوزارها مؤقتا بين إيران وإسرائيل ومعسكر حلفائها المتحفزين.
وبعد أن هدأت العاصفة، ربما استراحة محارب – “بلا قضية مقنعة” ـ لجولة جديدة، وبآليات مغايرة، إذا لم تفلح “الصفقات” والإتفافات، والتي ترتدي أحيانا ثياب المفاوضات والمباحثات!.
في ساعات معدودات وكأن اتفاقا مسبقا حيك من قبل، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب أهل الشرق الأوسط والعالم بالإعلان عن بدء مرحلة السلام وانتهاء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية بوقف لإطلاق النار، جاء الإعلان في إعقاب رد إيراني “مبرمج” استهدف القاعدة العسكرية الأميركية في قطر، ومرّ بلا أضرار بشرية، أو مادية..
وكان لافتاً أن ترمب شكر إيران لأنها أبلغت بلاده مسبقاً بالهجوم الذي وضع في خانة “إنقاذ ماء الوجه”.
لم تقتنع شعوب العالم كثيرا بصياغة هذه “الحبكة الدراماتيكية” لمشهد النهاية، كما لم تقتنع بتقديرات وحسابات ونتائج الحرب العبثية.. فقط سر الجميع برشقات الصواريخ والتي أسقطت الحصانة الأبدية للكيان الصهيوني، وقذفت الرعب في قلوب الظالمين، فقد عاشوا لحظات موجعة وتجرعوا مرارة مآسي أهل غزة، وصورا من حرب الإبادة اللاإنسانية، التي حفرت سطورا من العار والشنار في ذاكرة التاريخ المشظاه،# المثقلة بالجراح والآلام!.
وفي مشهد عبثي مكرر احتفلت إيران بالنصر في ساحة الثورة، بينما احتفلت إسرائيل بما حققته من إنجازات في ساحة رابين بتل أبيب!.
وبصرف النظر عن النوايا الحقيقة لوقف الحرب، وما إذا كانت الجبهة الداخلية قد ضجت بالضربات الموجعة التي ربما تجاوزت حدود الاتفاق، فقد أظهرت أميركا مجدداً أنها اللاعب الأوحد والحاسم في الشرق الأوسط، وفي المرحلة القريبة يبقى اسم “النجم” الأول دونالد ترمب في المقدمة!.
انتهي “العرض” ووجهت ضربة قاصمة إلى منشآت إيران النووية، وكشفت التطورات أن إسرائيل لا يمكن أن تذهب إلى حرب ضد إيران من دون تفاهم مع الولايات المتحدة ولا يمكنها الخروج منها من دون دور أميركي حاسم.
والحق يقال ،مرة أخري أكدت أميركا أنها تمتلك آلة حربية غير مسبوقة لا يمكن أن تقارن بقدرات الدول الأخرى كبيرة كانت أم صغيرة!.
كما ظهر جلياً أن إيران لا ترغب على الإطلاق في الرد على “صفعة المنشآت النووية” بما يمكن أن يدخلها في مواجهة مباشرة ومفتوحة مع الولايات المتحدة.
ووفقا لمعطيات الواقع وآليات المسرحية العبثية فقد أظهر ترامب شخصياً براعة في إعطاء الفرص والتمويه وتوجيه الضربات ثم المسارعة إلى دعوة إيران إلى طاولة المفاوضات.
ووفقا لرؤي المراقبين فقد كشفت المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية محدودية الدور الأوروبي وتواضع الدور الروسي إلا إذا كان منسجماً مع الجهود الأميركية، كما بدت “الصين” بعيدة وعاقلة على رغم مصالحها اللامحدودة مع إيران.
ورغم قسوتها، أثبتت الضربة المدوية الأولى التي تلقتها ايران، أنها لم تسهم في ضياع قرارها العسكري والسياسي، ورغم وقوع أجوائها تحت سيطرة المقاتلات الإسرائيلية لم يحرم ترسانتها الصاروخية من إشاعة مشاهد الدمار في المدن الإسرائيلية، فلم يعاين الإسرائيليون شبيهاً لها منذ قيام الدولة. وأظهرت أن سلاحها الصاروخي قد يتيح لها خوض حرب استنزاف مستقبلية ضد إسرائيل باهظة التكاليف.
كما بدت إيران “مفتقرة” إلى حليف كبير من “قماشة” الولايات المتحدة أو أقل على رغم علاقاتها “الاستراتيجية” مع روسيا والصين، وغيرها من دول الجوار ،باستثناء المساندة الظاهرية بالإستنكار والشجب والإدانة!.
وأبرزت المواجهة أن إيران لم تستفد من الأذرع التي رعتها في غزة ولبنان بسبب ما لحق بها بعد “طوفان الأقصى”.
كما أظهر سير تبادل الضربات تفوقاً تكنولوجياً إسرائيلياً واضحاً ونجاح الدولة الصهيونية في تحقيق اختراقات مقلقة داخل إيران نفسها.
كما لعب الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي على الأرض في إيران دوراً حاسماً في هذه الحرب.
وبلغ الاستعراض ذروته بتوزيع إسرائيل فيديوهات لما أسمته “الموساد – فرع طهران” وقاعدة مسيراته.
وعلي مستوي الخطاب الشعبوي يستطيع نتنياهو الادعاء أنه اتخذ قراراً صعباً من قماشة مهاجمة إيران وإقناع الجمهور الإسرائيلي أنه يخوض معركة وجودية. كما يستطيع التذكير بأنه أخرج إيران من سوريا وحرم “حزب الله” اللبناني من القدرة على شن حرب ضد إسرائيل.
ويمكنه القول بأريحية وثقة أنه هيأ الأجواء للتغيير، وفرض توازنات جديدة وأن بلاده تمتلك القوة الضاربة الأولى في الشرق الأوسط!.
واتفق مع بعض المحللين الذين يرون أن الاتفاق الذي أعلنه ترامب ربما يمثل أفضل صيغة لجميع الأطراف المنخرطة في الصراع، وأن تلك الأطراف خرجت رابحة بنسب متفاوتة، فالولايات المتحدة برهنت لخصومها على تفوقها العسكري من خلال استعراض القوة الذي تمثل في الضربة التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية.
كما أنه يمثل نهاية مريحة لإسرائيل التي يتباهى مسؤولوها بأنهم قضوا على “تهديد وجودي”، حيث يمنحها فرصة لالتقاط الأنفاس، في ظل الصراع متعدد الجبهات الذي تخوضه منذ أكثر من 20 شهرا.
وربما يمثل الاتفاق طوق نجاة للنظام الإيراني الذي تلقى ضربات قاصمة، وكان يمكن الإطاحة به في ظل كم الاختراقات التي كشفت عنها جولة الصراع الأخيرة، وحجم الضربات التي طالت أهدافا استراتيجية عدة في مناطق متفرقة من البلاد، التي ترزح تحت طائلة عقوبات اقتصادية خانقة منذ سنوات عديدة.
ولاريب أن هذا الاتفاق يشكل نبأ سارا للعديد من الأطراف الأخرى سواء في منطقة الشرق الأوسط أو خارجها، حيث تصاعدت المخاوف من توسع الحرب بين إسرائيل وإيران وانعكاسها في صورة ركود اقتصادي إممي كبير، وكان بمثابة هاجس للكثيرين، ومن بينهم أوروبا التي حثت على الاحتكام إلى التعقل والدبلوماسية.
وبعد اتفاق وقف إطلاق النار، يبدو التساؤل الأبرز عما تحقق خلال الحرب فيما يتعلق بميزان الربح والخسارة لكلا الطرفين..
بداية وفقا للحقائق علي الارض فقد خسرت إيران عددا من القادة العسكريين من الصف الأول خاصة في اليوم الأول للهجمات الإسرائيلية، على رأسهم رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري، وكذلك قتل عدد من كبار العلماء النوويين، الذين كانت تعتمد عليهم طهران في تطوير برنامجها النووي.
وأيضا تضررت المنشآت النووية الإيرانية، وربما تعرضت للتدمير بشكل كامل أو جزئي، حسب الرواية الإسرائيلية، خاصة مع الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة لتلك المنشآت وعلى رأسها المنشآة الأهم في “فوردو”.
يضاف إلى ذلك، الخسائر الاقتصادية الكبيرة في إيران والدمار في البنية التحتية نتيجة الهجمات الإسرائيلية..هذا علاوة عن مقتل وجرح المئات من الإيرانيين من جنود ومدنيين.
وعلي الجانب الآخر بدا الخطاب الإيراني مضطربا وغير مقنع، حاملا الكثير من المبالغة وجزءا من الحقيقة ،فقد أعلنت بعد انتهاء الحرب أن الهجمات الإيرانية عن مقتل وجرح العشرات من الإسرائيليين.
يضاف إلى ذلك أيضا أن الداخل الإسرائيلي شهد ضربات صاروخية تعتبر هي الأشد في تاريخه.
كما أسفرت الحرب عن دمار في عدد من المدن الإسرائيلية وخسائر اقتصادية فادحة.
كما أكدت طهران أن برنامجها النووي في أمان، وأن الولايات المتحدة دخلت الحرب لأنها شعرت أنها إذا لم تفعل ذلك فستدمر إسرائيل بالكامل، وأنها لم تحقق أي إنجاز من هذه الحرب.
وأكد قادة إيران أنهم وجهوا صفعة قاسية لأمريكا، بعد تدمير القدرات العسكرية لإسرائيل، وأن أي اعتداء إسرائيلي على إيران سيكون مكلفا للغاية.
وقالوا: استطعنا الانتصار على الولايات المتحدة خلال الحرب، ولم تنجح في تعطيل منشآتنا النووية!.
وهددوا باستهداف القواعد الأمريكية مرة أخرى إذا تعرضوا للعدوان مرة أخرى، ووفقا لروايتهم فقد ألحقوا ضررا كبيرا بالقاعدة الأمريكية في قطر!.
وفي تقديري أن الجميع خاسرون في هذه الحرب، حتي لو كانت هناك صفقات في الخفاء وترتيبات ومقايضات، فالشعوب تدفع دائما الثمن وعشرات الأبرياء يروعون وآخرون يلقون حتفهم، ولا اعتبارات للقيم الإنسانية والأخلاقية، فما تكبدته البلدان من خسائر في 12 يوما تكفي لإغاثة ومساعدة عشرات الملايين من فقراء المعمورة بدلا من أن تذهب هباء منثورا، فما صنعه البشر من مقدرات وإنجازات تأتي الحرب لتدمره في دقائق.. ولا عزاء للإنسانية الجريحة في هذا العالم النفعي الكبير.. وحتي إشعار آخر!
كما شهدت الحرب القذرة أسوأ صور العمالة والإختراق والجاسوسية، والتي ارتدت في بعض الأحيان ثياب المقاومة والوطنية..
كما تحوي السردية صورا لحكايات وروايات لا بأس بها من المتناقضات، وعلامات الاستفهام، والتي ما تزال تبحث عن إجابات شافية، وتطرح بدورها علامات استفهام جديدة حول ما يحاك خلف الكواليس وما يجهز للمستقبل المنظور، في دنيا التقلبات والتلون وعدم اليقين!
ومن أسوأ صور الحصاد للحرب ما شهده العالم من جرائم للإعلام في غالبية القنوات والمنصات، عبر شقيه الرسمي والبديل، بما يحتويه من الإعلام الخاص وصحافة المواطن، حيث افتقدت الدقة والموضوعية والصدق خلال الحرب وما قبلها وما بعدها.
ولعل من مقابح معالجات وخلفيات ومقاربات هذه التغطية تعمد التضليل والتزييف علي منوال عدم اليقين العام وخلفية ما تريده القوي الخفية .
كما تجاهلت المعالجات عرض الحجج المنطقية والعاطفية، واعتمدت علي نظرية تقسيم العالم العربي الي أجزاء متناثرة وزيادة جرعات العداء والكراهية وتأجيج المشاعر السلبية والشحن بين الشعوب من خلال زيادة الاعتماد علي الخلايا الإلكترونية والذباب الإلكتروني الخبيث، وكذلك استهداف المحطات الإعلامية وتدميرها خلال المعركة..
كما كشف المشهد الإعلامي أن هناك مؤامرات تعتمد علي إيقاع المواطن العربي في فخ الانعزال والاستغراق في استخدام “الميديا” بدون وعي، وهو ما يجب مواجهته بإعادة تعريف الحقيقة وتقديم السردية بكافة أبعادها وتفاصيلها وتداعياتها وتطوراتها وعرض الحقيقة ولا شيء غيرها.
أما عن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحرب بالشكل السلبي فقد اعتمد علي التزييف العميق عبر خلايا مؤيدة ومعارضة ومغرضة.. والحصاد حالة من التوهان وفقدان المصداقية ومن ثم ضياع الحقيقة وإجتزاء الأحداث أو تلوينها لصالح أحد طرفي الفرقاء، وعدا المتابعة فقط فلا حق للمتفرجين في المشاركة أو إدراك الوجه العادل للسردية الهزلية المحكمة!
وبعيد عن معرفة من الرابح ومن الخاسر من هذه الحرب العبثية غير المبررة، أتصور أن رمزية المعركة ورسائلها مع بقاء الأزمة الفلسطينية بدون حلول عادلة ونهائية، وكأنه تم تجاهلها عن عمد لاستمرار فزاعة الصراع وشبح المقاومة، كلها مؤشرات تنذر بتقويض السلام العالمي الذي يحلم به أبناء المعمورة شرقا وغربا، بل ويكرس هيمنة القطب الأوحد، وتذهب أمنيات التعدد السياسي الأممي والقطبية الثنائية أو المتعددة أدراج الرياح، ولعلها كانت الضامن الفاعل لتحقيق الردع واحترام خصوصية الدول..
إن عالم اليوم أمام تحديات جديدة تقضي على آمال الاستقرار والوفاق وفي تصوري أن دول المعسكر الشرقي يجب أن تضطلع بمهام أكبر في وقف أتون هذه الصراعات المستعرة، ولو بلغة النفعية والمصالح، وعليها أن تبحث عن آلية لكبح جماح الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية، وأن تتخذ مواقف أكثرحسما وفعالية في هذا الصراع الوجودي.. ويسألونك متي هو قل عسي أن يكون قريبا..ولله الأمر من قبل ومن بعد.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"