في ليلة هادئة بقاعدة وايتمان الجوية في ولاية ميسوري، استعد أربعة عشر طيارًا من سلاح الجو الأمريكي لخوض واحدة من أصعب المهام في التاريخ العسكري الحديث. كانوا عبارة عن أطقم سبع قاذفات B-2 "الشبحية"، لكل طائرة اثنين من الطيارين، جاهزين لتنفيذ مهمة استمرت سبعًا وثلاثين ساعة دون توقف لقصف ثلاث منشآت نووية إيرانية: فوردو، نطنز، وأصفهان، وفقًا لشبكة سي إن إن.
وانطلقوا في الظلام، يحملون مسؤولية تنفيذ ضربات دقيقة باستخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات، التي تزن ثلاثين ألف رطل، واستُخدمت لأول مرة في القتال. وداخل قمرة القيادة الضيقة، تناوب الطياران على النوم في سرير صغير خلف مقاعدهم، مستخدمين حبوبًا منومة وأمفيتامينات لإدارة التعب واليقظة، بينما واجهوا تحديات الجفاف واستخدام مرحاض كيميائي بدائي للتعامل مع الظروف القاسية للرحلة بالغة الأهمية.
وقالت سي إن إن إن المهمة كانت اختبارًا حقيقيًا للتحمل البشري، فعلى مدى سبع وثلاثين ساعة، حلّق الطيارون عبر نصف الكرة الأرضية، متجاوزين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، مع عمليات تزود بالوقود في الجو عدة مرات. وخلال اللحظات الحرجة مثل الإقلاع، والتزود بالوقود، والقصف، والهبوط، كان كلا الطيارين في مقاعدهما، يعملان بتناغم تام. وبين هذه اللحظات، كان أحدهما يحاول أخذ قسط من الراحة على السرير المؤقت، بينما يبقى الآخر متيقظًا لمراقبة الأنظمة. رغم القلق الذي رافقهم، خاصة عند اقترابهم من المجال الجوي الإيراني، تمكنوا من تنفيذ سبع غارات دقيقة في غضون ثلاثين دقيقة، وهو إنجاز وصفه الكولونيل المتقاعد ملفين ديل بـ"المذهل".
وعند عودتهم إلى ميسوري، كان الترحيب الحار من مراقب جوي أمريكي بمثابة لحظة انتصار بعد رحلة شاقة. تم التخطيط لعملية "مطرقة منتصف الليل" بدقة متناهية، حيث شملت أكثر من مائة وخمس وعشرين طائرة، بما في ذلك قاذفات B-2 إضافية نفذت مناورات خداع عبر المحيط الهادئ إلى غوام لتضليل العدو. كانت القاذفات السبع التي انطلقت شرقًا من وايتمان الجوية هي العمود الفقري للعملية، مدعومة بطائرات مقاتلة واستطلاع وناقلات وقود تمركزت على طول مسارات الطيران. استهدفت الضربات منشآت نووية إيرانية مدفونة تحت الأرض، مما تطلب استخدام قنابل GBU-57، التي صُممت خصيصًا لاختراق التحصينات العميقة. كانت هذه المرة الأولى التي تُستخدم فيها هذه القنبلة في عملية قتالية، مما يعكس قدرات B-2 الفريدة كمنصة قادرة على حمل أسلحة ثقيلة للغاية.
التدريب والتحديات
استند نجاح الطيارين إلى تدريبات مكثفة، لكن معظم هذه التدريبات لم تتجاوز أربعًا وعشرين ساعة، مما جعل المهمة التي استمرت سبعًا وثلاثين ساعة اختبارًا غير مسبوق. بحسب ملفين ديل، الذي شارك في مهمة استمرت أربعًا وأربعين ساعة في أفغانستان عام 2001، كان الطيارون مدربين على إدارة دورات النوم، لكنهم لم يعرفوا موعد المهمة أو ما إذا كانت ستنفذ حتى اللحظة الأخيرة. تلقى الأطقم حبوبًا منومة للراحة قبل المهمة، وأمفيتامينات للبقاء متيقظين أثناء الطيران الطويل. كما واجهوا تحديات لوجستية مثل الجفاف الناتج عن الارتفاعات العالية، حيث كانوا يشربون زجاجة ماء كل ساعة تقريبًا.
وأثارت الضربات جدلًا واسعًا حول فعاليتها. بينما وصف الرئيس ترامب العملية بأنها نجاح كامل.
في المقابل أشارت تقارير إلى أن الضربات لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، بل أعاقته لأشهر فقط. ومع ذلك، أجمعت الصحف الأمريكية على أن قدرة الطيارين على تنفيذ هذه المهمة بدقة تحت ظروف قاسية تعكس مستوى عالٍ من الكفاءة والتدريب.
ووصف اللواء المتقاعد ستيفن باشام لحظة الفجر أثناء الإقلاع بأنها "الأكثر سريالية"، حيث كان الطيارون يدركون أنهم ينفذون المهمة بشكل سري ولا يعلم بها أحد في العالم. هذا الإحساس بالمسؤولية، إلى جانب التحديات البدنية والنفسية، جعل قصة طياري B-2 رمزًا للصمود والتفاني في مواجهة التحديات الاستثنائية.