في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط في أعقاب الضربات الأمريكية على منشآت نووية إيرانية مؤخرًا، تبرز الصين وروسيا كحليفتين رئيسيتين لإيران، لكنهما تمارسان دعمًا دبلوماسيًا ومعنويًا دون التورط عسكريًا. وبناءً على تحليل دقيق للتقارير الصحفية باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية والروسية والإسبانية والعبرية والفارسية، تُظهر مواقف بكين وموسكو توازنًا دقيقًا بين دعم إيران كشريك استراتيجي وتجنب التصعيد العسكري المباشر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وأثيرت بالفعل أسئلة عديدة حول موقف الصين وروسيا من إيران في سياق الأزمة الحالية، وحول دوافعهما الاستراتيجية، وحدود دعمهما، والتداعيات الإقليمية ذات الصلة.
موقف الصين: دعم اقتصادي ودبلوماسي مع تحفظ عسكري
تعتمد الصين على إيران كمصدر رئيسي للنفط وكحليف جيوسياسي لمواجهة الهيمنة الأمريكية، لكنها تتبنى موقفًا حذرًا في الأزمة الحالية. وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، وبالفعل، أعربت الصين عن قلقها من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط، خاصة بعد الضربات الأمريكية على منشآت نووية إيرانية، لأن نصف وارداتها النفطية تمر عبر مضيق هرمز. وخلال مكالمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعا الرئيس الصيني شي جين بينج إلى وقف إطلاق النار دون إدانة صريحة للولايات المتحدة أو إسرائيل، مؤكدًا أن على "القوى الكبرى" تعزيز خفض التصعيد. ويرى المراقبون أن هذا الخطاب المعتدل يعكس أولوية الصين الاستراتيجية في تجنب التورط العسكري مع الحفاظ على مصالحها الاقتصادية.
وأشارت وكالة الأنباء الصينية شينخوا إلى أن بكين تدعم إيران دبلوماسيًا من خلال إدانة العقوبات الأمريكية "غير القانونية"، كما عبر عن هذا الموقف السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو كونج خلال اجتماع مجلس الأمن، ودعا إلى "حل دبلوماسي" للقضية النووية الإيرانية. وأكدت فرانس 24 أن الصين لن تقدم دعمًا عسكريًا مباشرًا لإيران، حيث لا تمتلك بكين القدرة العسكرية للتدخل في الشرق الأوسط، مع وجود قاعدة عسكرية صغيرة فقط في جيبوتي. وهذا الحذر يعكس نهج الصين التقليدي في سياسة "عدم التدخل"، حيث تركز على حماية مصالحها الاقتصادية، لا سيما استيراد النفط الإيراني بأسعار مخفضة عبر أساطيل خفية لتجنب العقوبات الأمريكية.
على صعيد آخر، أبرزت صحيفة "إل باييس" الإسبانية أن الصين تسعى إلى تعزيز صورتها كوسيط محايد، مستفيدة من نجاحها في التوسط بين إيران والسعودية في 2023. ومع ذلك، أشار تقرير لمعهد واشنطن إلى أن دعم الصين لإيران يبقى "انتهازيًا" ومقتصرًا على المجالات الاقتصادية والدبلوماسية، مع تجنب أي التزامات عسكرية قد تعرض مصالحها العالمية للخطر، خاصة علاقاتها الاقتصادية مع الغرب.
وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الصين عززت وجودها الاقتصادي في إيران من خلال اتفاقية الشراكة الاستراتيجية لعام 2021، التي تشمل استثمارات بقيمة 400 مليار دولار على مدى 25 عامًا، لكن هذه الاتفاقية لم تُترجم إلى دعم عسكري ملموس في الأزمة الحالية.
وذكرت منشورات المراقبين عبر منصة إكس أن موقف الصين الداعي إلى "ضبط النفس" و"حل القضايا عبر الحوار"، يعزز صورتها كقوة مسؤولة. ومع ذلك، أشار تقرير صلحيفة جلوبال تايمز الصينية إلى أن بكين تخشى أن يؤدي التصعيد إلى تعطيل مشروع "الحزام والطريق"، خاصة الممرات التجارية التي تمر عبر الشرق الأوسط.
موقف روسيا: دعم سياسي وسط ضغوط داخلية وخارجية
وبالنسبة لروسيا، التي تربطها بإيران شراكة استراتيجية متعمقة منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فقد أبدت دعمًا سياسيًا قويًا لطهران لكنها امتنعت عن التدخل العسكري. وأدانت روسيا الضربات الأمريكية على إيران ووصفتها بأنها "تصعيد خطير"، كما اقترحت مع الصين وباكستان مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط. وأفادت وسائل الإعلام الروسية أن الرئيس فلاديمير بوتين، خلال مكالمته مع نظيره الصيني شي جين بينج، شدد على ضرورة احتواء الصراع، لكنه لم يُشر إلى أي نية لتقديم دعم عسكري مباشر.
وأشار تقرير ألماني لموقع دويتش فيله إلى أن روسيا تواجه معضلة دقيقة: فبينما استفادت من الدعم الإيراني في أوكرانيا من خلال تزويدها بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية، فإنها تتجنب التورط في صراع مباشر مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصة مع وجود جالية روسية كبيرة في إسرائيل. وأوضح موقع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكي أن العلاقة بين روسيا وإيران، رغم تعززها عبر التعاون العسكري في سوريا وأوكرانيا، لا تشمل بندًا للدفاع المتبادل، مما يحد من التزامات موسكو. ومع ذلك، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن زيارة إلى موسكو بغرض إجراء مشاورات مع بوتين، مما يعكس استمرار التنسيق السياسي الوثيق.
من الجانب الروسي، أشار تقرير لصحيفة كوميرسانت اليومية الروسية إلى أن موسكو ترى في دعم إيران فرصة لتعزيز نفوذها في مواجهة الغرب، لكنها تدرك أن التدخل العسكري قد يُعقد جهودها لتحسين العلاقات مع واشنطن، خاصة في ظل ضغوط ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وأكدت وكالة تسنيم الإيرانية أن طهران لا تتوقع دعمًا عسكريًا مباشرًا من روسيا، بل تركز على الدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة والمنتديات الدولية. وأفادت وكالة إرنا الفارسية أن إيران طلبت من روسيا تزويدها بمعدات دفاع جوي متقدمة مثل أنظمة إس-400، لكن مصادر روسية أشارت في تصريحات لصحيفة " نيزافيسيمايا جازيتا" إلى أن موسكو تتردد في تلبية هذا الطلب خشية استفزاز إسرائيل والغرب.
وكان منشور على منصة إكس على الحساب الرسمي لسفارة روسيا الاتحادية في طهران، @RusEmbIran، قد أكد التزام روسيا بدعم إيران في مواجهة "العدوان الأمريكي"، لكنه ركز على الحلول الدبلوماسية. وأشار تقرير لصحيفة "إزفستيا" الروسية إلى أن روسيا تستخدم إيران كورقة ضغط ضد الغرب، لكنها لن تعرض مصالحها العسكرية في سوريا أو علاقاتها مع إسرائيل للخطر.
السياق الجيوسياسي: حدود التحالف الثلاثي
على الرغم من تصنيف الولايات المتحدة للصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية كـ"محور الاضطراب"، يرى تقرير لمعهد كارنيجي أن هذا التحالف ليس متماسكًا كما قد يُتصور. فالصين تخشى من نزعة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية بسبب تأثيراتها المحتملة على مسلمي الإيجور في إقليم شينجيانج، بينما ترى روسيا في إيران شريكًا مصلحيًا بحتًا، خاصة في سوريا، حيث يوجد تنافس خفي على النفوذ. وأفادت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية أن روسيا حافظت على قنوات اتصال مع إسرائيل خلال الأزمة لتجنب سوء التقدير العسكري، مما يعكس حدود دعمها لإيران.
وتستخدم الصين وروسيا إيران كأداة ضغط استراتيجية لتعقيد السياسات الغربية، لكن دعمهما يظل محدودًا وحسابيًا لتجنب التصعيد المباشر مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وفقًا لـموقع الدفاع العربي، أعربت الصين عن قلقها من التصعيد العسكري، محذرة من تهديده لاستقرار المنطقة ومصالحها الاقتصادية، خاصة أمن الطاقة. وأكدت مصادر مثل تليجراف مصر أن كلًا من موسكو وبكين لن تغامرا بالتورط في مواجهة عسكرية مباشرة دفاعًا عن طهران، مفضلتين الدعم الاقتصادي والدبلوماسي. وأشارت وكالة مهر الفارسية إلى أن إيران تدرك هذه الحدود وتسعى إلى تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية بدلًا من الاعتماد الكلي على حلفائها.
التداعيات الإقليمية والدولية
تشير تقارير بي بي سي نيوز إلى أن موقف الصين وروسيا الداعم لإيران دبلوماسيًا يعزز انقسام مجلس الأمن، حيث تعرقل بكين وموسكو أي قرارات تدين طهران، وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن هذا الدعم، رغم محدوديته، يمنح إيران مساحة للمناورة في مواجهة الضغوط الغربية، لكنه لا يغير ميزان القوى العسكري لصالحها. وأشار تقرير في تشاينا ديلي إلى أن الصين ترى في الأزمة فرصة لتعزيز دورها كقوة عالمية مسؤولة، بينما تستغل روسيا الوضع لإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة، كما أكدت نوفوستي الروسية.
وذكرت صحيفة إيران أوبزيرفر أن إيران تتوقع دعمًا اقتصاديًا متزايدًا من الصين لمواجهة العقوبات، بينما يؤكد حساب مندوب روسيا لدى مجلس الأمن على استمرار التنسيق الروسي-الإيراني في الأمم المتحدة. ومع ذلك، أفادت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن إسرائيل حذرت روسيا من أي دعم عسكري محتمل لإيران، مما يبرز التوترات الكامنة في هذا التحالف.
ويظل موقف الصين وروسيا من إيران في يونيو 2025 داعمًا سياسيًا واقتصاديًا، لكنه محدود بحسابات استراتيجية تتجنب التصعيد العسكري. ويعكس هذا الموقف توازنًا دقيقًا بين المصالح المشتركة في مواجهة الغرب وحماية الأولويات الوطنية لكل من بكين وموسكو. بينما تقدم الصين دعمًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا لإيران، تركز روسيا على التنسيق السياسي دون المغامرة بمواجهة مباشرة مع الغرب وواشنطن. وفي ظل هذه التوازنات، تبقى إيران شريكًا مهمًا ولكن ليس محوريًا في استراتيجياتهما العالمية، مع تداعيات إقليمية تُبرز هشاشة التحالف الثلاثي أمام التحديات الجيوسياسية المعقدة.